في مرمى “بركات ” و” دفاع السلطة “
أتوقع أن حركة “بركات ” الجزائرية التي توازي في معناها وأهدافها حركة “كفاية” المصرية، لن تُسقِط النظام بقدر ما ستكون مطية لحركات أخرى مماثلة ستنشأ بعدها، وسيكون من بينها أول الأمر حركات موازية يُنشِئها النظام نفسُه بهدف اختراق حركة “بركات” وتشويه نشاطها وتمييع أهدافها، وتبرير سياسته التي تقوم على مبدإ “بَوْلسَة الدولة”.
الحالة الوحيدة التي يمكن أن تجد فيها حركة “بركات” نفسَها في موقع قوة هي حالة انضمام التيار الإسلامي لنشاطها بالتجمهر ذي الطابع الديني العقائدي على الطريقة المصرية والسورية والليبية أيام الجمعة، من قبيل: “جمعة بركات”، و”جمعة مناهضة الرابعة ” و”جمعة إسقاط النظام” مثلا، وهذا مُستبعَـدٌ في الحالة الجزائرية نظراً لاختلاف الرؤى والإيديولوجيا بين حركة “بركات” ذات التوجه اليساري، وبين التيار الإسلامي ذي التوجه العقائدي، بحيث يبدو من المستحيل أن يلتقي الطرفان في “شارع واحد” رغم ما يبدو من وحدة الهدف، فالإيديولوجيا تقوم على الشكليات أكثر من ارتكازها على المضامين والأهداف، وبالتالي فإن على حركة ” بركات ” أن تحقق التفافاً شعبياً من حولها حتى تتمكن من تحقيق أهدافها.
أما في مرمى النظام، فإن المسمار الذي تدقه في نعشها هو اختيارها منهج “بَوْلسَة الدولة L_état policier ، حيث أصبح الناس يشاهدون بلادهم مطوقة بحواجز وسيارات وأعوان الشرطة أينما التفتوا، وهو ما لم يروْهُ حتى في عز سنوات الجمر التي مرت بها الجزائر، والأدهى أن تستخدِم أعوان القمع بلباس مدني، بما يخالف كل القوانين والنظم المعمول بها في العالم اليوم، حيث يستخدم الأعوان بلباس مدني في حالات الأمن والسلم، وليس في حالات التوتر واللا استقرار .
وصحيح أن النظام يبرر خيار “بَوْلسة الدولة” بمسألة “الحفاظ على الأمن والاستقرار”، لكن المواطن اليوم يقدم لهذا المبرر قراءة أخرى ترتكز على أن مرشح العهدة الجديدة يرفع شعار “أنا، أو الإرهاب” بما يجعله يبدو بمظهر من يفرض نفسَه على الشعب بالقوة، وبالتالي فإنه من المتوقع في حال تفاقم الأوضاع لا قدر الله أن يتخلى أعوان الشرطة عن وظائفهم ومهامهم ـ كما جرى في سورية وليبيا ومصر ـ خشية أن تتم ملاحقتهم مستقبلا، وهو ما سيضع البلاد أمام وضع مماثل للوضع المصري في مسألة “المحاكمات العرفية” أو الوضع السوري في عودة التنظيمات الإرهابية إلى النشاط، خصوصا وأن لهذه التنظيمات في بلادنا من الخبرة ما يجعلها تتجاوز أخطاء نظيراتها في ليبيا وسورية.
وفي رأي من لا رأي له يُسمَع، فإنه انطلاقاً من صعوبة الظرف الذي تمر به البلاد، يتوجب على النظام في المقام الأول أن لا يراهن على استعمال القوة والعنف لحل مشاكله، وأن يعمد فوراً إلى توقيف خيار “بولسة الدولة” الذي يعتبر في كل الدول بداية النهاية لأي نظام قائم، وعليه في المقام الثاني أن يتجنب الإفراط في استعمال القوة تجاه المحتجين والمعارضين لسياساته، وأن يتجنب بالخصوص إخراج مظاهرات مؤيدة إلى الشارع تجنبا لاحتدام الأمور.
ويقع على عاتق حركة “بركات” والحركات التي يُتَوقع أن تنشأ مؤيدا لها أو مناقضا لتوجهاتها أن لا تدفع باتجاه تأزيم الأمور، وذلك بتنقية صفوفها ممن سيشوهون أهدافها، ويقدمون للسلطة مبرراً للاستمرار في منهج “بولسة الدولة” الذي لن تحمد عقباه، ولن يكون في مصلحة أي من الطرفين.