-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثقل المحفظة.. هل يُحلّ باللوحات الرقمية؟!

ثقل المحفظة.. هل يُحلّ باللوحات الرقمية؟!

من الطبيعي جدا أن يواجه الناس الكثير من المشاكل في الحياة.. ومن الاعتيادي أيضا أن تنشأ سيول المشكلات للناس أثناء ممارساتهم ونشاطاتهم اليومية.. لا يشذ عن هذه القاعدة الحياتية أيُّ فرد أو جماعة أو مجتمع أو كيان.. ولأنه -وكما تقرر من تجارب الحياة والناس- أنّ لكل مشكلة حلها بل حلولها، وأنه أيضا لكل مشكلة أهلَها ومهنييها وأصحابها وخبراءَها العالمين بأسرارها والحاذقين بمكامنها وخيوطها والعارفين بخباياها وأزرار تشغيلها وتوقيفها.. والتي على أيديهم وبخبرتهم وممارستهم سرعان ما تتفكك عقدُها، وتنجلي تعقيداتها، وتنطلق روح الحياة فيها مجددا.. هكذا تقررت هذه السُّنة الكونية، ومضت هذه القاعدة الذهبية، منذ الاجتماع الفطري البشري من القِدم إلى اليوم وفق نواميس وقوانين وسنن الاجتماع البشري.

وما حقلُ التربية والتعليم إلاّ مجالٌ حيوي من مجالات الحياة البشرية القويمة، يسير ويتقدّم ويتعثر أيضا، ويصيب وينجح ويفشل ويخطئ القائمون عليه، ويعتريه الصواب والخطأ، ويمسّه العطب ويسرع إليه العطل كغيره من سائر ميادين ومجالات الحياة البشرية، ولكنه لا يستطيع تجاوز مشكلاته تلك إلاّ بتدخّل أهل الصيانة والمهنية والحِذْقِ والاختصاص، ممن يستطيعون فهم حقيقة وأسباب ومظاهر وآثار مشكلاته أيضا.. ويقدرون على تصحيحها ويتمكنون من إصلاحها حتى تعود كسابق عهدها الأول.. تعمل بنفس الوتيرة من الجدية والفاعلية، وهذا هو عين الصواب الواجب الأخذ به والعمل في إطاره والانضباط بضوابطه.. كما هو معمولٌ به لدى الأمم الناهضة.

ولعل مشكلة ثقل الحفظة المدرسية التي يعاني منها التلاميذ من عقدين من الزمن الآثيم في مراتع وسواد النظريات والمقاربات الغربية المستورَدة.. والمطبّقة على جحافل الأجيال البريئة من أبنائنا جعلتني أُدلي بدلوي كأستاذ سابق في مرحلة التعليم الثانوي (1982-1993م)، وكأستاذ جامعي (1993-2022م) وكوليِّ أمر لثلاثة تلاميذ..

كل هذا وغيره من الهمّ الرسالي والدعوي حملني على تقديم بعض الحلول لأزمة ثقل المحفظة المدرسية، التي اعترضت ومازالت –للأسف الشديد- تعترض ذلك الحشدَ الكبير من الموظفين والإداريين والمديرين والمفتشين المركزيين وغير المركزيين والمستشارين العطّل من المعارف والعلوم والقراءات.. الذين تضيق بهم مكاتب وزارة ومديريات التربية، ويستهلكون رواتب ومنحا وامتيازات زائدة تُقتطع من أموال الأمة المسكينة.. دون أن يجدوا حلا لمشكلة هم المتسبِّبون فيها بصمتهم وسكوتهم وتآمرهم مع من أراد حصد التيه والضياع والفشل في أبنائنا المنتحرين في قوارب الهجرة الشرعية وغير الشرعية.

وعوض أن يجتهد هؤلاء المتكلسون في دواليب المكاتب ويكتبوا المقالات والدراسات ويجروا الأبحاث الميدانية ويطّلعوا على خبرات الأمم، نراهم يسايرون الجهات الوصية في أخطائها الفادحة في هذا المجال الحيوي منذ فضيحة الباكلورية سنة 1992م التي حدثنا عنها الوزير علي بن محمد شخصيا سنة 1997م أثناء أشغال المجلس الأعلى للتربية في عهد الوزير عمر صخري حفظه الله رفقة الأستاذ الدكتور الراحل رابح بلعيد والأستاذ الدكتور يوسف مناصرية حفظه الله.

ولحل هذه المشكلة وفق مقارباتي وخبراتي التعلمية والتعليمية والمهنية السابقة والآنية، أود أن أُذكّركم ببعض المعطيات المهمة لحل هذه المشكلة التي تبدو لكم صعبة وعويصة، وهي عكس ذلك لو أردتم الخير للأمة الجزائرية ولأبنائها حتى يصيروا في عداد الأجيال البررة، وخشيتم على الاستمرار في مزالق الاستيراد والاندياح تحت أقدام الغرب الصليبي واليهودي الآثم، وعففتم عن الصرف والبذخ وتحويل أموال الأمة لشراء مستوردات ستزيدنا تعقيدا ومشاكل كثيرة تجعلنا عاجزين عن حلها، لأنها أعقد من غيرها ومن سابقاتها.. وهذه المعطيات هي:

1 –أن حجم ساعات التدريس قليلة مقارنة بحجم وكمّ ووزن الكتب.

2 – أن عدد الدروس والمحاور كبير وكثيف ولا تستطيع ساعات الدرس استيعابه.

3 – أن محاور الدروس كثيرة ومتعددة الدروس، ففي المحور أربعة أو خمسة دروس فضلا عن النصوص المبثوثة بينها، فيصير عدد دروس المحور سبعة دروس.

4 – أن مجموع النشاطات التي تتبع كل درس كثيرة وكثيفة جدا، وكثير منها لا معنى له، ولا يمكن إنجازه البتة، كنشاط (اسمع ثم حرر)، ونشاط (إنشاء حوار جماعي)، ونشاط (إنجاز عمل جماعي)، ونشاط (الجداول والمطالب)، ونشاط (عبّر وانسخ).. وغيرها، مما يزيد في حجم الصفحات مع كل درس.

5 – كثافة عدد المواد، فانظروا برنامج السنة الأولى فيه أربعة كتب وزنها 1200 غرام.

6 – تخصيص معلم واحد للمرحلة الابتدائية مع زيادة معلم الفرنسية.

7- غالبية الدروس غير معتمَدة في البرنامج، فيحمل التلاميذ في التعليم المتوسط ستة كتب بوزن اثنين كيلو غرام دون أن يستفيدوا منها بكلمة واحدة (انظروا مقالنا السابق: أبناؤنا والكتب المدرسية).

8 – ضآلة وعدم كفاية الساعة على تقديم درس متكامل. بل ثمة دروس كما أعرف ذلك من خلال تدريس ابني لمادة اللغة العربية سنة رابعة متوسط. تحتاج إلى خمس ساعات.

9 – عدم مراعاة عدد التلاميذ في القسم، فضلا عن أن يكون للأستاذ القدرة على تميز وروز الفروق الفردية بينهم.

10- تأنيث التعليم وما يصاحبه من اختلالات وأعطال وعيوب بسبب التكوين النفسي والعصبي والفزيولوجي والأدائي والمهاري للمرأة.. التي تعتريها حالات الولادة والحمل والمشكلات الأسرية والزوجية الخاصة التي تنعكس سلبا على تكوين التلاميذ، وهذا النظام يحاول الغرب التخلص منه قدر الإمكان.

11- توظيف الآلاف من المستهترين وغير المؤهّلين والمتمكنين روحيا ونفسيا وعلميا ومعرفيا ومنهجيا وخلقيا ودينيا وروحيا ووطنيا.

وإذا وضعنا كل المعطيات بين أيدينا أمكننا فهم المشكلة، وبالتالي حلها، فنعمل على استبعاد الكتب الملغاة، وتقليص عدد المحاور، وتقليص عدد الدروس، وتقليص عدد الأنشطة في كل درس، والاكتفاء بثلاثة دروس في كل محور، والاكتفاء بنشاطين أو ثلاثة في كل درس.. وهكذا ندرس المشكلة ولا نذهب بمعالجتها بمشكلة أعقد منها عجزنا عن حل سابقتها.

إذا وضعنا كل المعطيات بين أيدينا أمكننا فهم المشكلة، وبالتالي حلها، فنعمل على استبعاد الكتب الملغاة، وتقليص عدد المحاور، وتقليص عدد الدروس، وتقليص عدد الأنشطة في كل درس، والاكتفاء بثلاثة دروس في كل محور، والاكتفاء بنشاطين أو ثلاثة في كل درس.. وهكذا ندرس المشكلة ولا نذهب بمعالجتها بمشكلة أعقد منها عجزنا عن حل سابقتها.

أما حل المشكلة بتعميم (اللوحات الرقمية) فهذا الجنون بعينه، وهذا الانتحار غير المدروس الذي ستلقون من خلال تطبيقه بما تبقى سليما معافى من أبنائنا البررة.. وإليكم بعض التفصيل في شكل تساؤلات في ذلك الأمر: أين هي البيئة الرقمية المتوفرة لدينا؟ وأين هي الحكومة والنشاطات الرقمية؟ ومن أين سنأتي بهذه اللوحات؟ هل نستوردها كعادتنا في التمرغ في رغام ووحل الاستيراد الأرعن؟ وهل سنصنعها بإمكاناتنا الوطنية المحلية؟ وهل بالفعل هذا الجيل مؤهَّــلٌ للتعامل الرقمي؟ ونتصور ما بعد حصول التلاميذ على اللوحات الرقمية كيف ستكون عملية التحول المفاجئة لديهم؟ وهل هذه الأجيال مؤهَّلة للتعامل مع هذه اللوحات الرقمية في العلم والمعرفة فقط؟ وكيف يمكننا أن نحولها وننقلها من مرحلة وحالة التسلية واللعب والترويح إلى حالة طلب العلم؟ وأي المقاربات والنظريات سنعتمد وننهج؟ ومن سيقتنيها: الوزارة أم الأولياء؟ وفي حالة تعطلها من سيصلحها المعلم أو الخبير؟ وكيف يمضي الدرس في حالة نسي التلميذ شحن لوحته الرقمية؟ وكيف نعلم التلاميذ في حالة الغضب والانفعال والصدام؟ وهل سنضطر لتوظيف خبراء في الإعلام الآلي؟ وهل درسنا بالفعل نفسيات وأخلاق وتربية أبنائنا في التعامل مع الإعلام الجديد؟ وهل تسترد المدرسة اللوحة من التلميذ في نهاية المرحلة الدراسية؟ وكيف نتصرف في حالة احتفاظه بها؟ وكيف ندرس في حالة انقطاع التيار الكهربائي وشبكة المعلوماتية؟ وكيف وكيف؟؟

ووالله إنها لعشرات من الأسئلة يسألها العلماء والباحثون الحقيقيون على أنفسهم ألف مرة قبل أن يقدموا على أي خطوة في هذا المجال أو في غيره.. لأن البحث العلمي يقضي بذلك ويأمر بذلك.. والعلم يحل المشكلات.. والاستهتار الأحمق والتفيهق الأجوف يقضي بعكسه.. إن حل مشكل بمشكل أعقد منه لهو دليلٌ على النزق والطيش.. فأبعدوا أمثال هؤلاء تفلحوا..  واحجروا عليهم قبل أن تضيع أموال وأجيال الأمة. أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • ahmed

    Chokitni

  • جزاءري

    لن يحل شيىء بالتكنولوجيا الرقمية لان مشكلتنا ثقافية . نحن نهتم بالتكديس كما قال مالك بن نبي ونعتقد ان التكديس هو المخرج . حتى اللوحة الرقمية سنكدسها بكم هاءل مما يثقل كاهل التلميذ .

  • محمد

    ما زلنا نحكي معضلة اللوحات الرقمية؟

  • المهتدي بالله

    كم نحتاج إلى مولدات وشواحن كهربائية؟؟ وكيف نشحن تلك اللوحات الرقمية؟؟ وهي مهمة من المعلم ام الحارس ام الخبير في الإعلام الآلي؟؟ وهل نترك التلاميذ يقومون بعملية الربط والنزع؟؟ وتصوروا لو ان واصلا كهربائيا به خلل؟؟ ومن المسؤول عن سلامة التلاميذ من الناحية التقنية؟؟ ومن ومن؟؟ أسئلة كثيرة هل فكرتم فيها؟؟

  • مروان

    شكرا يا أستاذ على المقال، لكن القائمين على التخطيط للتعليم في الجزائر هم الأبعد عن العلم. أنظر إلى تعليم اللغات الأجنبية مثلا. الهدف من تعليم اللغات الأجنبية في الدول التي تحترم نفسها هو تمكين الطلاب من الإطلاع على المراجع العلمية، بينما في بلدنا الهدف منه - بالنظر إلى النصوص المتواجدة في الكتاب المدرسي- هو تمكين الطلاب من اللغط بهذه اللغات لا أكثر.

  • عبد الرحيم

    بارك الله فيك أستاذي وفي علمك فعلا بلغت ونحن شاهدون ولك طبعا أن تقدم حلولا لهذه المنظومة التي تزداد سوء يوم بعد يوم ومن غيرك له بعد 40 سنة في هذا المجال بل لك أن تكون على رأس لجنة إعداد وتقييم المناهج والكتب .