-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صبْرًا آل عيّاش..!

صبْرًا آل عيّاش..!
أرشيف

بعد خمسة أيّام، مرّت كأنها خمس سنين، على سقوط الشابّ “عياش محجوبي” داخل بئر ارتوازية بقرية أمّ الشمل في ولاية المسيلة، تأكّدت الأحد الفاجعة بوفاة الضحيّة، بحيث لم تنفع كلّ محاولات الإنقاذ التي وصلت بياض النهار بسواد الليل دون انقطاع.
لا شكّ أنّ الموت في عقيدة المسلم حقّ، وأنّ الأجل محتوم ومقدّر بزمن لا يحيد عنه، ولو قيْد جزء من مليون على الثانية، مهما بلغت درجة الوقاية أو سرعة التدخل للإنقاذ، لكنّ القّدر ليس ذريعة لدفع شبهة التقصير في إسعاف الأرواح البشريّة.
لقد أثبتت للأسف واقعة عيّاش الصادمة، وعلى غرار حوادث كثيرة سبقت، أنّ المسؤول الجزائري، أو على الأقل جزء من هؤلاء، سلطانٌ قابعٌ في برْجه العاجي، يجلس حول مكتب أثير، يقلّب الأوراق والملفات في أحسن الأحوال، غير أنّه فاقد لحسّ المسؤوليّة، الذي يدفعه للحركة الآليّة والمبادرة التلقائية، بضمير الإنسان الصّاحي ومشاعره الجيّاشة، دون أوامر فوقيّة ولا تعليمات مركزيّة ولا توجيهات سامية، بل يمارس واجبات إدارة الشأن العام وفق قاعدة الخليفة العادل عمر بن الخطاب (ض) “لو عثرت بغلة في العراق لخشيتُ أن يسألني الله عنها: لِمَ لمْ تعبّد لها الطريق يا عمر؟!”.
في البلدان المتحضّرة التي تُعلي من قيمة الحياة الإنسانيّة، يقطع الرئيس أو الوزير، فضلاً عمّن دونهما من مُساعدين، عطلهم الخاصّة أو زيارتهم للخارج، عندما تبلغهم الأنباء عن فاجعة ألمّت بشخص أو خطر محدق بمواطن، لأنّ حياة ذلك الفرد الواحد مقدّمة عندهم على كل الاعتبارات الأخرى، أمّا لدى الأنظمة البدائيّة، فإنّ المسؤول لا يكلّف نفسه حتّى عناء الخروج إلى الشارع لمعاينة الحادث!
في واقعة “عياش” رحمه الله، ظلّ أعوان الحماية المدنيّة، مدعومين بآلاف المواطنين وعتاد الشعب الجزائري، ثلاثة أيّام كاملة، وهم يُفرغون جُهدهم على أمل النجاة، دون أن يصل مسؤول سامي واحد إلى عين المكان، حتّى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار على القنوات الخاصّة، ما أجبر الوالي على النزول إلى الميدان، فلقي من الغضب الساطع ما لقي، ولم يكن أبدًا تبريره الواهي مقنعًا لأحد!
سمعنا “الحاج مقداد” يقول إنّ العمليّة معقّدة تقنيًّا، ولسْنا نُنكر ذلك، وحضور الوالي ومنْ همْ أعلى منزلةً منه، قد لا يقدّم شيئًا في جدوى الإسعاف، لكنّ أداء الأمانة على حقّها يقتضي هبّة المسؤولين على الأرض، لتحفيز رجال الميدان وإشعار ذوي الضحيّة بالتضامن، وبناء لُحمة بين الراعي والرعيّة، ما أحوجنا إلى رباطها في الملمّات.
ودون شعبويّة أو نفخ في نار الغضب، فإنّ غياب منْ يُفترض حضورهم في الوقت المناسب، يفتح المجال واسعًا للتأويل وسوء الظنّ بالمسؤولين، فهل كان هؤلاء سيتصرّفون مع الحادثة بهذه البرودة والتقاعس لو أنّ الهاوي في الجبّ من أبنائهم المحظوظين في جزائر الجاه والنفوذ؟ قطعًا لا، وألف لا، بل لو حصل ذلك لشهدنا إعلان النّفير العام!
عزاؤنا في فقدان أخينا “عيّاش” أنّ المُصيبة برْهنت مرّة أخرى عن معدن الشعب الجزائري الأصيل، فقد أتى من كلّ فجّ عميق، ليقدّم ما في الوُسع بذلُه، ويعوّض أهل الضحيّة عن جفاء الرسميّين.
صبرًا آل عيّاش.. فقد رحل الابن البارّ والمصاب جلل، لكنكم كسبتم خيرة شباب الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • بوقرد

    رحم الله الفقيد....كما قالها الشعب الذي وقف مع عائلة عياش( المواطنة للفقراء و الوطن للأغنياء ) هذا زمن لكع إبن لكع الذي يكسب الدنيا بالمكر و الطرق الملتوية حتى بكسب زبائن مخدرين بأميلا يأتونه من كل حدب ينسلون....زمن التحوت الفسول على حساب أكثرية الشعب من الوعول.....كبرت و فهمت معنى شعيب الخديم عفوا ....الڨويم.....

  • الى الأخ محمد

    ماذ يفعل الوالي....
    الوالي يستطيع ان يأمر مصالح الأشغال العمومية بأرسال العتاد اللازم و التقنيين لمساعدة الحماية المدنية و لكن لم يفعل... فقط الشعب جلب الألات و قدم الدعم اللازم
    حي " الوقود" الشعب قام بعمل تضامني من أجل توفير المال اللازم لشراء الوقود (15مليون سنتيم) و كأن الدولة فقيرة...
    حضور الوالي كان يقدم الدعم المعنوي و المادي لعائلة عياش الفقيرة المعدمة...
    السنة الماضية عند اصابة احد وجوه المدينة بمرض الوالي "سكن" في المستشفى.. اعلن النفير العام
    وهذا قيلي فقط من والي الفيسبوك
    رحم الله اخينا عياش... الله لم يرد اي يري عياش الوجوه البائسة من مسؤولينا....

  • محمد

    كفى شعبوية . حضور الوالي أو أي مسؤول لم يكن ليغير في الامر شيءا. هناك مؤسسة مهمتها معالجة هذه الامور وهي الحماية المدنية ، وهذه المؤسسة لم تقصر في هذه الحالة وعملت كل ما في وسعها ولكن المسألة بالغة التعقيد . كفى تهويلا ولنكن موضوعيين ونعطي لكل ذي حق حقه.

  • صالح بوقدير

    أحسن تعزية ,ويرحم الله الفقيدالغريق ويسكنه فسيح جنانه ويلهم ذويه الصبر والسلوان إنا لله وإنا إليه راجعون