غطرسة ونفاق!
طبيب نفسي شهير، حلّل صورة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك خلف القضبان، فقال أنه مصاب بمرض سمّاه متلازمة الغطرسة، وهو داء ينتج عن بقاء صاحبه مدة طويلة في السلطة المطلقة.
-
كلام الطبيب يجعل قارئه يفكر في الحالة النفسية للزعماء العرب الذين استمروا في مناصبهم عقودا طويلة، يغفرون خلالها كل شيء إلا الشرك بالسلطة أو ارتكاب جريمة المطالبة بالتداول عليها، أو الوقوع في فخّ الحرص على شفافية الانتخابات وتعددها.
-
مبارك لن يرتاح من مرضه حتى يُنقل إلى القبر جثة هامدة، كغيره من الزعماء العرب المستبدين، ولاشك أن متلازمة الغطرسة هذه، أصابت أيضا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والذي رغم مرضه ونجاته من موت محقق، وتشوّه جسده بالكامل، إلا أنه رفض الإذعان والانسحاب مفضلا مواصلة المواجهة، وتصفية المعارضة، بما يثبت أنه مصاب أيضا بالداء المذكور آنفا والذي لا يردعه إلا الموت ولا يوقفه إلا القبر.
-
في مصر يريدون محاكمة وزير الإعلام الجديد في حكومة الثورة، لأنه أباح نقل محاكمة مبارك مجانا لكل دول العالم، ولم يبعها أو يسوّقها كحدث تجاري مهم، كان سيغدق على التلفزيون المصري عائدات اشهارية أكبر ربما من نقل نهائي المونديال في كرة القدم!
-
لكن وأمام تهافت الفضائيات على نقل المحاكمة، وإبراز الفرعون وحاشيته خلف القضبان، توانى المصابون بمتلازمة الغطرسة عن الظهور، واختفوا في الظل، فكان التلفزيون السوري واليمني، والقنوات الليبية، هي وسائل الإعلام الوحيدة التي لم تتحدث عن المحاكمة حتى في نشراتها، فما بالك بنقلها على الهواء مباشرة!
-
غطرسة الأسد، وتعنّت علي عبد الله صالح، ودموية القذافي، تشبه جميعا في تفاصيلها، ما كان عليه مبارك وبن علي بالأمس، وما مارسته أيضا حفنة الاستبداد التي حكمت المنطقة على مدار عقود طويلة، فتباهى الإعلام المطبل والمزمر خلالها بالزعيم الأوحد، ومجّده طالما استمر في الحكم، ثم انقلب عليه مكتشفا بعد الثورات، أنه لم يكن سوى مريض نفسي، مليء بالعقد!
-
أغاني وطنية ذابت في حب الزعيم، ومسلسلات وأفلام روت سيرته البطولية الخالدة، ونشرات أخبار لم تكن تفتح ولا تختم ساعاتها إلا بالحديث عن انجازاته التاريخية، وكتب وروايات لم تتحدث في صفحاتها وفصولها سوى عن أمجاد القائد المخلص المغوار، وعلماء ومفكرون ومثقفون وفنانون، وأئمة ورياضيون لم يسبحوا في حياتهم سوى بحمد الزعيم الملهم!
-
هؤلاء جميعا ساهموا في مضاعفة مرض مبارك وبن علي والقذافي والأسد، وصنعوا منهم ضحايا لمتلازمة الغطرسة، لأنهم باختصار، هم أيضا مصابون بمتلازمة النفاق والخوف والمسكنة!.