“سيسي” آخر في تونس؟
يبدو أن تفاؤلنا بإمكانية تحقيق الثورة التونسية الاستثناء بين الثورات العربية كان “مفرطا”، ليس لأن فلول بن علي قد عادت إلى الحكم تحت غطاء “نداء تونس” الذي فاز بالأغلبية في التشريعيات الماضية، بل لأن رئيسه أطلق تصريحاً نارياً اعتبر فيه المرزوقي مرشّحَ “السلفية الجهادية” و”النهضة”، ووضع الجميعَ في سلة واحدة.
مبدئياً، يمكن قراءة هذا التصريح في سياق الحملة الانتخابية للدور الثاني، حيث يسعى السبسي إلى تخويف التونسيين من انتخاب خصمه المرزوقي من خلال إظهاره بمظهر المرشح المتحالف مع الإسلاميين، حتى “أنصار الشريعة” منهم، مع أن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق وتجنّ صارخ على الرجل؛ فكيف يكون لهؤلاء مرشح وهم لا يؤمنون أصلاً بالديمقراطية والانتخابات ويعتبرونها “كفراً“؟
أما “النهضة” فقد تخلّت عن الحكم حينما اشتدّت الأزمة السياسية بتونس وضحّت بها للحفاظ على البلد، وقال الغنوشي بعدها: “لقد خسرنا الحكم، لكننا ربحنا تونس“، وهو عينُ الحكمة والمرونة والاعتدال والجنوح إلى السلم، فكيف تُتهم الحركة بـ“العنف” بعد هذه التضحية من أجل البلد؟
الأرجح أن السبسي يخاطب –فضلاً عن الناخبين التونسيين– دولَ الخليج أيضاً لكسب ودّها ومساعداتها المالية بإظهار نفسه بمظهر المرشح العلماني الذي سيُنقذ تونس من السقوط في يد الإسلاميين الذين اتهمهم كلهم ودون تمييز بـ“الإرهاب“، ما يعني أنه يبعث إليها إشارة خطيرة مضمونها أنه مستعدّ لحظر “النهضة” وتصنيفها “جماعة إرهابية” إذا وصل إلى الحكم؛ فمادام قد ساوى بينها وبين “السلفيين الجهاديين“، فلا يُعقل أن يقبل باستمرارها كحزب سياسي شرعي، وإلا كان متناقضاً وانتهازياً في نظر أتباعه.
ويبدو أن السبسي يقتفي أثر السيسي وأثر سلفه زين العابدين بخطابه الإقصائي التحريضي الذي تبنّاه فجأة عقب ظهور نتائج الدور الأول، ولا يُستبعد أن يقدم على حظر “النهضة” واعتبارها “جماعة إرهابية” إذا وصل إلى الحكم، واضطهاد أنصارها كما كان يفعل بن علي، لنيل رضا الخليجيين والغرب وضمان تدفق المساعدات المالية على بلده كما حدث مع مصر فور الانقلاب.
في السابق كان العلمانيون في الدول العربية يتجندون فقط ضد المرشحين الإسلاميين، أما الآن فقد ازدادوا غلوا وتطرفا وأصبحوا يعادون حتى العلمانيين المعتدلين الذين يقبلون التعايش مع الإسلاميين ويرفضون الممارسات الإقصائية بحقهم، ويشنون حملات تخويف منهم ويصفونهم بـ“مرشحي الإرهابيين“، ما يعني أن تونس مقبلة على مرحلة إقصائية خطيرة إذا وصل السبسي إلى الرئاسة، وأن ممارسات العهد البائد ستعود وتنسف مكاسب الثورة، ولم يعد هناك أملٌ في إيقاف هذا الخطر الداهم سوى بتجنّد مختلف القوى السياسية وراء المرزوقي في الدور الثاني.
كان على السبسي أن يبدي حرصه على تكريس الديمقراطية والتعايش بين مختلف المكوّنات السياسية ببلده، ولكن يبدو أنه اختار العهد السابق الذي تربّى في أحضانه، دون أن يتعظ بما حصل في الجزائر في التسعينيات بسبب الخطاب الإقصائي للعلمانيين فور إعلان نتائج تشريعيات 26 ديسمبر 1991، وما يحصل في مصر الآن بسبب إقصاء الإخوان وتصنيفهم “جماعة إرهابية“. فهل يسير السبسي بمحض إرادته باتجاه إدخال بلده في أزمةٍ خطيرة؟ نأمل أن نكون مخطئين، وأن لا تكون مخاوفُنا في محلِّها.