-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

طوفان الأقصى والبعد الدولي للقضية الفلسطينية

التهامي مجوري
  • 376
  • 0
طوفان الأقصى والبعد الدولي للقضية الفلسطينية

طوفان الأقصى كما هو معلوم، هو ثمرة من ثمار حركة المقاومة، التي بقيت مصرة على رفض مقررات ومنتجات اتفاقيات أوسلو التي انتجت لنا مسمى السلطة الفلسطينية، وثمرة التطبيع الخبيثة، والقضية الفلسطينية في أصولها التاريخية والثقافية والسياسية، ليست مجرد احتلال ينتهي بتحرير وطن وإقامة دولة فلسطين وحسب، وإنما هي احتلال وطن في ظل خيار دولي، وبدعم منه بصيغ مختلفة، وفي زمن وصف بتصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب.

في المقابل، كانت نشأة الدولة اليهودية وبناء هذا الكيان العنصري، بقرار من الدول الاستعمارية الكبرى وعلى رأسها الإمبراطوريتين فرنسا وبريطانيا، اللتان وعدتا اليهود بإنشاء كيان قومي لهم، وبإقرار من باقي الدول الغربية المتعاطفة مع الطائفة اليهودية في العالم، أو التي تريد التخلص منها بسبب هيمنتها على مقدراتها المالية والثقافية.

وكأن هاتين الدولتين اللتين كانتا تهيمنان على مساحة عريضة من الكرة الأرضية، ومن سايرهما من دول الغرب يريدون البقاء في هذه البقاع بصورة جديدة، لا تتناقض مع مبدإ تصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب، فقرروا إقامة هذا الكيان وأوجدوا له الصورة التي ترضي المنظمات الدولية، وهي إقامة دولة لليهود على أرض أجدادهم في سنة 1948، ثم عقب ذلك تقسيم هذه الأرض بين اليهود من أبناء المنطقة والقادمين من خارجها، والفلسطينيين العرب من النصارى والمسلمين الذين هم أبناء الأرض الأصليين.

والغربي الذي كان داعما لهذا القرار الظالم، في الحقيقة يتماشى والأصول المقررة لشرعية هذه الصورة من الاستعمار، المبرَّرة بالحفاظ على المصالح الغربية عموما، ولذلك وجدت الحركة الصهيونية الدعم الكامل من قِبل الغرب كله، بالسلاح والتهجير والسند السياسي في المحافل الدولية، مقابل أن يحفظ هذا الكيان المصالح الغربية في المنطقة تحديدا، على اعتبار أن منطقة الشرق الأوسط تمتلك ما لا يمتلكه باقي العالم كله من ثروات، وكموقع إستراتيجي وحاضنة الطّاقة والمواد الأولية، والعمق الثقافي للعالم والديانات السماوية.

ولم يتوقَّف هذا الدعم من قبل دول الغرب كلها إلى اليوم، بما في ذلك الدول التي ظهرت في مرحلة ما وكأنها من الدول المعارضة للكيان الصهيوني أو المتظاهرة بمساندة العرب والفلسطينيين، مثل الدول الاشتراكية في الحرب الباردة 1948/1988.

ثم إن فلسطين ليست دولة عادية، وإنما هي دولة لها قُدسيتها المقررة في الشرائع السماوية كلها، فكلُّ من له قدر في نفسه لشريعة من الشرائع السماوية، له شعور خاص تجاه القضية.

وفلسطين مثل مكّة والمدينة بفضل ما تتمتع به من شرعية دينية وقدسية، وبما لها في نفوس المؤمنين، ولها من الخصوصيات المقرّرة للمقدسات عموما، ولذلك وجدنا الكثير من اليهود المتدينين يرفضون إقامة دولة لهم بناء على مقررات دينية عندهم، وهي أنهم من الناحية الدينية لا بد من أن يبقوا في الشتات ولا يجوز لهم أن يقيموا دولة، ولذلك فهم يرفضون نسبة هذه الدولة إلى الديانة اليهودية.

وهذا الواقع الدولي لا يمكن التعامل معه إلا بمقررات دولية في مستواها، ومن ثمَّ لا بد من أن يأخذ مفهوم تصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب، بُعدا أوسع من التفكير في حل الدولتين وفكرة التطبيع القاصرة على إيجاد حل جزئي محدد.

ويبدأ هذا البعد من تهديد وضرب المصالح الغربية كلها؛ لأنها تمثل الخلفية الداعمة لهذا الكيان، وتثوير شعوب هذه الدول عليها وإقناعها بضرورة توقُّف دعمها للكيان الصهيوني؛ لأن دعم هذه الدول يقتطع من الضرائب التي تدفعونها، وأن كل دعم للكيان نتيجته خسائر وتهديد لمصالحكم القومية.

إن تعميم فكرة إزالة الكيان الصهيوني، باعتباره احتلالا هو قرارٌ لا لبس فيه، ومن حق الشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة المحترمة على أرضه، وتقديره تقدير الشعوب صاحبة الحق في دولها المحترمة.

اليهود بطبيعتهم لا يقبلون الذوبان في غيرهم، ولذلك لم يجد الكيان الصهيوني تعريفا للمواطن الصهيوني: هل هو اليهودي الأصل؟ أم هو كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية؟ وبسبب هذا الاختلاف لم يستطيعوا وضع دستور لهذا السبب وأسباب أخرى داخلية؛ وفي انتظار ذلك فإنهم الآن يفرضون على كل من يلتحق بالكيان أن يثبت يهوديته عبر تحليل الـ(آ دي أن)، والحركة الصهيونية تضيف لهذا المبدإ القومي روحا عنصرية أخرى تمنع السلام مع الغير.

ثم إن زوال دولة اسرائيل حتمية تاريخية، لجملة من الاعتبارات:

أولا: إن الكيان الصهيوني احتلالٌ لا بد من إزالته لكونه استعمارا لشعب، وهذا الاستعمار مضادٌّ لمقررات تصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب، ولا مبرر لبقائه البتة، وكل بقاء له تمديد لأزمة الشرق الأوسط التي لها انعكاساتها على العالم في الكثير من المجالات.

ثانيا: إن اليهود بطبيعتهم لا يقبلون الذوبان في غيرهم ولا يقبل غيرهم الذوبان فيهم، ولذلك لم يجد الكيان الصهيوني تعريفا للمواطن الصهيوني: هل هو اليهودي الأصل؟ أم هو كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية؟ وبسبب هذا الاختلاف لم يستطيعوا وضع دستور لهذا السبب وأسباب أخرى داخلية؛ وفي انتظار ذلك فإنهم الآن يفرضون على كل من يلتحق بالكيان أن يثبت يهوديته عبر تحليل الـ(آ دي أن)، والحركة الصهيونية تضيف لهذا المبدإ القومي روحا عنصرية أخرى تمنع السلام مع الغير.

وهذه الثقافة القومية المتحجِّرة أو العنصرية لا تسمح بالوجود والبقاء في وسط مغاير ثقافيا؛ لأن العالم العربي متجانسٌ ثقافيا، رغم تعدد الأعراق والديانات والعادات والتقاليد.

في هذا الواقع لا يمكن لهذه الدولة البقاء والاستمرار؛ لأن البقاء والاستمرار، لا يكون إلا بالتفاعل الإيجابي الذي يخدم مصالح الجميع، وهذا لن يتحقق في العلاقة بين الكيان الصهيوني القومي المتحجِّر والعنصري والمحيط العربي؛ بل إن التطبيع الذي قامت بعض الدول العربية لا يحقق الاستقرار للمنطقة إلا في الجانب الأمني بشكل ظرفي وجزئي، أما في الإطار العامّ فإن التفاهم الموجود الآن يين بعض هذه الدول المطبِّعة والكيان الصهيوني، لا يمثل حقيقة علاقة شعوب المنطقة بهذا الكيان… ولذلك كانت وما زالت مواقف شعوب المنطقة تختلف جذريا عن مواقف الأنظمة؛ بل إن مواقف هذه الأنظمة المطبِّعة في حد ذاتها لا تعبر عن مضامين التطبيعات التي وقّعت عليها؛ لأن صدقيتها مع شعوبها مجروحة إذ تضطرُّها إلى اتخاذ مواقف تحفظ لها ماء الوجه؛ لأنها إذا لم تتبنَّ شيئا من الإدانة لأفعال الصهاينة، فإنها تفقد ما بقي لها من قواعد شعبية تدعمها في خياراتها السياسية والاجتماعية.

إن البُعد الدولي للقضية الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتور 2023، في اتجاه تعديل مؤسسات النظام الدولي برمَّته، بفضل الامتحان الذي تمر به هذه المؤسسات في الموقف من الجرائم الصهيونية في ظل القانون الدولي للحروب، الذي تجاوزته الدولة الصهيونية، في جميع أعمالها الحربية، بقصف المستشفيات وقتل المدنيين من الأطفال والنساء والقصف العشوائي لكل شيء، وجرائم الحرب ما هي حدودها وضوابطها؟ وما دور المؤسسات القضائية؟ ومن له الحقُّ في رفع الدعاوى ضد مجرمي الحروب؟ وحقوق الإنسان والحريات التي حُرم منها الإنسان الفلسطيني، الذي يُهجَّر بالقوة من الأرض التي يسكنها؛ بل يُمثَّل به إذا لم يستجب لأمر الصهاينة، مثل المواطنين الذين جرَّدوهم من ألبستهم إمعانا في الإهانة والإذلال، لا لشيء إلا أنهم رفضوا أن يخرجوا من بلادهم ومن أرضهم… وتصفية الاستعمار معانيه معلقة، منذ أن خطط لإقامة هذه الكيان على أرض هُجِّر منها أهلها بالقوة، ومبدإ الفيتو المحتكَر لصالح دول خمس دون غيرها، الذي ينبغي أن لا يستمر؛ لأن استمراره يعني إقرار التمييز العنصري واستمراره، تكريس مبدإ الظلم، وتمييع المواقف من الحقيقة التي يجب أن تسود لتكون مرجعا ثابتا لكل من يبحث عنها.

إن القضية الفلسطينية المدوَّلة تلقائيا، تفرض على العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في القيم السياسية والأخلاقية السائدة في العالم، وقد أثبت طوفان الأقصى، أن الفلسطينيين الذين يمثّلون القضية العادلة، يملكون ما يقدّمونه للبشرية من قيم تراحمية راقية، بما قاموا به في فقرات تسليمهم الأسرى الذين كانوا تحت رعايتهم خلال أيام الحرب قبل الهدنة المحدودة، كما كشفت الحرب قبل الهدنة وبعدها، بشاعة القيم السياسية والأخلاقية للصهيونية التي تعاملت بها مع أهل غزة في فلسطين، كما كشفت عن حقد القوى الدولية الداعمة للباطل على حساب الحق الذي تقره كل المواثيق الدولية والشرائع السماوية، إذا تعارضت مصالحها مع هذا الحق المقرر، فقد ثبُت بما فيه الكفاية وجوب التخلُّص من هذا الواقع المرير الذي تعاني منه شعوب العالم في ظل عالم تحكمه التفاهة كما يقول الفيلسوف الكندي الدكتور آلان دونو.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!