الرأي

تنظيم الجهاد: تأسيسه.. أفكاره وأشهر قادته

يعدّ تنظيم الجهاد من أشهر التنظيمات في تاريخ الفكر الإرهابي وأكثرها إنتاجا على المستوى الفكري، وسنحاول التعرف على مساراته الفكرية والتنظيرية من خلال النقاط التالية.

أولا: النشأة والتأسيس

يقول مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية من خلال دليله عن الحركات الإسلامية في العالم: إن جماعة الجهاد لم تتشكل ككيان موحد سوى في نهاية عام 1980 وبداية عام 1981 عندما قام مؤلف كتاب “الفريضة الغائبة” المهندس محمد عبد السلام فرج بتوحيد عدة مجموعات صغيرة سبق لها التشكل والتواجد في مصر منذ بداية السبعينات ضمن جماعة واحدة حملت اسم “الجهاد”، وعلى أرضية فكرية واحدة مثلها ذلك الكتاب الشهير، ومن المعروف أيضا أنه قبل ذلك التاريخ، ومنذ نهاية الستينات شهدت مصر العديد من المحاولات الصغيرة لتشكيل جماعات تتبع فكر “الجهاد”، كما تبلور فيما بعد مع مؤلف “الفريضة الغائبة” كانت أولها هي الجماعة التي تشكلت في حدود سنة 1967 وكان من أعضائها أيمن الظواهري الذي أضحى بعد ثلاثة عقود زعيم “جماعة الجهاد” الموحدة، ومنذ ذلك الوقت وحتى نجاح محمد عبد السلام في توحيد تلك الجماعات “الجهادية” الصغيرة في جماعة واحدة، ظهرت وتلاشت عدة مجموعات شارك في تأسيسها أحيانا نفس الأشخاص الذين انتقلوا من جماعة إلى أخرى، وكانت من أبرز تلك الجماعات جماعة “الفنية العسكرية” التي سبق الحديث عنها باعتبارها أولى محاولات الحركة الجهادية المصرية لاستخدام القوة والعنف للوصول إلى الحكم.

ثانيا: آراء ومعتقدات التنظيم

رغم كثرة الدراسات والأبحاث التي أصدرها تنظيم “الجهاد”، إلا أن أهم تلك الدراسات في رأيي هما دراستان اثنتان: 

الأولى: كتيب “الفريضة الغائبة” الذي أصدره مؤسس التنظيم الأول المهندس محمد عبد السلام فرج. 

والثانية: كتاب “الجامع في طلب العلم الشريف” الذي كتبه الدكتور سيد إمام الشريف، وأصبح مرجعا لكل الجماعات الجهادية في العالم الإسلامي، وفيما يلي نظرة تحليلية لكلا الكتابين لنتعرف على أهم المسائل التي أثارها التنظيم، وتبريراته لانتهاج سبيل العنف المسلح.

كتاب الفريضة الغائبة 

طُبع من هذا الكتاب خمسمائة نسخة، وزعت على أعضاء التنظيم والمهتمين، ويعتبر هذا الكتيب كما يقول الدكتور النفيسي دستورا يسترشد به الأعضاء. 

أما أهم الأفكار التي تضمنها الكتاب، والتي يجب الإشارة إليها في أن علماء العصر تجاهلوا في رأيه “الجهاد في سبيل الله” بالرغم من علمهم بأنه “السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الإسلام من جديد” وأن “طواغيت الأرض” على حدّ تعبيره “لن تزول إلا بقوة السيف والجهاد”، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشّر بإقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة، فضلا عن كون الجهاد أمرا من أوامر المولى عز وجل، وواجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه، فإقامة حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين، وإذا كانت الدولة الإسلامية لن تقوم إلا بالقتال، فهو واجب وفرض على كل مسلم، ويقول إن الأحكام التي تحكم المسلمين اليوم هي “أحكام الكفر”، وأن “حكام المسلمين في هذا العصر تعددت أبواب الكفر التي خرجوا منها”… 

ولا يخشى محمد عبد السلام فرج من الفشل، حيث يقول: “وهناك من قال بأننا نخشى أن نقيم الدولة، ثم بعد يوم أو يومين يحدث رد فعل مضاد يقضي على كل ما أنجزناه، والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله، ولسنا مطالبين بالنتائج، وأن التشدق بهذا القول لا فائدة من ورائه إلا تثبيط المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعي”.

“يرى سيد إمام على هذا أن إنشاء الأحزاب السياسية، وإنشاء المجالس النيابية (البرلمانات) والمشاركة في هذه الأحزاب، أو في انتخابات المجالس النيابية أو الانتخابات، كل هذا كفرٌ أكبر ممن فعله، أو دعا إليه وزينه للناس، أو رضي به وإن لم يفعله.”

وقد رد مفتي الديار المصرية الشيخ جاد الحق على كل ما ورد في “الفريضة الغائبة” من آراء ونشر رده في جريدة الأهرام بتاريخ 07 مارس 1982.

على أرضية هذا الفكر الحركي الذي عرضنا له قام تنظيم الجهاد وأسس، الجهاد إذن وسيلة عملية لتقويم وضع لا يتمتع بالشرعية الإسلامية كما يفهمها التنظيم، وينطلق من قناعات دون دراسة لقابليات الواقع السياسي والاجتماعي لتقبل تلك القناعات أو من يمثلها في حال قيام دولة الإسلام، مما انعكس على سياسات التنظيم في التجنيد، إذ فتح الباب لكل راغب في سلوك سبيل الإرهاب، وقد صرح عبُّود الزمر في التحقيقات أن أسلوب التجنيد كان عشوائيا على نحو كبير.

أما من ناحية الخلفية الاجتماعية، والانتماء الطبقي لمعظم أعضاء التنظيم، فيلاحظ أن غالبيتهم ينحدرون من الطبقة المتوسطة والدنيا، وينحدرون من أصول ريفية، ومدن صغيرة، ومن الأحياء التي تعاني من الفقر والتهميش. 

ولا ينظر أعضاء التنظيم إلى أنفسهم على أنهم يشكلون بديلا إسلاميا، بل إنهم ينظرون إلى التنظيم وقيادته على أنه الحل الوحيد أمام الأمة. 

وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن كراسة “الفريضة الغائبة” ظلت منذ عبد السلام فرج هي المنبع الرئيس لأفكار تيار الجهاد رغم التغييرات التي طرأت عليه منذ نشأته.

الجامع في طلب العلم الشريف 

وهو موسوعة ضخمة، يزيد عدد صفحاته على الألف صفحة في مجلدين كبيرين، ضمَّنه صاحبه، وهو الدكتور سيد إمام الشريف، القضايا العلمية والعملية التي مثلت موضوعا للنقاش والاهتمام والجدل داخل الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924.

يقول سيد إمام في مقدمته: “وقد تكلمت في هذا الكتاب في كثير من الموضوعات التي تشغل بال المسلمين في هذا الزمان.. وذلك مثل موضوع التقليد والإتِّباع، وموضوع الجهل بالعذر، وموضوع التكفير وضوابطه، وموضوع الديمقراطية وأساليبها، وموضوع حكم الحاكمين بغير ما أنزل الله، وحكم أعوانهم وأنصارهم، وموضوع الديار وحكم عوام الناس”…

والحقيقة أن هذا الكتاب هو “دستورُ” الجماعات الإرهابية التي ابتلي بها المسلمون اليوم، والمنظر لعمليات الإجرام والتكفير، التي خاضت في بحار الدماء المعصومة، والأعراض المصونة، وما نتج عن كل ذلك من خراب ودمار في ديار المسلمين وغير المسلمين. 

فهو يرى أن الحكم بالقوانين الوضعية “كفر أكبر”، ممن وضع وضعها، أو حكم بها، أو دعا إلى التحاكم إليها، أو تحاكم إليها راضيا بها، أو دافع عنها، كل هؤلاء في نظره “كفار خارجون عن ملة الإسلام”. 

ويترتب على هذا تحريم العمل بهذه القوانين في رأيه، وتحريم الحكم بها، والتحاكم إليها، وتحريم العمل في المؤسسات الحاكمة بها كالمحاكم، وتحريم تنفيذ ما حكم به القضاة. 

أما الديمقراطية في نظر صاحب الجامع فهي قانونٌ وضعي مخالِف للشرع اخترعه الكفار، ويقضي بمنح البشر الحق المطلق في التشريع، وذلك في مقابل دين الإسلام الذي جعل حق التشريع فيه لله تعالى، فالديمقراطية على هذا كفرٌ أكبر، حكمُها ذلك حكم مثلها من القوانين الوضعية، بل هي -على حسب رأيه- “دينٌ مخالف لدين الإسلام” لما تمثله من “شرك صريح في الربوبية”. 

ويرى سيد إمام على هذا أن إنشاء الأحزاب السياسية، وإنشاء المجالس النيابية (البرلمانات) والمشاركة في هذه الأحزاب، أو في انتخابات المجالس النيابية أو الانتخابات، كل هذا كفرٌ أكبر ممن فعله، أو دعا إليه وزينه للناس، أو رضي به وإن لم يفعله، لأن هذه في رأيه وسائل تطبيق الديمقراطية التي هي “دين الكفار” عنده.

ويقول مخاطبا من يتبعه على هذا الفكر التكفيري المنحرف: “ولا تغترّ بكثرة الهالكين في هذا، الذين فارقوا دين الإسلام، ودخلوا في دين الكفار، ما داموا قد ارتضوا بالديمقراطية ووسائلها، وإن كان أحدُهم يركع في اليوم ألف ركعة، أو يختم في اليوم مائة ختمة فهو كافر”؟!

“هذا الكتاب هو “دستورُ” الجماعات الإرهابية التي ابتلي بها المسلمون اليوم، والمنظر لعمليات الإجرام والتكفير، التي خاضت في بحار الدماء المعصومة، والأعراض المصونة، وما نتج عن كل ذلك من خراب ودمار في ديار المسلمين وغير المسلمين.” 

هذه نظرة مختصرة على ما جاء في كتاب الجامع لسيد إمام الشريف الذي نستطيع أن نعتبره “قاموس التكفير”، وإطلاق الأحكام العظيمة التي يحجم عنها كبارُ أئمة العلم والإيمان، ولكنه التهوُّر، وسفاهة العقل التي وصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أجدادهم من الخوارج المارقين، ولعلنا نعود إلى هذا الكتاب بدراسة نقدية أوفى وأشمل.

أهم قادة تنظيم الجهاد 

أبرز قادة تنظيم الجهاد في نظري هما شخصيتان اثنتان كان لهما عظيم الأثر في المسارات العلمية والعملية التي مر بها التنظيم وهما: 

الدكتور سيد إمام الشريف 

يعرف في أوساط الحركات الإرهابية باسم “عبد القادر بن عبد العزيز” ويحظى بقبول واحترام كبير بداخلها، حيث ترى تلك الأوساط أن مكانته العلمية لا تضارع، خاصة وأنه منقطع لتحصيل العلوم الشرعية، ويمثل بالنسبة لتلك الأوساط مرجعية علمية كبيرة.

والشريف من مواليد 1950، وهو خريج كلية الطب عام 1974 وتخصص في الجراحة، وقد كان متهما في القضية المسماة بقضية “الجهاد الكبرى” التي تلت اغتيال الرئيس السادات عام 1981 وظل متنقلا بين عدة بلدان كان آخرها اليمن، حيث قامت السلطات هناك بالقبض عليه وتسليمه لمصر في فبراير عام 2004.

وكان قبل ذلك يقود التنظيم من باكستان وأفغانستان، ويوجه أعضاءه من هناك، وفي عام 1993 حدثت هزة كبيرة في التنظيم بسبب انكشاف جناح طلائع الفتح العسكري الخاص به، وقيام السلطات المصرية بإلقاء القبض على نحو ألف شخص من أعضائه، أدى ذلك إلى أزمة كبيرة داخل الجماعة مما أدى إلى تنحية سيد إمام الشريف من الإمارة وتنصيب أيمن الظواهري مكانه. 

أيمن الظواهري 

هو من مواليد القاهرة سنة 1951 لوالدٍ كان أستاذا بكلية الصيدلة.

بدأ التحاقه بالحركات التي تنتهج مسلك العنف منذ سنة 1968 حين شكل مع آخرين جماعة صغيرة سرعان ما تفككت وخاض بعدها عدة تجارب، وقد حوكم في قضية محاولة قلب نظام الحكم، وأدين بثلاث سنوات حبسا وخرج منه عام  1984، وخرج من مصر إلى مكان غير معروف عام 1986 وتأكد وجودُه بعد عشر سنوات في أفغانستان.

وبعد القضاء على أسامة بن لادن من طرف القوات الخاصة للبحرية الأمريكية كما هو معلوم أصبح الظواهري أميرا عاما لما يسمى بتنظيم “القاعدة”.

نهاية تنظيم الجهاد

لا يمكن أن تكون نهاية التنظيم ولا غيره من التنظيمات التي خاضت في بحار الدم والإرهاب إلا نهاية واحدة وهي التلاشي والتفكك، تلك هي سنة الله القدرية فيهم التي لا يمكن أن تتخلف أبدا. 

وعندما تحالف الظواهري مع أسامة بن لادن على تشكيل ما أسموه “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين” تسبَّب ذلك في غضب بعض مساعديه الذين اعترضوا على الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية دون سبب وجيه، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من ضرب التنظيم وتدمير عناصره.

وإزاء تلك الضغوط تنازل الظواهري طواعية عن إمارته في النصف الثاني من سنة 1999 بعد أن انقسم التنظيم إلى قسمين: الأول ذهب مع الظواهري والثاني مع المسمى ثروت صلاح شحاتة، وجرت بعد ذلك اتصالاتٌ بين القادة لترتيب الأوضاع، لكنهم فشلوا في اختيار بديل للظواهري فعادوا يطالبونه بالعمل في إطار الجبهة الجديدة، وبذلك تحول قائدا لتنظيم صغير من جماعة الجهاد. 

أما أغلبية أعضاء الجماعة فقد أعلنوا في العديد من البيانات وقف كل أشكال العنف، وبدء تحولهم إلى جماعة سياسية تعمل بشكل علني في إطار الدستور والقانون المصريين. 

وبذلك أسدل الستار على تنظيم يعدُّ من أشرس التنظيمات المتشددة في تاريخ الفكر التكفيري.

مقالات ذات صلة