-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دفاعا عن الإرهاب.. 2/2

التهامي مجوري
  • 1377
  • 4
دفاعا عن الإرهاب.. 2/2

لقد كانت العمليات التي تنفذ هنا وهناك، سواء من قبل القاعدة أو غيرها من الأفراد والتنظيمات، وتوجهاتها العامة, عبارة عن رد فعل طبيعي، لما يفعل الغرب بالأمة، بحيث استمرت القاعدة مثلا، مدة من الزمن تعبر عن عواطف المسلمين في العالم، بمن في ذلك الذين لا يقرونها على الأسلوب والمنهج الذي اتخذته.., ولكن سرعان ما انحرفت القاعدة عن المسار فتراجعت القاعدة من الإقتصار عن مواجهة الغرب الذي لا يأتي منه إلا الشر، إلى تعميم منهجها على جميع العالم الإسلامي، كما تراجع المجاهدون العرب من قبل, عن قرار الانتقال إلى فلسطين, واستبدلوه بمواجهة الغرب في عقر داره، وقد ظهرت بعد ذلك تصريحات أيمن الظواهري, الداعمة لأولئك الشباب الذين توزعوا على العالم الإسلامي, وأحدثوا ما أحدثوا من شروخ وتمزيقات في المجمع المسلم، التي لم تتوقف عند الانقسام بين الشعوب والأنظمة، وإنما تجاوزتها إلى تشتيت الشعوب وانقسامها على نفسها.

إن من أبجديات الفكر الإسلامي، ان في مناهجه الإصلاحية مستويات، وفي تطبيقاته أولويات، لا تخفى على بسطاء الناس، فضلا عمن كان له تحصيلا علميا, وله معرفة بالأحكام الشرعية. فالجهاد الأفغاني مثلا كان مشروعا، ومرحب به في العالم باعتباره دفعا لمظلمة لا بد من إزالتها، ولذلك تعاطف كل المسلمين معه، بحيث التحق به المسلمون من كل العالم، باعتبار أن المعركة غير متكافئة، والانتقال إلى فلسطين, كما كان يرى عبد الله عزام هو الأفضل والأسلم, والأكثر ملاءمة للمنطق الشرعي والعقلي، ولو كان ذلك لوجد من التعاطف ما لم يلقاه الجهاد الأفغاني نفسه، ولكن آلة الافساد والتوجيه كانت أقوى من قدرات الشباب وصبرهم على المواجهة الحقيقية، فتحول المشروع إلى مواجهة أخرى وهمية دخيلة على المشروع المركزي، فمن الذي حوله إلى مواجهة الغرب في عقر داره؟ كيف تسربت الفكرة إلى اذهان من كانت نيتهم الانتقال إلى فلسطين, التي لا يخالف أحد في ضرورة تحريرها؟ ثم من كان وراء تحويل برنامج مواجهة الغرب, إلى مواجهة الأنظمة والمجتمعات؟ وكيف تم إقناع الأفغان العرب, أن مقاتلة الأمريكان مثلا أولى من مقاتلة اليهود في فلسطين؟ ومقاتلة الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي أولى من محاربة الغرب؟ ومجابهة المبتدع أولى من الانشغال بالكفر الأصلي؟

نقاط الظل في هذا الموضوع كثيرة جدا كما هو ملاحظ، مما يجعلنا نشك في كل حركة تنسب للإرهابيين أو تنعت بالإرهاب؛ لأن الواقع الاستعماري المتجدد، لا يزال يغذي الفساد والإفساد في العالم الإسلامي، بطريق مباشر في سرقة الخيرات والاستئثار بها، على حساب الشعوب المستضعفة، أو بالضغط على النظم القائمة، لتقوم بالدور الاستدماري المطلوب نيابة عنه، وكل ذلك يساعد على التمرد والخروج والانفجار، وعندما يقع ذلك -الطبيعي- يسمى إرهابا فيشجعه من يشجعه على أنه استجابة للفطرة السليمة، فيدعمه ومن هؤلاء المشجعين الغرب بطبيعة الحال، لاستنزاف القوى الحية والفاعلة، وإضعاف الخصم في آن واحد، وإذا اشتد ساعد هذا الخصم وقوي، فإنه يحرك له  آلة تقليم الأظافر، حتى لا يخرج عن الطوق المضروب عليه.

 وهذه المنهجية مطبقة في أكثر من جهة، وهي نفس القاعدة المتبعة عند الاستعمار عموما، سواء فيما وقع في أفغانستان أو العراق أو الجزائر أو الصومال وفي الساحل, والآن في وسوريا وليبيا وربما مصر التي يراد جرها لذلك..

ولذلك أرى من الضروري عندما تعرض علينا قضية مثل واقعة شارلي إيبدو، التي قيل إنها مجموعة إرهابية اقتحمت مقر مجلة شارلي إبدو، فقتلت 12 شخصا، أن ننطلق من جملة من الأسئلة:

1.هل هي حقيقة أم تمثيلية؟

2.هل الواقعة مقدمة أم نتيجة؟

3.من المستفيد من الموضوع؟

4.من الخاسر ومن الرابح؟

5.ما علاقة الموضوع بالمحيط وأحداثه؟

لا شك أنه يصعب تصديق, أن ما وقع في قصة البرجين أو في نيروبي ودار السلام أو شارلي إيبدو، مسرحية وتمثيلية عالية الدقة في التمثيل والإخراج، ولكن من يقرأ الأحداث في العلاقات الدولية, بعقلية الشك الذي لا يحتمل الصدف في العلاقات الإنسانية، ومنها العلاقات بين النظم والشعوب، فإنه لا يشك قيد أنملة في أن ما وقع لا علاقة له بالحقيقة، وإنما هي عمليات من ورائها مصالح دول, ولوبيات متحكمة في مواطن القرار السياسي والاجتماعي الاقتصادي، والقول بأن هذا الأمر أو ذاك مسرحية, لا يعني أنه لم يقع, أو أنه فيلم صورت أحداثه في ستوديو مثلا.., وإنما المقصود هو أن الحقيقة الفعلية, غير مصرح بها وغير ظاهرة, وإنما هي مخفية وراء ما يصرح به.. فكان مشجب الإرهاب الذي يخيف كل الناس، هو الموقع الأمين على الحقائق التي لا يراد لها أن تكتشف.

وعندما نسلم جدلا بوجود الارهاب، وهو أن جماعة ما استعملت العنف في التعبير عن قناعاتها، فالمنطق يقتضي البحث في استعمال هذه الجماعة للعنف هل هو مقدمة أم نتيجة؟  لأن من يقوم بفعل ابتدائي، ليس كمن فعل فعلا ليرد به على من شعر بظلمه واحتقاره له.

وعندما نقول أن المعتدي قام بعمل انتقامي دفاعا عن قيمة مقدسة لديه، فمعنى ذلك أن ما قام به نتيجة وليس مقدمة، ومن ثم لا بد من العودة إلى مراجعة الفعل الذي قام به المعتدي. وذلك ليس تبريرا للفعل وإنما تحليلا لطبائع الأشياء؛ إذ لكل فعل رد فعل في عالم المادة، وكذلك لكل مثير استجابة في عالم الإنسان.

إن مجرد معرفة “الفعل المسمى بالإرهابي”، أهو مقدمة أم نتيجة، لا يحل المشكل؛ لأن احتمال أن تلك الأفعال كانت للتغطية على جرائم أكبر، أو للفت الانتباه عن قضايا يتضرر من الانتباه إليها الغرب والأنظمة الاستبدادية، أو غير ذلك من الأمور.

أنا اعتقد جازما أن منظومة الغرب لا تسمح له بالعدل، فهو يمايز بين الغرب وغيره، وبين مصالحه ومصالح غيره من الشعوب، وبين ثقافته والثقافات الأخرى. ومن ثم فإن الغرب لا يسلم لغيره بالقيادة الحضارية، ولا يؤمن بالسلام وبحق الشعوب في الهناء والراحة، بل لا أراني مخطئا إذا قلت أن الغرب لا يستطيع العيش بغير عدو، حتى إذا لم يوجد له عدو فإنه يصنعه ليتقاتل معه، والمتتيع لحركة التاريخ الغربي، فإنه يلاحظ أن الغرب لم يعرف السلام في حياته، ابتداء من حروبه فيما بين شعوبه وآخرها الحرب العالمية الثانية، التي أنتجت حربا باردة دامت حوالي أربعة عقود، ومع ذلك استمرت الحروب خارج أرضه، وهو الرقم البارز فيها دائما، وإن لم يكن طرفا فاعلا فيها فلا أقل من أن تكون بإيعاز منه وتشجيع لهذا الطرف أو ذاك، لأن مصالحه في هذه المعارك، في أسوإ الأحوال يستفيد فيها من بيع الأسلحة وقطع الغيار.

وبعد انتهاء الحرب الباردة بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، أعلن الغرب أن عدوه المستقبلي المفترض هو الكونفيشيوسية والإسلام.. ولكن عمليا العدو المفترض الحقيقي للغرب هو الإسلام؛ لأن الكونشيوسية لا تشكل خطرا إلا من الناحية الاقتصادية، أما الإسلام فهو خطر بجميع المقايييس، ففي الجانب الاقتصادي، فهو ينام على مخزون طاقوي هائل، ومرشح للنهضة لا سيما وهناك قفزات تنموية واعدةـ تبشر بها إيران وماليزيا وتركيا، ومن الناحية الثقافية فهو نظام عقدي ديني فكري متناغم، ومنافس حقيقي لطروحات الغرب وفلسفته لقضايا الإنسان، أما من الناحية السياسية فإن ما يعد به الغرب وفي غالب الأحيان يخفق، فإن الإسلام قد وفى به في مراحل مبكرة من تاريخه الماضي، وهو اليوم قابل للإسترجاع.

 

إن الإرهاب الذي يحاربه الغرب ويحذر من خطره الغرب هو الذي ندافع عنه؛ لأنه الإسلام الذي لا يقبل بتجزئة الحقائق فيما يتعلق بالإنسان وقيمه وغاياته العاجلة والآجلة. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • صالح

    جزاك الله خيرا إنك لم تدافع عن الارهاب بقدر ماكشفت الذي يصنعه إن الحرب القائمة في حقيقتها ضد الاسلام وأن الارهاب ذريعة لضربه فالارهاب صناعة غربية بامتياز ،الهدف منها تشويه صورة الاسلام والمسلمين فالاسلام هو النظام الوحيد القادر علي منافسةالنظم الغربية عن جدارة.لكن ما سر اصطفاف حكام العرب والمسلمين وراء الغرب ومباركتهم لمايقوم به هل هي التقية؟ أم هم ضلوا السبيل؟لقد جاء في القرآن أن اليهود يخربون بأيديهم وأيدي المومنين وإذا بهذه الصورةطبق الاصل علي العرب والمسلمين،فهلهم واعون أم إنهم مخدرون؟.

  • أمانة

    قد كانت العمليات التي تنفذ هنا وهناك، سواء من قبل القاعدة أو غيرها من الأفراد والتنظيمات، وتوجهاتها العامة, عبارة عن رد فعل طبيعي، لما يفعل الغرب بالأمة
    بعبارة أخرى الارهابيون يمثلون الضمير الجمعي للأمة حيث ينوبون عن الأمة لرد اعتداءات الغرب
    لا معنى بعد ذلك من التبرأ من الافعال الارهابية ووسم فاعليها بانهم غير مسلمين او لا يمثلون الاسلام
    لا بد من ادانة واضحة للارهاب ومروجيه والبحث عن جذوره في كتب التراث وتنقيتها منه والكف عن اتخاذ عداوة الغرب ذريعة لتشويه صورة الاسلام بالارهاب

  • ابراهيم

    يا استاذ كان من الاحسن كتابة مقال دفاعا عن الاسلام و مخالفة العقيدة اليهود حتى يكون لك اجر عند الله.
    هل تعلم سبب انتشار المعاصي بين المسلمين من خيانة وكذب وتقتيل وزنا وظلم فأصبح المسلمون من أسوأ الناس أخلاقا إلا بانتقال
    عقائد اليهود إلى المسلمين عن طريق الروايات و اتباع ائمة المذاهب حتى السنية و نقول مثل اليهود لن تمسنا النار الى اياما معدودة .
    لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ

  • محمد جاب الله

    موفق استاذ التهامي هذا هو بيت القصيد الصراع حضاري ديني بين مشروعين متباينين الغربي المتمكن ماديا والذى ضهر خواره في مجال القيم والإسلامي الذى يمتلك القدرات المادية ويختص وحده بمنضومة قيمية تستطيع ملء الفراغ الذي تعانى منه الحضارة الحالية واكبر دليل على ذلك اعتناق الغربيين للإسلام بالألاف سنويا رغم تخلف المسلمين وما يلحق بالإسلام من تشويه وإرادة إلساقه بالإرهاب الذى شرحت.