-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“ريح الجنوب”: التغيير قادم

عمار يزلي
  • 1177
  • 0
“ريح الجنوب”: التغيير قادم

حدثان كبيران هزا أركان النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا خلال فترة قصيرة لا تزيد عن سنتين أو أقل: الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير 2022 وتبدو حربا بين كتلتين ومعسكرين لا بين بلدين، والتي يبدو فيها الفشل واضحا لأمريكا والغرب مرة أخرى في هذا البلد بعد تراكم مسلسل فشل في جميع الأصقاع ومنها العالم الإسلامي والشرق الأوسط.

ثاني حدث يهزّ أركان النظام العالمي القائم، هو انفجار الغضب الفلسطيني في 7 أكتوبر 2023 وما تلاها من ردِّ فعل انتقامية صهيونية في شكل إبادة جماعية للجنس الفلسطيني تتجاوز حتى حدود “جرائم الحرب”، وهذا تحت غطاء “الدفاع عن النفس” في ظل قانون دولي لا يعطي المحتلَّ “حقَّ الدفاع عن النفس” ضدّ الشعب الذي يحتلّ أرضه، بل يعطي الشعبَ المحتل حقَّ الدفاع عن نفسه ضد المحتل بكل الوسائل المتاحة.

حدثان سيغيّران البنية الهيكلية للعالم الموروث عن أكبر حرب كونية غيرت العالم، وحان الوقت أن يتغير هذا العالم هو الآخر بعد أن شاخ واستقوى على الشعوب المستضعَفة وحتى على قوانينه الدولية التي صاغتها مؤسساتُه الأممية والدولية وصار الأقوياء، مالا وسطوة سلاحٍ وردع نووي، أشبه بالخارجين عن القانون الذي صاغوه بأنفسهم بعرض “أخلقة” العالم بعد حرب بلا أخلاق.

ما يحدث اليوم من تبعات الجرائم ضد الإنسانية والإبادة وجرائم الحرب وكل الموبقات الموصوفة في أدبيات القانون الدولي وحقوق الإنسان، التي يتعرض لها شعب أعزل محاصَر مدمَّر أصلا، ما يحدث بعد هذا كله، هو ما يحدث اليوم من تقلُّبات في موازين القوى الدولية ورياح الجنوب التي بدأت تهبّ على الشمال السياسي، لا الجغرافي بحد ذاته، وجر الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية بـ”لاهاي”، ما هو إلا وجهٌ من هذه الأوجه وهذه الجبهات التي تشتعل ضد طغيان الكيان وانفلاته من العقاب والمتابعة، بقوة دعم من يقف معه وخلفه وأمامه لحمايته من التتبُّع والمتابعة، سندا ودعما وتسليحا ومنعا لأي مساس بهذا “الطفل المدلل المشاغب” التي يثير المتاعب لوليِّ أمره، لكن ما من بُدٍّ لهذا “الولي” لمصلحةٍ له فيها، من الدفاع عنه، كونه “ابن أبيه” بالتبني باعتبار هذا الأخير نتاجا لقيطا ولقاح شتات.

الهزة التي اهتز لها أركان الكيان ومن يدعموه، حتى ولو –فرضا- قد تكون بلا مآل تنفيذي وعملي على مستوى المنظور القريب، ولا نتيجة تدين الكيان بسبب ما قد يحصل خلال الأسبوعين المقبلين من حرب كواليس وضغوط أمريكية على المحكمة الدولية، كون هذه الأخيرة في آخر المطاف، على الرغم من “استقلاليتها”، فإنها لا تخرج عن دائرة هيمنة النظام العالمي القائم الذي تسيِّره الولايات المتحدة منذ نحو 80 سنة، والتي بدأت قبضتها تتلاشى في عدة جهات من العالم المتحرك الرافض الثائر على هذه الهيمنة “الديمقراطية الديكتاتورية”.

هذه الهزة، ستكون لها تبعاتٌ وارتدادات تراكمية، والعالم بعدها لن يكون كما كان قبلها، تماما كما قيل عن 7 أكتوبر، كونه يومًا لن يكون ما بعده شبيها بما قبله؛ قال ذلك الصهاينة وقالها العرب والعالم، والكل يرى التغيير القادم على النحو الذي يتمناه، لكن التمني والأحلام شيء، والواقع الفعلي المحدَّد تاريخيا شيء آخر مختلف تماما: العالم القائم بدأ يتلاشى على جميع الأصعدة والجبهات، وانتفاض الجنوب، ممثلا في ملحمة طوفان الأقصى، حرّك أقصى جنوب إفريقيا في أقصى الجنوب، لتحرِّك قلب عاصمة القانون الدولي الذي كاد أن يُنسى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!