-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صراعُ البقاء في آخر العمر

عمار يزلي
  • 695
  • 0
صراعُ البقاء في آخر العمر

التجمع الصهيوني، حتى لا نقول “المجتمع”، على أرض فلسطين، تشكل من شتات الأشتات، والتي كان آخرها تدمير ما تبقى من بقاياهم في أورشليم على يد الإمبراطور الروماني “تيتوس” سنة 74م.

هذا التجمع لعشرات الأصناف من الأصول والفروع تتقاسمهم اليوم انقساماتٌ أفقية وعمودية: أفقية ذات طابع طبقي بين الفقراء وأغنياء تتمثل خاصة في اللون على اعتبار اليهود الفلاشا والمهاجرين الأفارقة هم الأقل حظوة ومكانة، وهو في الأصل تقسيم طبقي مبني على “الثورة” لا على اللون والعِرق، إنما العِرق هو مجرد رمز تمييزي. هذا العنصر جوهري في تشكل بنية المجتمع اليهودي حتى قبل تشكُّل الصهيونية وقبل ظهورها، فقد كان الغنى والفقر في المجتمعات اليهودية، حتى في الشتات وغيتوهات الغرب، عنوانا للفوارق والتفرقة والصراع الداخلي. التقسيم الثاني هو التقسيم العمودي والذي يمكن تمييزه بين الأعراق الشرقية القادمة من روسيا وأوكرانيا وبلدان آسيا الوسطى، والذين يشكل “الأشكناز” الكتلة العددية الأكثر والأكثر حظوة ومكانة في المجتمع الصهيوني الذي حاولوا إنشاءه تحت قيادة “جيش الدفاع” انطلاقا من تنظيمات “الهاغانا” التي تعني “الدفاع”، وكان مؤسِّس الكيان العملي “بن غوريون” أول ما قام به هو تأسيس جيش يوحد هذه الأشتات في محاولة تأسيس أمة غير موجودة. وهذا هو سبب تعظيم مجتمع الكيان الصهيوني اليوم لجيشهم كمؤسسة وحيدة “جامعة، مانعة، حامية لهم”، مشكّلة الضمير والوعي الجمعي والتاريخي ليهود الشتات الذين تحولوا فجأة على “أرض الميعاد” المزعومة، إلى “شعب وأمة وأرض وجيش”، جيش له دولة، بعد ما كان “شعبا بلا أرض مُنحت له أرض بلا شعب” كما يزعم مبشِّر دولة الكيان هرتزل.

اليوم، هذا الوهم الذي حاول “المؤسسون”، الذين تلاعبوا بخلفيات اليهود التوراتية الدينية ومنّوهم بالمن والسلوى من جديد على “أرض الميعاد” منذ وعد بلفور وما قبله، اليوم، هم يدركون جميعا، حتى عبر نبوءاتهم التلمودية و”التناخ” وعبر نبوءات أحبارهم المتأخرين والمعاصرين وحتى السياسيين الحاليين، أن عمر كيانهم لم يعمّر منذ تأسيس أول دولة لهم في فلسطين أيام النبي داوود عليه السلام والنبي سليمان عليه السلام فيما بعد، أكثر من 80 سنة إلا مرتين في بداية التأسيس والقوة. لكن هذه القوة سرعان ما بدأت تخفت على يدي أبناء النبي سليمان، والتي أفضت في الأخير إلى السبي البابلي على يد الإمبراطور العراقي “نبوخذ نُصّر” منتصف القرن 6 ق. م.

اليوم، كلهم يعلمون، حتى أقلّهم إيمانا من التيار العلماني واليساري، أن “لعنة الـ80” تلاحق تجمُّع اليهود في شكل أمة ودولة اليوم وليس غدا، والعد التنازلي قد بدأ على الأقل منذ 2020.

الغرفة العلوية، حسب التقسيم العمودي، الذي يشطر التجمع الصهيوني أشطارا من أشكناز وسفرديم، الذين هم يهود فرنسا أو القادمين من المغرب العربي والمغرب الأقصى بشكل خاص، تضاف إليهم التقسيمات المذهبية الدينية، والذين يشكّلون حاليا قوة ضاغطة حتى على القوة العلمانية اليسارية، وهو الجناح الذي يستند إليه اليوم رئيس وزراء الكيان في دعم مقعده وحربه على غزة والضفة ضد خصومه العلمانيين، الذين يساندون الحرب بكل قوة بلا ريب، لكنهم يختلفون داخليا مع التيار اليميني الديني بشكل خاص لأسباب سياسية عقائدية.

هذه الانقسامات اليوم، تهدد بنية هذا التجمع المبني على العنصرية الدينية والعرقية وعلى الاستكبار والتعالي وتحقير الأغيار “الغوييم” من عرب 48 وفلسطينيي الضفة وغزة وفلاشا، هي التي ستعصف بهذا المجتمع المصنوع دوليا والمسيَّر محليا. ونحن على أبواب سن الـ80 لهذا الكيان الآيل إلى السقوط.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!