-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صدام والبشير والمواطن العربي

عابد شارف
  • 5640
  • 0
صدام والبشير والمواطن العربي

جاء الرجل إلى الحكم على إثر انقلاب عسكري… ولما توصل إلى الحكم، اختار أن يتبنّى خطابا شعبويا يحمل وعودا كثيرة… وعود باستعادة كرامة البلاد، واحترام المواطن، وإقامة العدل في الأرض بعد أن ساد الظلم وانتشر الفساد… قال إنه سيعود إلى القيم الأصلية للبلاد والمجتمع، وأن كرامة الوطن ستكون عقيدته، والشهامة عنوانه. أقسم أنه سيعيد مجد البلاد، ويفرض وجودها القوي في المحافل الدولية.

  • ومرت الأيام… واكتشف الرجل أن ممارسة السلطة تفرض عليه أن يتبنّى فكرا خاصا به، فقرر أن يصبح رجل فكر، واخترع إيديولوجيا خاصة به. لا يهم إن كان يفضل الوطنية أو العلمانية أو الاشتراكية أو الدين، إنما المهم هو أن يتميّز بتفكير يقال عنه إنه من نوع خاص، وأن هذا الفكر يتميز بارتباط قوي مع المجتمع.
  •  
  • وبطبيعة الحال، فإن مثل هذا الحاكم ليس حاكما فقط… إنه يمثل الشعب ويرمز إلى الأمة. ولا يمكن معارضة الشعب والأمة… وأصبحت المعارضة ممنوعة، أو محرمة، أو باطلة. وبدأت مرحلة الاضطهاد، مع متابعة المعارضين، ثم سجنهم وتعذيبهم، وحتى اغتيالهم، حسب مسلسل معروف، عاشته الكثير من البلدان العربية، من مصر إلى سوريا، مرورا بالجزائر والعراق وغيرها.
  •  
  • وهنا تبدأ أصعب مرحلة، خاصة إذا اجتمعت بعض العوامل، أولها وجود أقلية، سواء كانت شيعية أو مسيحية أو سنية أو علمانية أو كردية. ويسمح وجود تلك الأقلية للحاكم أن يضع صورة على أعداء الأمة، فيقرر أن الأقلية هي العدو الداخلي الذي يعمل على زعزعة البلاد بتواطؤ مع العدو الخارجي. وتبدأ ملاحقة الأقليات، مع السجن والتعذيب بل والتصفية الجسدية، مثلما وقع مع الأكراد تحت نظام صدام حسين.
  •  
  • ويزداد الوضع تعقيدا بعد ذلك إذا تدخل ثلاثة مشاركين، هم الصحافة الدولية، و»المجتمع المدني«، و»المجتمع الدولي« الذي ترأسه أمريكا. وتقوم الصحافة الدولية بالتنديد بالجرائم التي قد تكون حقيقية، مثلما هو الوضع في السودان حيث مات عشرات الآلاف من السكان بسبب أزمة دارفور، بينما يعيش العديد من الآخرين في وضع لاإنساني. ولما تعرف الأزمة إشهارا دوليا واسعا، بفضل مشاركة المنظمات الإنسانية المختلطة بمختلف الأجهزة، خاصة منها المخابرات، يأتي دور المجتمع الدولي بزعامة أمريكا ليعلن، عن طريقة مجلس الأمن، أن هذا البلد أو ذاك أصبح يمثل الشر، ولابد لبلدان الخير أن تعمل لتحرير تلك الشعوب المضطهدة.
  •  
  • وعنها يجد المواطن العربي نفسه أمام مشهد معروف. إنه يعرف أن لا أمريكا ولا أوربا تفكر في مصير هؤلاء المضطهدين. إنه يعرف أن أمريكا وغيرها تريد الوصول إلى النفط، والاستيلاء على خيرات تلك البلاد، والتحكم السياسي والاستراتيجي في المنطقة، وأن حقوق الإنسان والحرية مفاهيم تتعامل بها تلك الدول الكبرى للضغط على الآخرين، لكنها لا تعتبر نفسها مضطرة لاحترامها تجاه الآخرين، خاصة إذا كانوا عربا. إنه يعرف أن أمريكا إذا قالت عن حاكم ما إنه رجل شر، فذاك يعني أن ذلك الحاكم لا يخدم مصالح أمريكا، لا أكثر ولا أقل.
  •  
  • إن المواطن العربي يعرف جيدا كل هذا، يعرف أن اتهام الرئيس السوداني عمر البشير لا يهدف إلى حماية أهل دارفور… لكن المواطن يعرف كذلك أن هذا الحاكم أو ذاك كان طاغية، لا يؤمن بالحرية، وكان يقهر شعبه، وكان تصرفه سبب انهيار بلاده. إنه يعرف أن سياسة الحاكم هي التي أدت ببلده إلى الفشل الاقتصادي، والانهيار السياسي والأخلاقي. إنه عاش الأزمة، وذاق مرارتها. وحتى إن كان يعبر عنها بطريقة غير واضحة، فإنه يرفض الموقفين، يرفض الحاكم الذي يتستر وراء الوطنية والسيادة ليواصل قهر شعبه وحرمانه من حريته، كما يرفض الحجة الغربية التي تريد استغلال غضبه لفرض سيطرتها على بلاده.
  •  
  • هذا ما يضع المواطن العربي والإفريقي أمام موقف حرج. فمن جهة، إنه يعرف جيدا أن ما تريده أمريكا هو الولاء والاستسلام والانبطاح. لكن ما يقوم به روبار موغابي في زمبابوي، وعمر البشير في السودان، وما قام به صدام حسين والأسد وغيرهم غير مقبول كذلك. وتكون مأساة المواطن العربي والإفريقي أكبر لما يدرك أنه سيبقى إلى الأبد في وضع لا يسمح له بفرض بديل للنظام القائم دون أن يكون عميلا لقوى التخريب التي تبني اليوم حضارة جديدة في العراق. إن مأساته أن يصنع له الغرب أبطاله، صدام بالأمس، عمر البشير اليوم، وغيره غدا.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!