-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

توظيف التصوّف بين أمريكا وإسرائيل وإيران

سلطان بركاني
  • 3502
  • 0
توظيف التصوّف بين أمريكا وإسرائيل وإيران
ح. م

في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي حصلت في تركيا أواسط شهر جويلية الماضي، بدا واضحا الدّور البارز الذي لعبته حركة الخدمة التي يتزعّمها “فتح الله كولن” القابع في منفاه في بنسلفانيا الأمريكية، بالتعاون مع إدارة البيت الأبيض الأمريكي، لإسقاط نظام الرّئيس الإخواني رجب طيّب أردوغان.

كولن المحسوب على التيار الصوفي والذي ترجمت كتبه عن التصوّف إلى أكثر من 30 لغة، كانت له مواقف تتّسق مع الخطّ الصّوفيّ الإرجائيّ وتُناقض مواقف حزب العدالة والتنمية وسياساته الرّامية إلى تغليب البعد الإسلاميّ والتاريخيّ لتركيا وأسلمة الحياة العامّة، كان من أبرزها وأغربها موقفه من حظر الحجاب في الجامعات في ثمانينات القرن الماضي، حيث قال كولن يومها إنّ لبس الحجاب ليس من أصول الإسلام، بل هو قضية فرعية، وأشار على الطالبات بخلع الحجاب لمواصلة دراستهن! وعلى الرغم من النّجاح الباهر الذي حقّقه حزب العدالة والتنمية في نقل تركيا إلى مصافّ الدّول المتقدّمة، إلا أنّ حركة كولن لم تتوانَ في مناوأة أردوغان وتشويه صورته في الدّاخل والخارج بتحريضٍ مباشر من الإدارة الأمريكيّة. 

لم تكن هذه المرّة الأولى التي سعت فيها الإدارة الأمريكيّة إلى توظيف التصوّف في مواجهة الإسلام السياسي الحركي، فقد سبق للرّئيس الأمريكي باراك أوباما أن وجّه أواخر العام الماضي 2015م دعوة مباشرة لعدد من أقطاب الطرق الصوفية في السّودان، سارعت هذه الأخيرة لتلبيتها في ذكرى المولد النبويّ الشّريف، وقامت بزيارة إلى واشنطن استغرقت أسبوعين شاركت خلالهما في ورشة نظّمت لبحث الوسائل والطرق الكفيلة بمكافحة الإرهاب والتطرف الديني.

وقبلها كان سفراء الولايات المتّحدة الأمريكيّة في عدد من الدول الإسلامية ينظّمون زيارات مجاملة وتأييد لمشايخ الطرق الصوفية في المواسم التي تحييها سنويا عند أضرحة بعض الأولياء المعروفين.

هذا المسعى الذي تبنّته الإدارة الأمريكية في توظيف التصوّف يأتي تنفيذا لتوصيات مراكز أبحاث مشهورة، كانت قد تبنّت الدّعوة إلى دعم الطرقية للوقوف في وجه الحركات الدّعوية والجهادية بعد أحداث الـ11 سبتمبر 2001م؛ ففي شهر مارس 2007م، أصدرت مؤسّسة “RAND” الأمريكية تقريرا استراتيجيا غاية في الأهمية يتألّف من 217 صفحة، عنوانه: “بناء شبكات مسلمة معتدلة”، ينصّ صراحة على أنّ الذين يقومون بتقديس أئمّتهم وشيوخهم ويصلّون في القبور ويقدّمون نذورهم، هم حلفاء طبيعيّون للغرب.

وقبله كانت وحدة البحث في الأمن القومي التّابعة لمركز “RAND” بالولايات المتّحدة الأمريكيّة أصدرت سنة 2004م بحثا بعنوان “الإسلام المدنيّ الديمقراطي”، عدّ بمثابة استراتيجية أمريكية للتّعامل مع المسلمين الذين يقسّمهم التقرير إلى 4 فئات؛ مسلمين أصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين، و”المسلمون التقليديون” هو الوصف الذي أطلقه التّقرير على أتباع الاتّجاه الصّوفي بمختلف طرقه، وأوصى بدعمهم لمواجهة “المسلمين الأصوليين” باعتماد أساليب محدّدة، هي ذاتها الأساليب التي يواجَه بها الإسلام السياسي الدعوي في وسائل الإعلام المختلفة.

وقبل هذا التّقرير الذي صدر سنة 2004م، كانت القوات الجوية الأمريكية بعد أحداث الـ11 سبتمبر موّلت بحثا حول الإستراتيجية التي ينبغي للولايات المتّحدة الأمريكية اعتمادها للتّعامل مع الإسلام والمسلمين، وقد صدر البحث تحت عنوان “العالم الإسلامي بعد أحداث الـ11 سبتمبر”، نشر فيما بعد في كتاب مؤلّف من 567 صفحة، وأكّد بدوره على أنّ الصّوفيين هم حلفاء طبيعيون للغرب في حربه ضدّ الراديكالية.

الكيان الصّهيوني من جانبه سعى لتوظيف التصوّف القبوري لخدمة أجنداته في المنطقة العربية والإسلاميّة؛ ففي تقرير له، أوصى مركز “هرتسليا” أحد أهمّ مراكز البحث في المناعة القومية لإسرائيل، أوصى الدّول الغربية بتوفير المزيد من الدّعم للتصوّف في الدّول العربية، لمواجهة الإسلام السّياسي الذي تتنامى شعبيته، في ظلّ النّقمة المتزايدة على الأنظمة العربية التي فشلت فشلا ذريعا في انتشال دولها من شرنقة التخلّف والتبعيّة، وقبله كانت أكاديمية القاسمي بالاشتراك مع الجامعة العبرية في القدس قد عقدت ملتقًى عُدّ الأوّل من نوعه في إسرائيل، لبحث سبل دعم التصوّف ونشره، بعنوان “التصوف في فلسطين: الماضي والحاضر” يومي 26 و27 أفريل 2006م. في قاعة “مئيرسدورف” بالجامعة العبرية.

رغم هذه الحقائق السّاطعة التي تكشف بما لا يدع مجالا للشكّ سعي أجنحة المكر في هذا العالم لتوظيف التصوّف القبوري في مواجهة الإسلام السياسي والحركي، لا يجد عملاء المشروع الإيراني الطّائفي غضاضة في التّناغم مع هذه الخيارات، لا لشيء إلا لأنّها تتّفق مع خيارات المشروع الصفوي الإيراني الرّامي إلى اختراق أهل السنّة بدعم التصوّف القبوري الذي كان ولايزال يشكّل قنطرة نحو التشيّع الباطني؛ وفي هذا الصّدد كان تقرير لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر صدر في نوفمبر 2007م كشف عن استغلال بعض التيارات والجهات الشيعية للطرق الصوفية في مصر في محاولة نشر أفكار ومبادئ المذهب الشيعي بين أتباع ومريدي هذه الطرق مستغلة في ذلك وجود تشابه بين التصوف والتشيع، وأشار التقرير الذي أعدته لجنة المتابعة بالمجمع إلى تدفق الأموال على أتباع الطرق الصوفية في مصر، بعد تصريحات أطلقها بعض رموز التصوف، أشاروا فيها إلى أنه لا فرق بين الشيعة والمتصوفين! كما كشف التقرير عن سعي إحدى الطرق الصوفية إلى إنشاء مركز دراسات للشيعة بتكلفة تصل لأكثر من 10 ملايين جنيه تتكفّل بها بعض الجهات الشيعية!

ختاما لعلّه يحسن بنا -قياما بواجب العدل- أن نشير إلى أنّه لا غنى للأمّة عن التصوّف السني الصّحيح الذي يقوم على الزّهد في الملهيات والسّفاسف التي لا تُصلح دينا ولا تقيم دنيا، بعيدا عن التصوّف الطّرقي الذي يريد أن يزهّد الأمّة في مقارعة الظّلم ويرغّبها عمّا هو نافع من شؤون الحياة، ويدعوها إلى التمسّك بالخرافات والتعلّق بالأموات ولزوم الأضرحة والمزارات، ويرضى بأن يكون بابا مشرعا يدخل منه المتربّصون بالأمّة وبدينها.

الغرب الحاقد كما يسعى لتوظيف التصوّف القبوري، فإنّه يسعى أيضا لاستغلال توجّهات أخرى تلهي الأمّة عن رسالتها وعن قضاياها ومآسيها، ولم يستثن من ذلك بعض التوجّهات السلفية وعلى رأسها السلفية المدخليّة التي أشارت بعض التقارير الأمريكيّة إلى ضرورة توظيفها لخدمة الأجندات الغربية في المنطقة الإسلاميّة. لذلك أصبح لزاما على عقلاء الصوفية وعقلاء السلفية وعقلاء الأمّة عامّة أن يسعوا لكشف المخطّطات الأمريكية والصهيونية والإيرانيّة لاختراق الأمّة الإسلاميّة، ويحذّروا أتباع الطّوائف التي تسعى أجنحة المكر لاستغلالها في توهين وتشتيت الأمّة المسلمة. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!