-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شعاراتٌ خادعة ورايات كاذبة

سلطان بركاني
  • 3949
  • 0
شعاراتٌ خادعة ورايات كاذبة
ح.م
جيرمي كوربن

لا تزال المواقع الإخبارية تتداول خبر الفوز الذي حقّقه السبت الماضي عضو حزب العمال البريطاني “جيرمي كوربن” -المعروف بتضامنه مع القضية الفلسطينية- بزعامة أكبر حزب سياسي غرب أوروبا؛ فوز يرجّح كثيرٌ من المتابعين أن يؤهّل “كوربن” لتولّي الحكم في بريطانيا بعد الانتخابات المزمع إجراؤها في 2020م، وهو ما كان الاحتلال الصهيونيّ يبدي تخوّفه من حصوله، خاصّة وأنّ “كوربن” الذي زار غزة في العام 2014م وكان يعبّر عن تأييده المستمرّ للفلسطينيين ولمقاطعة “إسرائيل”، كان قد تعهّد في مناسباتٍ سابقة بالعمل على فرض حظرٍ على بيع الأسلحة للاحتلال الإسرائيلي.

لا شكّ أنّ “كوربن” يدرك جيّدا صعوبة مهمّته، في ظلّ النّفوذ السياسيّ والماليّ الذي يحظى به اللّوبي الصّهيونيّ في بريطانيا، لكنّه مع ذلك ظلّ وفيا للمبدأ الإنساني الذي تبنّاه وللقضية العادلة التي يدافع عنها، طوال 3 عقود من الزّمان، على الرّغم من إدراكه بأنّ الدّفاع عن القضية الفلسطينية ليس تجارة مربحة في الغرب، على العكس ممّا هو عليه الحال في البلدان العربية والإسلاميّة؛ إذ تتربّع القضية الفلسطينية العادلة على سلّم الأولويات لدى الشّعوب المسلمة، ما جعل التغنّي بها تجارة مربحة في الأوساط السياسية، وفي الصّراعات والمناكفات الإقليميّة؛ تنافس فيها القوميون والطائفيون وحصدوا من ورائها أرباحا معتبرة لمشاريعهم، وأغروا بها كثيرا ممّن التبست عليهم الرايات، وشُغِلوا عن حقائق الواقع بالشّعارات والخطابات، وعن إدراك المآرب والأهداف بالنّظر إلى الأقنعة الخادعة.

خلال جولة مباحثات السّلام اليمنيّة التي انعقدت أواخر شهر جوان الماضي في الكويت، قدّم وفدُ جماعة الحوثي، الذّراع الإيرانية في اليمن، مساء يوم الاثنين 27 جوان 2016م، اعتذاراً صريحا للولايات المتحدة الأمريكية أمام وكيل وزارة الخارجية الأمريكية “توماس شانون”، عن ترديد أنصارها شعار “الموت لأمريكا وإسرائيل”، وأوضح الوفد أنّ هذا الشّعار هو للاستهلاك المحلّي، يستخدمه الحوثيون كوسيلة لاستقطاب تعاطف الشّارع معهم وخلق قضيّة بين أتباعهم للحفاظ على تماسكهم، وهو الاعتذار الذي جعل نائبة السفير الأمريكي في صنعاء تقول إنّ الشّعار الذي يرفعه الحوثيون هو مجرد شعار، وإنّ “العداوة مزحة كبيرة”!.

هذا الخبر الذي تداولته عديد المواقع استنادا إلى مصادر مختلفة، والذي يكشف حقيقة واحدٍ من أكثر بيادق إيران متاجرة بالقضية الفلسطينية وتغنيا بالمقاومة والممانعة وترديدا للشّعارات المعادية للمشروع الصّهيوأمريكيّ، ربّما مرّ كسحابة صيف على بعض المحلّلين والكتّاب والإعلاميين الذين ما فتئوا يغضّون أبصارهم عن كلّ ما من شأنه أن يرفع الغطاء عن حقيقة الشّعارات الكاذبة التي دأبت إيران ومن سار في فلكها على التغنّي بها لدغدغة عواطف المسلمين، وإغرائهم بمشروعها الطائفي الذي لَبس كذبا وزورا لباس المقاومة والممانعة..

خبر ليس الأوّل ولا الأخير من نوعه، يكشف حقيقة “المزحة الكبيرة” والشّعارات الخادعة التي دأب الحوثيون على رفعها؛ مزحة سمجة ومسرحية مفضوحة يتداول على الأدوار الأساسية فيها ممثّلون احترفوا الكذب والخداع وتقمّص أدوار البطولة، ليس في اليمن فحسب، وإنّما أيضا في لبنان والعراق وإيران، وفي سوريا التي ما فتئ نظامُها على مدار أكثر من 4 عقود من الزّمان يتغنّى بالقضية الفلسطينية، ويقدّم نفسه على أنّه حامي حماها وراعيها الرّسميّ، ليتبيّن بعد اندلاع الثورة السورية في مارس 2011م، أنّه كان يتاجر بفلسطين لخنق الشّعب السّوريّ الأبيّ المتطلّع إلى الحرية والكرامة، والوفيّ لقضايا الأمّة عامّة وللقضية الفلسطينية خاصّة، فما أن تعالت أصوات السوريين تطالب برحيل النّظام الذي جثم على الصّدور وكتم الأنفاس، حتى سارعت عديد الأوساط الصّهيونيّة، بينها قادة عسكريون ومحلّلون أمنيون وزعماء سياسيون وكتّاب وإعلاميون، تحذّر من عواقب التّنازل عن نظامٍ حفظ حسن الجوار مع “إسرائيل” لأكثر من 4 عقود من الزّمان.

وقد لخّصت صحيفة “هآرتس” الصّهيونيّة في عددها ليوم 29/ 03/ 2011م مع البدايات الأولى للثّورة السّورية الموقف الحقيقيّ للصّهاينة من النّظام السّوريّ في مقال عنونت له “الديكتاتور العربيّ الأكثر تفضيلاً لدى إسرائيل على الإطلاق هو الأسد”، وقالت فيه: “من المدهش أنّ اليهود يُصلّون سراً من أجل أن ينجو نظام الأسد في سوريا”، وأضافت: “إنّ كلّ المنافقين العرب واليهود متّحدون على هذا الدّعاء وكأنّ الأسد مَلِكُ إسرائيل، علماً أنّ الشّعار الأجوف الفارغ الذي حمله الأسد الأب والابن حول المقاومة ما هو إلا ورقة تأمين لبقاء النّظام فقط، فالحكومة السّورية الممانِعة لم تُصدر حتى صوتاً مزعجاً في الجولان، بينما كانت مستعدّة لقتال إسرائيل حتى آخر لبناني، وإن لم تنفع هذه الخدعة فحتّى آخر فلسطيني ولِمَ لا؟!”.

هذا الاعتراف الخطير، ربّما لم يسترعِ اهتمام المنبهرين بالدّور الذي يؤدّيه جزّارُ الشّام في مسرحية الممانعة، وكأنّ التغنّي بفلسطين في الخطابات والشّعارات، هو الحسنة التي لا تضرّ معها سيّئة!، فلا يضرّ النّظامَ السّوريّ أن يمطر شعبه بالبراميل المتفجِّرة، ويستعمل الأسلحة الكيماوية، ولا يقدح في قوميته ووطنيته أن يستعين بمليشيات الحقد الطائفيّ التي تتحرّك تحت مظلّة الطيران الروسيّ الذي ينسّق مع الطّيران الصّهيونيّ، والتي تقع خارج نطاق التغطية الأمريكيّة والغربية للجماعات الإرهابية والمتطرّفة، ويكفي لينسى المتألّمون للجرح السّوريّ كلّ هذه الحقائق أن تتمّ التّغطية على مشاهد التواطؤ المباشر وغير المباشر بمشهد مناوشة خاطفة هنا أو هناك، تتحرّك بعدها آلة التّشبيح الإعلاميّ لتصرف الأنظار إلى هذا المشهد الجديد الذي يُراد له أن يُغطّي على كلّ المشاهد الأخرى!، والغريب في الأمر أنّ المشهد الجديد لا يكون مشهد بطولة في مقارعة العدوّ الصّهيونيّ، وإنّما هو مشهد تغنٍّ ومباهاة بتلقي ضربة صهيونيّة أو أمريكيّة مبارَكة، تُعطي للجزّار مزيدا من الذّرائع ليس ليردّ على من لطمه وإنّما ليزيد تنكيله بالأبرياء والعزّل!.

هي إذًا شعارات جوفاء فارغة توجّه للاستهلاك المحلّي، وأقنعة زور توضع على الأوجه الكالحة، ومزحات سمجة يُضحَك بها على الذّقون ويُراد لها أن تصبح في منزلة المسلّمات والقطعيات التي يُرمى كلّ من يشكّك فيها بكلّ نقيصة، مهما تمادى أصحابُها في الاستخفاف بالعقول إلى الحدّ الذي يجعل المرشد الأعلى الإيرانيّ يقلّد وسام الممانعة والمقاومة لـ”نوري المالكي”، لدى استقباله في طهران بتاريخ 18 أوت 2015م!، وليس من حقّ أحد بعد هذا أن يشكّك في التاريخ الأسود للمالكي والذين جاؤوا من بعده في العمالة للمحتلّ الأمريكيّ وفي التّنسيق مع الموساد الصّهيونيّ لتصفية علماء العراق، وليس من حقّ أحد أن يشكّك في المعايير التي يعتمدها المرشد الأعلى ومن يسترشد به في توزيع نياشين المقاومة والممانعة، مهما تحرّكت مليشياته وتحرّك فيلق قدسه على أرض العراق الجريح تحت مظلّة الطّيران الأمريكيّ وعلى عينه، فهذا لا يضرّه ما دام يتغنّى في خطاباته بفلسطين، تماما كما قال أحد كبرائهم ذات مرّة موصيا أحد ندمائه: “اذكر فلسطين على شفتيك، وافعل ما شئت”.

شعاراتٌ ورايات كاذبة لا يزال المنافحون عن المشروع الطّائفيّ مصرّين على رهن قضية فلسطين لها، ومسرحيات مفضوحة، لا يزال المفتونون بإيران ومذهبها الرّسميّ ممعنين في امتحان الأمّة بتصديقها والتّصفيق لها، وعلى اتّهام كلّ من يفضح حقيقتها بالجهل والعمالة وبثّ الفرقة! والعجيب في أمر هؤلاء المفتونين أنّهم يرون الفرقة في كشف أكاذيب المشروع الطّائفيّ البغيض وفضح تحالفاته مع أعداء الأمّة لإقامة كيانه، ولا يرونها في السّعي بالنّميمة بين جماعات الأمّة والتّحريش بينها، ولا في الذّود عن مذهب تدلّ مصادرُه ويدلّ تاريخه على أنّه صُنع في أقبية المكر لإفساد دين الأمّة وبثّ الفرقة بين أبنائها وقطع صلتها بمصادر عزّها وبتاريخها وسير أخيارها.

العجيب في أمر هؤلاء المفتونين أنّهم يرون الفرقة في كشف أكاذيب المشروع الطّائفيّ البغيض وفضح تحالفاته مع أعداء الأمّة لإقامة كيانه، ولا يرونها في السّعي بالنّميمة بين جماعات الأمّة والتّحريش بينها.

فلسطين كانت ولا تزال وستبقى –بإذن الله- حاضرة في قلوب أحرار هذه الأمّة، ماثلة أمامهم، تنبض لها قلوبُهم وتتحرّك بقضيتها ألسنتُهم وأقلامهم، وكما أنّهم لا يرضون صنيع المتخاذلين الذين باعوا قضيتها بثمن بخس، فإنّهم لا يقبلون أبدا أن تكون سلعة يتاجر بها القوميون والطائفيون ليغطّوا بها على إجرامهم في حقّ أبناء الأمّة في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

أحرار فلسطين وشرفاؤها ومقاوموها الذين يقارعون العدوّ الصّهيونيّ على ثرى الأرض المباركة، ستظلّ ألسنة أحرار الأمّة تجزل لهم الثّناء وتلهج لهم بالدّعاء، أمّا أولئك الذين لا يرون لفلسطين قضية إلا مع عقد الولاء لإيران، فما عاد أحد يغتمّ لما تغرفه ألسنتهم وأقلامهم من مكنونات صدورهم، وما عاد أحد يأبه لسهامهم الطّائشة التي يوجّهونها إلى شرفاء الأمّة المنافحين عن عقيدتها وتاريخها ومصادر دينها وعن سادتها من الخلفاء الراشدين والصحابة المرضيين والهداة الفاتحين، ويضِنّون بها (أي بسهامهم الطّائشة) عن المخادنين الذين باعوا فلسطين بأبخس الأثمان، من مدمني المفاوضات العبثية، ومحترفي التنسيقات الأمنية مع العدوّ الغاصب، المتعاونين معه على ملاحقة المقاومين والمجاهدين، ومحاصرة الأوفياء والمرابطين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!