-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس:

حين تهزم الشريعة الفلسفة والأدب في اليومي (2 / 2)

أمين الزاوي
  • 8333
  • 0
حين تهزم الشريعة الفلسفة والأدب في اليومي (2 / 2)

19- ما حال الفلسفة عندنا في علاقتها باليومي؟

20- أقول انهزمت الفلسفة )فلسفتنا( في علاقتها مع اليومي، وانتصرت الشريعة لأن هذه الأخيرة ارتبطت به واستمعت إليه وتحاورت معه.

21- منطقيا، كان من المفروض أن تكون الشريعة بعيدة عن اليومي لأنها تعتمد مرجعيات مقدسة يخشى عليها من التلوث في وحل اليومي. يخشى عليها من التأويلات الطارئة، وفي المقابل كان على الفلسفة أن تغرق في اليومي لأنها تعيش شقاء السؤال ولا تعرف القناعات والإمانيات التي يكسرها اليومي يوميا. ولكن العكس هو الذي حصل عندنا، فالشريعة بفقهائها وفهمائها ومفتيها متواجدة في تفاصيل اليومي، دون تردد، والفلسفة بفهمائها و منظريها غائبة عنه.

22- في الوقت الذي تصمت فيه الفلسفة عندنا وتتعفف عن دخول اليومي تتحدث الشريعة لليومي وعنه في أشكال الفتاوى )نحن هنا لا نريد تقييم هذه الفتاوى، فهذا ليس مجال و لا مبتغى هذه الورقة( وتصنعه من خلال خطابها الديني كما تريد.

23في الوقت الذي تصمت فيه الفلسفة عندنا  تتكلم الشريعة فتصدر فتاوى في اللباس اليومي للرجال والنساء فتصنع ذوقا جماليا )شريعيا(، بالعباءة والخمار و سروال الدجينز والحذاء الرياضي.

24- في الوقت الذي لا تتكلم فيه الفلسفة تتحدث الشريعة، فتصدر فتاوى عن التلفزيون و من خلال شاشاته، عن الفايسبوك  من خلاله، عن الزواج بالأنترنيت والطلاق بالثلاث عن طريق الأسميس و تحريم أو تحليل  صورة جواز السفر البيومتري وتجارة الأعضاء البشرية.

25- في الوقت الذي تقفل فيه الفلسفة، فلسفتنا، على نفسها في برج عاجي تتقدم الشريعة بمثقفيها وتتموقع في اليومي لتفرض الرقابة كما تراها وبطرقها التي تريد- لا أناقش هنا مضامين هذه الرقابة الدينية فهذا أيضا ليس من مبتغى هذه الورقة -، على الكتب والروايات والأشعار، وبالتالي تفرض على اليومي طقوسا وثقافة وذوقا  تريده أن يكون في ومن يوميات المواطن العادي.

26- في الأزمنة الفكرية العربية والإسلامية القديمة، أيام ابن رشد و الغزالي والفارابي وابن حزم وابن سينا ومدرسة المعتزلة كان الفيلسوف والفقيه في معركة واحدة داخل اليومي. صراع محتدم في اليومي وعنه وله. كانت حواراتهم و سجالاتهم وتهافتهم في اليومي يوميا، من أجل تغيير اليومي، تغيير يتجلى في نهاية الأمر في السياسي والجمالي.

27- ختاما: أما دقت الساعة يا أصدقائي الفلاسفة ونحن نحيي يوم الفلسفة، أنتم أيها الفلاسفة في بلادي – مع حفظ الألقاب-  عبد الرحمن بوقاف، عبد الرزاق قسوم، بوزيد بومدين، عمار طالبي، عمر بوساحة، بن شرقي بن زيان، عبد القادر بليمان، عبد القادر بوعرفة، الأخضر مذبوح، محمد جديدي، عبد الوهاب خالد، عبد القادر بودومة، جمال مفرج، عمر مهيبل، نورالدين جباب، محمد مولفي، حسين الزاوي، عبد الله عبد اللاوي، محمد يحياوي، منير بهادي، موسى عبدالله، خديجة زتيلي، بخاري حمانة.. أما حان لكم أن تتساءلوا عن غياب أسئلتكم الفلسفية وبطرقها الخاصة بها، أسئلة دون شك لا تشبه أسئلة الآخرين في حقول المعرفة الأخرى ولكنها تلتقي معها في اليومي، أسئلة عن خطورة رداءة برامج التلفزيون ومنافسة كرة القدم بين بلدين أشرفا على الحرب وعلى إعادة طرح الهوية، والموسيقى، وتشجير المدن، واغتيال الغابات ،وإضراب التلاميذ، والفساد، وحرية المعتقد، و قانون السير الجديد، ووصول آلاف الصينيين إلى الجزائر وزواجهم بجزائريات، وتغير ثقافة العمل، وتلوث اللغة العربية، وانحطاط مستوى اللغة الفرنسية، وسعر الخبز، وياوورت شركة دانون العالمية مغشوش المقادير، والألبسة المهربة بأسماء ماركات عالمية مغشوشة، ولافتات الإعلانات، ومقاهي الأنترنيت، و تبدل حجاب المرأة من حجاب ديني إلى حجاب اجتماعي، والأعراس و قاعات الحفلات، وتغير مراسيم الدفن،  وتغير طقوس صلاة الجنازة…

28- أصدقائي من الفلاسفة الذين سميت والذين نسيت أن أسمي ولكنهم معنيون بهذا النداء، لا يمكنكم أن تهزموا الشريعة ولا السياسة هزيمة العلماء – مفهوم الانتصار والهزيمة يجب أن يؤخذ من باب النقاش والإقناع والاحترام والدفاع عن المختلف والخصوصي – إلا إذا خضتم بطريقتكم وعلى طريقتكم وبلغتكم و بمقاربتكم الخاصة بكم هذا اليومي الذي عليكم أن تستعيدوه في هواجسكم الفكرية الفلسفية اليومية، فالفلسفة الجديدة، في رأيي أنا المهتم من بعيد، هي فلسفة اليومي. هي فلسفة لليومي.

29فالفلسفة الكبيرة جدا هي تلك الفلسفة التي تناقش وتهتم بالتفاصيل الصغيرة جدا الخاصة بالمواطن البسط جدا.

30- وإذ تغيب الفلسفة عندنا عن اليومي فالأدباء والروائيون على وجه التخصيص هم الذين يحاولون مواجهة اليومي الذي استولى عليه مثقفو الشريعة وفهماؤها، وبالتالي مشاركتها هذا اليومي والبحث عن  سحب البساط من تحت أقدامها. وهناك أمثلة كثيرة: من محمود درويش مرورا بحيدر حيدر وصولا إلى ناصر حامد أبو زيد.

31فمتى تتقدم الفلسفة إلى اليومي لتحاور الشريعة عليه وفيه وتخلق لنفسها وبطريقتها أفكارا عميقة تكون شبيهة بالفتوى وضدها في الوقت نفسه، لأن الفلسفة هي في الأول والأخير ضد الدوغما. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!