-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قارة في مرحلة انتقالية

قارة في مرحلة انتقالية

أدخلت الانقلابات العسكرية المتوالية بعدة دول إفريقية، خلال السنوات الأخيرة، هذه القارة الغارقة أصلا في الفقر والأزمات الأمنية، في مرحلة انتقالية لا يعلم أحدٌ متى تنتهي.

صدقت التكهنات بعد انقلاب النيجر، بأن عدوى إسقاط الحكام في القارة الإفريقية ستطال دولا أخرى، وكانت المحطة الثانية دولة الغابون، رغم ما يتم تداوله حول دور فرنسي في ترتيب ما سمي “ثورة القصر” في ليبرفيل، من أجل استباق أزمة على الأبواب بعد انتخابات مزوّرة أظهرت نتائجها فوز علي بونغو بعهدة جديدة.

وبغضِّ النظر عن صحة ما تم تداوله حول “تحصين” فرنسا لموقعها في الغابون، بفرض قائد الحرس الجمهوري وهو من عشيرة بانغو قائدا للمرحلة الانتقالية، فإن قراءات أخرى تقول إن الوضع في هذا البلد سيبقى هشا وحتى الجنرال أوليغي نغيما يجلس حاليا على “كرسي من نار”، وقد يصطدم مستقبلا بتيارات داخل النظام وحتى في الشارع، مازالت تنظر بعين الرفض لاستمرار النفوذ الفرنسي في البلاد، وذلك في ظل موجة مناهضة باريس في القارة.

وبالرجوع إلى انقلاب النيجر، فإن كل المؤشرات تؤكد أن علاقة المجلس العسكري الحاكم مع فرنسا وحليفتها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) بلغت نقطة اللاعودة، بعد وصول الأمور حد محاصرة سفير باريس في إقامته ومظاهرات تطالب برحيل القوات الفرنسية.

كما أن انقلاب الغابون، الذي صدرت بشأنه بيانات “ناعمة” من باريس ودول إفريقية أخرى، كان حكام نيامي الجدد أكبر مستفيد منه، بحكم أنه فضح سياسة الكيل بمكيالين التي اعتمدتها باريس في التعامل مع انقلابات القارة، فضلا عن أنه أضعف فرص التدخل العسكري الذي كانت تلوِّح به فرنسا ودول “إيكواس”.

ويبدو أن الأمور في النيجر تتجه نحو تكرار سيناريو ما وقع قبلها في مالي وبوركينافاسو، إذ وقع تناغمٌ بين الشارع وقادة عسكريين لأول مرة حول مناهضة الوجود الفرنسي، بشكل جعل الدولتين تخرجان عن طوق وصاية باريس وترسمان خطا جديدا يتجه شرقا بدعم روسي واضح وعلني.

وبالرجوع سنوات قليلة إلى الوراء، كان مجرد التفكير في ثورة قادة عسكريين ضد نفوذ فرنسا في القارة أمرا غير ممكن، لكن دخول لاعبين جدد إلى إفريقيا وتزايد المنافسة الدولية على ثروات القارة، جعل رفع البطاقة الحمراء في وجه حكام “الإليزي” ممكنا.

لكن من الخطأ الاعتقاد أن هذه الدول التي أزاحت حكاما عبر انقلابات عسكرية بتهمة موالاة فرنسا، قد بلغت برّ النجاة وانتقلت إلى مرحلة جديدة، كون الأوضاع مازالت هشّة سواء سياسيا أو اجتماعيا أو أمنيا، وقد تعود الأمور إلى نقطة الصفر في أي لحظة سواء بتناسل الانقلابات العسكرية أو تحرك الشارع مجدّدا، سواء بسبب الأوضاع الاجتماعية الصعبة أو بفعل فاعل.

وفي ظل التكهُّنات بشأن انتقال عدوى الانقلابات إلى دول أخرى بالقارة، ودخول بعضها مراحل انتقالية قد تدوم طويلا، يبدو أن القارة السمراء مقبلة على تحولات كبيرة تجعلها ساحة لصراع قوى دولية، وتضييع سنوات أخرى في ركب التنمية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!