-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عرس بغلة

عمار يزلي
  • 1389
  • 0
عرس بغلة

كان علي أن أقدم برنامجا “تنمويا” (تنمية مشتقة من فعل نام، ينام، نوما..تنمية) من أجل إخراج البلاد من ريع الخراج وعقلية الاعتماد على النفط. لهذا أول ما بدأت به هو إنتاج برجوازية جزائرية ديمقراطية شعبية، والتي من مهامها إنتاج قطاع إنتاج منتج وممتص للبطالة ومنتج للعمالة. لكن المشكل هو العمل والعمالة! الجزائريون قد قضت عليهم عقلية العمل عندهم سنوات الاشتراكية مع النفط! لقد بدأنا في إنتاج هذه العقلية منذ الثورة، يوم كنا نقول للشعب، بأن الثورة هي من تقدم لكم الثروة! فكل مواطن بعد الاستقلال (كنا 10 ملايين في 62)، كان بفضل النفط سيعيش بمليون سنيتم في الشهر مع بيت وسيارة بدون أن يضطر للعمل! وهذا الكلام كان قد أشيع فعلا لدى العامة، لكي يحمسوهم على الثورة ضد فرنسا “بنت الكلب” التي تأخذ كل خيراتنا إلى المترو ـ بول. فتأخذ هي حصة “الميترو”.. وتترك لنا البول…

 لهذا، كان على الجزائري بعد الاستقلال أن يبقى ينتظر، ولا يزال، لكي يحصل على مليون سنتيم وسيارة ودارا مقابل لا شيء! أي بدون أن يعمل! فهذا جزاؤه وأجره باعتبارها جزائريا! أما العمل فشيء آخر! لهذا، فإنك اليوم عندما تطلب من عامل أو موظف خدمة واجبة عليه وهي ومن عمله، يقدمها إليك بكل تأفف وبثقل و تباطؤ منقطع النظير، أو بالإجابة: “عد غدا” أو “مش عندي” أو “عاود الملف” أو أي شيء يثقل كاهلك إداريا عن طريق ما نسميه بالبيروقراطية. فالجزائري يرى نفسه أنه يقدم لك “جميلا” وخدمة مجانية وليس “بالسيف عليه”. لأن الخلصة التي تقدم له هي خلصة الجزائري، أي مقابل أنه جزائري، أما مقابل العمل، فهو لا يحصل على ويكاد أن يعمل بدون مقابل! هذا ما دفعنا إلى عدم الإقبال على العمل. فالنفط يغطي حاجياتنا، والاشتراكية تساوي بين الناس (في الفقر) ولا فرق بين غني وفقير، مما جعل هذه السياسية “الشعبوية” تنمي فينا عقلية “قاع كيفكيف”، قاع جزائريين” قاع أولا تسعة أشهر! ثم تربى فينا أنف بطول “لاتور إيفل”، أو كما يقول المغاربة “النخوة على الخوا “.

كان علي أن أقدم مشروعا تنمويا من إنتاج الجزائريين الذين لا يعملون ويحبون أن يخلصوا الشهرية بدون حتى الخروج إليها لسحبها من البريد أو البنك! (فلو وجدنا، كنا نفضل أن تأتينا “الماندا” للبيت بدون أن نضطر للخروج إلى سحبها، ناهيك عن العمل من أجل الحصول عليها!.. بعبارة شعبية “راقدة وتمانجي”). تحدي كبير واجهته: أولا أن تنتج برجوازية وطنية جزائرية من شأنها أن تبني البلاد اقتصاديا وزراعيا، حتى لا نضطر إلى طلب عودة الحماية الاستعمارية من جديد! يخرج الاستعمار من الباب، ويدخل من النافذة، كما كان يقول الراحل بومدين! فالجزائر عشية الاستقلال لم يكن تضم رجال أعمال جزائريين إلا من كانوا متعاونين مع فرنسا، وهؤلاء كان من حقنا أن نؤمم ممتلكاتهم كما أممنا ممتلكات “الكولون” وأملاك الإدارة الفرنسية. لهذا السبب اعتمدنا على اشتراكية في شكل “رأسمالية الدولة”، فالدولة هي المالكة لرأس المال، لأنه لا توجد برجوازية وطنية، كما أننا لا نريد أن نعيد الثروة إلى مجموعة قليلة على حساب شعب فقير أفقرته الرأسمالية الفرنسية الاستعمارية الكولونيالية. فقمنا بتطبيق الاشتراكية مع كل معوقاتها. دخل النفط لصالحنا، لكنه كان مفسدا للطبائع، فطرحت فكرة: هل النفط نعمة أم نقمة! وكان الجواب: نعم النعمة، رغم النقمة! تنعمنا بنعم النفط، ونسينا النقمة! والنقمة كانت في الأخير ذات أثر وخيم. نقمة النفط هي أنها علمتنا الكسل والاتكال والهروب من العمل الصعب وحب المسؤولية والقيادة والسهولة والإقبال على المراتب والسياسة لتحسين الأوضاع الاجتماعية. بدأت هكذا البرجوازية الإدارية في الظهور: فلان يعين في مسؤولية معينة وحساسة (تجارة، صناعة، فلاحة، خدمات)، فيصبح مليونيرا في سنوات بعد أن كان مجرد عامل وموظف بسيط حتى بدون مستوى علمي وثقافي. يستفيد من منصبه للحصول على امتيازات تؤهله ليصبح ذا مال. هكذا كانت البداية، لكن مع الانفتاح ثم “الانفضاح” بعد 88، ودخول الجزائر مجال “الرأسمالية الوطنية”، بدأت تظهر بوادر تكوين وولادة برجوازية وطنية من صلب رحم رأسمال الدولة! “من لحيته وبخر له”! بيعت المؤسسات والأملاك بالدينار المزي، ثم خصخصة الشركات بعد إفلاسها ليشتريها المقربون بأسعار مضحكة مبكية، ثم تسهيل الحصول على قروض بنكية بالمليارات من أجل سياسة “الاستوراد” الذي ذرت أرباحا منقطعة النظير على أصحابها في ظرف وجيز، أضف إلى ذلك رواج تجارة المخدرات وتبييض أموالها “الخضراء”، مما جعل المجتمع برمته يتحول إلى تجمع استهلاكي كئيب، وتتحول معه فئة محظوظة إلى برجوازية شرسة عفنة، همها هو الربح السريع وغير الأخلاقي (تعامل مشبوه مع مؤسسات أجنبية في الصين وغير الصين لقتل الجزائريين بكل أنواع السموم بحثا عن الربح السريع). انتشر الفساد من جراء شراء الذمم والو لاءات السياسية ودفع بعض القوى السياسية والعسكرية والأمنية إلى انتهاج التجارة وترك المناصب من أجل تأميم هذه المناصب لصالح الرئيس ووحده الرئيس ليصبح رئيسا بكامل الصلاحيات لا ينافسه أحد! كل هذا، أدى في الأخير إلى بروز هذه الكتلة من المليارديرات مقابل ماذا؟ مقابل لا شيء! البطالة هي هي، رغم قناع الامتصاص عن طريق مشاريع التشغيل المضحكة المبكية التي أرادت أن تعلم الجزائريين كيف يتحولوا كلهم إلى أصحاب شركات.. كلهم! دون أن يفكروا في العمل! أي “باترونات” وليس عمالا! أصحاب شركات بدون تعب ولا عمل، من جيب الدولة. أغلب هذه الأموال صرفت في شراء سيارات نفعية لا علاقته لها بالعمل والإنتاج! أموال تربية الأبقار وإنتاج الحليب ذهبت لإنشاء وكالات أسفار أو شركات طاكسي، مع التهرب الضريبي بعد سنوات”مسح الضرائب” والتهرب حتى من رد القروض، والهروب من البلاد بالمليارات وفي كثير من الأحيان، سرقات هي الأخرى بالمليارات، لنجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية!: حقيقة أننا تحولنا إلى مطالبين بالعدالة في الفساد! كلنا كيفكيف، فلماذا هذا يسرق الملايير ويستغني من مال الدولة، فيما الآخرون يعيشون فقرا على الفقر! نطالب بحقنا من مال النفط نتاع الثورة، نريد أن نكون كلنا برجوازيين وليس فقط فئة محظوظة! نريد سكنات لكل واحد وسيارات وخصلة مليحة وعملا “شريفا” غير متعب، لأننا كلنا أبناء 9 أشهر وكلنا جزائريون! أنهينا قيمة العمل وصفينا العمل والعمالة وعوضناها بعمالة أجنبية، وأنتجنا طبقة أغنياء ورجال أعمال جشعين غير منتجين، أنانيين، يأكلون الغلة ويسبون الملة، ويهربون الأموال إلى الخارج،,,, ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

وأفيق من نوم عميق، رأيت فيه أن تجارة المخدرات هي أقرب طريق إلى المناصب السياسية العليا من أجل الحصول على “حصانة” ضد “البغالة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!