-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حينما تصل سكّين الظّلم إلى العظم!

سلطان بركاني
  • 1157
  • 0
حينما تصل سكّين الظّلم إلى العظم!

يُتداول على مواقع التواصل الاجتماعيّ، منذ مدّة، مقطع مصوّر، يقال إنّه لعامل بكردستان تركيا (كردستان الشّمالية)، يحطّم بجرافة يقودها خمس شاحنات تابعة للشّركة التي يعمل بها، احتجاجا على تأخّر مسؤول الشّركة في سداد راتبه، ما يدلّ على أنّ العامل قد بلغت سكّين الظّلم إلى عظمه، فلم يجد من وسيلة للانتقام من المسؤول المماطل وغير المبالي إلا أن يسبّب له خسارة فادحة تمثّل أضعاف الراتب الذي ضنّ به عن مستحقّه.

الفساد حرام شرعا ومرفوض فطرة وطبعا، والمطالبة بالحقوق لا يجوز أن تكون بإفساد الممتلكات العامّة أو الخاصّة، ومَن ظلم شُرع له أن يستخلص حقّه -من دون زيادة عليه- بأيّ وسيلة لا ظلم فيها ولا عدوان؛ لكنّ الظّلم الأسود، قد يحوّل شخصا وديعا، إلى وحش كاسر، وقديما قال صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أبو ذرّ الغفاري -رضي الله عنه-: “عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه، ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه”.. الظّلم وقْعه ثقيل على النّفوس، خاصّة نفوس الضّعفاء الذين تتصبّب أجسادهم عرقا وتجفّ حلوقهم جَهدا وهم يسعون خلف لقمة العيش، ويخرج الواحد منهم كلّ صباح وهو يحمل من الهموم ما تنوء به الجبال؛ من مرض زوجة، وحاجة ولد، وفواتير أثقلت كاهله بأرقامها، وديون لا يستطيع سدادها لكثرتها، وبعد أن يسيل عرقه على الأرض، يقابله مسؤولٌ خلا قلبه من الرّحمة، يعامله بكبر ولا مبالاة، ويماطل في إعطائه أجرته، وربّما يحرمه حقّه في التّامين والعطل الأسبوعية والسّنوية، وفي كلّ مرّة يعده ويخلف الوعد، ويتعامل مع العامل المسكين كما لو كان متسوّلا يطلب الصّدقة والإحسان!

كثير هم أولئك الذين أغوتهم الأموال والمناصب، وأخلدوا إلى الأرض وأطاعوا أنفسهم الأمّارة بالسّوء، وأصبح الواحد منهم لا يوصل الحقوق إلى أصحابها حتّى يسمع إلحاحهم وضراعتهم! كأنّما يعطيهم من لحمه ودمه! وإذا أعطاها ربّما أنقصها، وربّما أتبعها بالإهانة والتقريع! ومثل هذا الجاحد، ينسيه شيطانه أنّه إنّما يدفع حقوقا ولا يمنح صدقات، يدفع أجورا كان يفترض في حقّه أن يوصلها في وقتها بكلّ تواضع ويرفقها بعبارات الشّكر والامتنان لأولئك المطحونين الذين تقوم على كواهلهم المؤسّسات والشّركات.

وما يقال عن هذا الصّنف من المسؤولين وأصحاب الأموال في الشّركات العامّة والخاصّة، يقال كذلك عن صنف آخر من الجاحدين ومصّاصي الدّماء، أولئك الذين يستدعي الواحد منهم عاملا لينجز له عملا في بيته أو في بستانه أو مؤسّسته، ويسمعه من أطايب الكلام ما يشنّف سمعه، ويعده بأنّه سيستلم حقّه كاملا مستوفى في اللّحظة التي ينهي فيها عمله، لكنّ العامل الذي ربّما يسيل دمه مع عرقه، يفاجأ بصاحب العمل يغيّر جلده عند نهاية العمل، ويقدّم له الأعذار الكاذبة ليتملّص من إعطائه حقّه، ويطلب منه الانتظار أياما، وأسابيع وأشهرا، ويظلّ صاحب العمل يماطل ويتهرّب، حتّى ييأس العامل ويكل أمره إلى الله!

هذا الصّنف من أصحاب الأموال يظنّون أنّهم أذكياء يخادعون النّاس، وهم يخدعون أنفسهم ويجرّون عليها لعنات الدّنيا والآخرة، وتنسيهم شياطينهم أنّهم سيدفعون أضعاف ما جحدوه من حقوق، خسائر ومصائب وأمراضا وهموما، ويحيق بهم في الآخرة من العذاب ما لم يكن يخطر لهم على بال، يقول الله تعالى كما في الحديث القدسي: “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره” (البخاري).
فيا أيها المسؤولون في المؤسسات العمومية، اتقوا الله في الموظفين الذين هم تحت مسؤوليتكم، واصرفوا رواتبهم ومستحقاتهم وأعطوهم حقوقهم في الترقيات، في وقتها، فإنّكم لا تدرون ما يعانيه كثير منهم، وأنتم موقوفون بين يدي الله ومسؤولون.
يا أيها المسؤولون في المؤسسات والشركات الخاصّة، اتقوا الله في العمال الذين ألجأتهم الحاجة للعمل عندكم؛ لا تستعبدوهم ولا تهينوهم ولا تهدروا كرامتهم، ولا تكلفوهم من العمل فوق ما يطيقون، ولا تسخروهم لقضاء مآرب ليست من صميم عملهم، ولا تحرموهم حقّهم في التّأمين، ولا تشرطوا عليهم التنازل عن حقّهم في التأمين مقابل الحصول على العمل.. اتقوا الله في هؤلاء الضّعفاء، فإنّ الله ناصرهم ولو بعد حين، وآخذ لهم حقّهم منكم في الدّنيا والآخرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!