-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درسٌ‮ ‬آخر من شعبٍ‮ ‬واع

حسين لقرع
  • 2924
  • 0
درسٌ‮ ‬آخر من شعبٍ‮ ‬واع

قدّم الشعب التركي‮ ‬درساً‮ ‬جديداً‮ ‬للشعوب التوّاقة إلى الديمقراطية الحقيقية في‮ ‬انتخابات أول نوفمبر الجاري‮ ‬بمنحه الأغلبية المطلقة التي‮ ‬تمكّنُ‮ ‬حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة لوحده،‮ ‬وبالتالي‮ ‬تفادي‮ ‬تعميق الأزمة السياسية التي‮ ‬بدأت فور ظهور نتائج التشريعيات الماضية التي‮ ‬جرت في‮ ‬7‮ ‬جوان الماضي‮.‬

آنذاك،‮ ‬شعر الناخبون الأتراك أن طموحات أردوغان قد كبُرت برغبته في‮ ‬الحصول على أغلبية الثلثين التي‮ ‬تمكّنه من تعديل الدستور ومنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة،‮ ‬فتوجّس خيفةً‮ ‬من ذلك،‮ ‬وشعر بأن الحُكم المطلق قد‮ ‬يعود إلى تركيا تحت ستار ديمقراطي‮ ‬شعبي،‮ ‬فأحجم الأتراك عن منحه أغلبية الثلثين التي‮ ‬يريدها لتعديل الدستور،‮ ‬ولا حتى أغلبية‮ ‬51‮ ‬بالمائة التي‮ ‬تمكّنه من تشكيل حكومة وحده،‮ ‬واكتفى بمنحه أغلبية بسيطة تجعله في‮ ‬حاجة إلى شركاء آخرين لتشكيل حكومة ائتلافية،‮ ‬ليُوصل إليه رسالة مفادها أنه لن‮ ‬يقبل بعودة الشمولية تحت أي‮ ‬غطاء،‮ ‬ولو كان الحاكمُ‮ ‬محبوباً‮ ‬وحقق لتركيا إنجازاتٍ‮ ‬تاريخية،‮ ‬لا سيما على الصعيد الاقتصادي،‮ ‬بعد أن ارتقى بها إلى المرتبة الـ17‮ ‬عالمياً‮ ‬في‮ ‬مصاف الاقتصاديات العالمية الكبرى‮. ‬فكلّ‮ ‬ذلك ليس ذريعة لنزوع أردوغان نحو نوع من الاستبداد الذي‮ ‬عانى منه الشعبُ‮ ‬التركي‮ ‬طويلاً‮ ‬على أيدي‮ ‬العسكر‮.‬

واليوم شعر الشعبُ‮ ‬التركي‮ ‬بأن إعادة الكرّة في‮ ‬انتخابات أول نوفمبر الجاري‮ ‬ومنح أردوغان أغلبية بسيطة،‮ ‬يعني‮ ‬تعميق الأزمة السياسية في‮ ‬ظلّ‮ ‬رفض باقي‮ ‬الأحزاب التركية العمل معه بذريعة أنه إسلاميّ‮ ‬إخوانيّ،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تعميق الأزمة الأمنية وتقوية حجج الأكراد الذين عادوا إلى حمل السلاح ضد السلطة،‮ ‬إضافة إلى أن هذا الوضع سيخدم‮ “‬داعش‮” ‬أكثر في‮ ‬تركيا،‮ ‬وهو أمرٌ‮ ‬يهدّد سياحتها في‮ ‬الصميم،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تدرّ‮ ‬عليها سنويا أكثر من‮ ‬30‮ ‬مليار دولار‮… ‬فكانت النتيجة أن أقدم الأتراك على منح أردوغان أغلبية مريحة هذه المرة تجعله‮ ‬يشكّل الحكومة وحده كما اعتاد منذ عام‮ ‬2002‮ ‬ويتحمّل مسؤولية تسيير الاقتصاد وتوفير الأمن لهم دون عوائق وابتزازات حزبية،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يمنحه أغلبية الثلثين التي‮ ‬يريدها لتعديل الدستور‮.‬

هو درسٌ‮ ‬آخر من شعبٍ‮ ‬واع‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تتعلّم منه مختلفُ‮ ‬شعوب العالم الثالث التي‮ ‬عادة ما‮ ‬يأسرها الحاكمُ‮ ‬القويّ‮ ‬بشخصيته الكاريزماتية،‮ ‬فتمنحه ما‮ ‬يريد دون شروط‮.‬

ومن حُسن الحظ،‮ ‬أن هذا الدّرس‮ ‬يأتي‮ ‬من شعبٍ‮ ‬مسلم،‮ ‬ما‮ ‬يُعدّ‮ ‬دليلاً‮ ‬قاطعاً‮ ‬على إمكانية نجاح الديمقراطية في‮ ‬البلدان الإسلامية،‮ ‬في‮ ‬شقّها المتعلق باختيار الحكّام وعزلهم،‮ ‬إذا ما مُنحت الكلمة للشعوب فعلاً‮ ‬في‮ ‬انتخابات نزيهة وديمقراطية،‮ ‬خلافاً‮ ‬لِما تحاول الأنظمة الاستبدادية العربية الترويج له باستماتة،‮ ‬من أن الديمقراطية لا تصلح لشعوبها،‮ ‬وأنها لا تفهم إلا لغة العصا،‮ ‬وبثّت عيونَها في‮ ‬المقاهي‮ ‬والأماكن العامة لترديدها بشكل ماكر أمام عامّة الناس،‮ ‬وسلّطت أبواقها الإعلامية ومثقفي‮ ‬البلاط للترويج لها،‮ ‬حتى تشيع هذه المقولة و”تؤمِن‮” ‬بها الشعوب وتُسلِس القيادَ‮ ‬لحكّام مستبدّين فاسدين‮ ‬يحتكرون الحكم ويورّثونه إلى‮ ‬غيرهم كما تُورّث المزارعُ‮ ‬الخاصة‮.‬

شكراً‮ ‬للشعب التركي‮ ‬المسلم الذي‮ ‬ردّ‮ ‬على المستبدين في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬بما‮ ‬يدحض مزاعمهم؛ فتركيا وتونس وماليزيا وإندونيسيا وبلدان إسلامية أخرى‮… ‬هي‮ ‬الشموع التي‮ ‬توقد في‮ ‬هذا الظلام العربي‮ ‬الاستبدادي‮ ‬الدامس‮.   ‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • درس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بل الخوف من أشكالكم أيها السرطان

    لأنه اخوانجي؟؟؟ أيها المرضى المعقدون، بل لأنه دكتاتوري، و لولا الخوف من حرب أهلية لما انتخبوا له، "إسلامي اخوانجي" أعّق أعّق أعّق............ز ملِّينا من أوجوهكم

  • محمود

    واعٍ، ربما. لكن إلى درجة التعمق الذي ذكرتَ، لا أظن. التصويت لا يخضع إلى هذا النموذج الذي وكأنك سطّرته بالمسطرة.ثم أن الخلاص الذي تراه في طرحك لا يراه الكثيرون إلا بعينٍ حذرة جدا،لأنه سلاح ذو حديْن، يمكن أن ينجر عنه تجمّع ضاغط لحد الانفجار.الأمور لا تنتعش بفلان أو علاّن، لوكنها تنتعش بأسبابها الموضوعية متمثلة في ظروفٍ محددة ترقى بالبلدان حين تقلع الأفكار من قاعدتها.فهل ظروف تركيا اليوم هي ظروفها قبل 10 سنوات؟أكيد لا،وسنرى إن كتب الله لنا الحياة.نتمنى الخير للجميع.

  • جمال

    وجهة نظر مقبولة،لكن عليما أن لا ننسى ،أن الوثيقة من مائة مادة يسعى حزب الحرية و العدالة لأن تكون هي القواعد المؤسسة للجمهورية الجديدة، ، وسيكون دستورها الجديد الذي يريد الحزب كتابته بعد الحصول على تفويض شعبي عبر صناديق الانتخابات، ، على عكس دستوري 1982 و1961 اللذين كتبا في أعقاب انقلابي 1980 و1960.ر في الوثيقة غياب أي ذكر لكلمة “تركي”، والتركيز على تركيا كبلد يضم مجموعة من البشر متعددي الجنسيات والأعراق والمذاهب، و المادة 11 والتي تقول أنه “لا يُسمَح لأي منصب أن يحتقر من يحمل هوية الجمهورية.

  • bess mad

    ربما غير أول نوفمبر الأهل بمن هو أهل له . قبرناه بعد تحنيطه فسلخوا جلده و ألبسوه جلود الذئب تارة و الضبع حينا آخر و في النهاية جلد الأرنب فأصبح خوافا بعد أن كان يخوف. شكرا للأتراك لقد أنقذوا نوفمبر كما أنقذوا أجدادنا من جيوش الافرنج.

  • RETARD

    الى كاتب المقال صحيح كل ما قلته الى شيئ و هو تونس هل تونس اصبحت دولة ديموقراطية بين الضحا و العشية هل رائيس تونس ديموقراطي هذا الرائيس الحالي من نضام بن علي و لا يمكن ان يصبح ديموقراطي و لا تنسى تركيا بلد مسلم و لكن ليس عربي و كذلك اسلام تركيا ليس هو اسلام تونس كم من تركي تجده مع الارهبيين في سوريا رغم قرب المسافة و كم من ارهابي تونسي يوجد الان في سوريا و هذا يدل على تعليم الدين في البلدين التونسيين متشددين و عقليتهم لا تختلف كثيرا على عقليتنا اما الاتراك شيئ اخر هم شعب متفتح بكثير من العرب.