الرأي
بدأتْ‮ ‬ولم تَزل وستبقى إلى‮ ‬يوم الدّين

قصّة الصّراع بين الشّيطان والإنسان (الحلقة الثانية)

سلطان بركاني
  • 3686
  • 0

قصّة الصّراع بين الشّيطان والإنسان،‮ ‬قصّة ليست ككلّ‮ ‬القصص‮. ‬قصّة كانت ولم تزل وستبقى أحداثها مستمرة إلى‮ ‬يوم القيامة‮. ‬قصّة صراع أبديّ‮ ‬بدأ مع خلق أبينا آدم عليه السّلام‮. ‬وسيبقى إلى أن‮ ‬يرث الله الأرض ومن عليها ويدخل أهل الجنّة الجنّةَ،‮ ‬وأهل النّار النّار‮. ‬ويقوم اللّعين في‮ ‬جهنّم خطيبا بين أتباعه خطبة البراءة والحسرات‮.‬

أخرج الله تبارك وتعالى آدم وحواء من الجنّة دار الجزاء‮. ‬وأنزلهما إلى الأرض دار الامتحان والبلاء‮. ‬ونزل معهما إبليس‮. ‬ومن‮ ‬يومها بدأت معركة الشيطان مع ذرية آدم‮. ‬وبدأ كيده ومكره‮. ‬وبدأت خططه ومؤامراته‮. ‬فهو الذي‮ ‬أغرى قابيل بقتل أخيه هابيل‮. ‬وهو الذي‮ ‬سوّل لقوم نوح الغلو في‮ ‬عباد الله الصالحين من أمثال ودّ‮ ‬وسواع ويغوث ويعوق ونسر‮. ‬وجعلهم‮ ‬يصورونهم ويجعلون لهم التماثيل ليتذكروهم بعد وفاتهم،‮ ‬ثمّ‮ ‬تدرّج بهم حتى عبدوا تماثيلهم من دون الله‮. ‬وزين لهم تكذيب نبي‮ ‬الله نوح عليه السلام ومعاداته‮. ‬وهو الذي‮ ‬زين لقوم عاد وثمود عبادة الأصنام وتكذيب رسل الله‮. ‬وهو الذي‮ ‬سول لقوم إبراهيم عبادة الأصنام والكواكب والنجوم‮. ‬وسول لهم محاولة قتل نبيّ‮ ‬من أنبياء الله‮. ‬وهو الذي‮ ‬سول لقوم لوط إتيان فاحشة ما سبقهم بها أحد من العالمين‮. ‬وهو الذي‮ ‬سوّل لإخوة‮ ‬يوسف الكيد لأخيهم‮. ‬وهو الذي‮ ‬سوّل لقوم شعيب الإفساد في‮ ‬الأرض وقطع الطرق وتطفيف الكيل والميزان‮. ‬وهو الذي‮ ‬أغرى فرعون بالعلوّ‮ ‬في‮ ‬الأرض حتى قال أنا ربكم الأعلى‭.‬

وهو الذي‮ ‬أغرى بني‮ ‬إسرائيل وسول لهم عبادة العجل‮. ‬وسلطهم على أنبياء الله،‮ ‬فكذبوا من كذبوا وقتلوا من قتلوا منهم،‮ ‬وجعلهم‮ ‬يبوؤون بلعائن الله بعد أن كانوا من صفوة عباد الله‮. ‬وهو الذي‮ ‬ألب قريشا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فكذبوه وآذوه وأخرجوه وحاربوه‮. ‬وهو الذي‮ ‬أغرى الأمم بأمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم،‮ ‬فتكالبت عليها وتنادت لحربها من كلّ‮ ‬حدب وصوب‮. ‬وهو الذي‮ ‬سلّط ذريته على أمّة محمّد عليه الصّلاة والسّلام،‮ ‬فكان منهم المستكبرون والمعرضون والمتمرّدون‮. ‬وزيّن لكثير منهم الدّنيا وأغراهم بها فتنافسوها وتقاتلوا عليها وقطعوا لأجلها الأرحام،‮ ‬وسلّموا لأجلها أراضيهم لأعدائهم،‮ ‬وباعوا دينهم لأجل عرض منها قليل‮.‬

إنّه ما من شرّ‮ ‬وقع أو‮ ‬يقع في‮ ‬هذه الأرض إلا وإبليس وراءه،‮ ‬فهو الذي‮ ‬سوّل لبني‮ ‬آدم الشّرك بالله‮. ‬وهو الذي‮ ‬علّمهم السّحر والكهانة‮. ‬وهو الذي‮ ‬أوجد لهم البدع وزيّنها لهم‮. ‬وهو الذي‮ ‬أغراهم بالكبائر كالزنا والفاحشة والقتل والعقوق وغيرها‮. ‬وهو الذي‮ ‬أغراهم بالصغائر وسهل أمرها عليهم‮. ‬وهو الذي‮ ‬ألقى عليهم‮ ‬غشاوة الغفلة وأنساهم ذكر الله وأنساهم الموت والقبور والنشور والحساب والجنّة والنّار‮. ‬وهو الذي‮ ‬أوجد لهم بالتعاون مع جنده من شياطين الجنّ‮ ‬والإنس،‮ ‬المذاهب الهدّامة من إلحادية وشيوعية واشتراكية ورأسمالية وعلمانية وباطنية‮. ‬وزيّن لهم الفواحش وذلّل لهم طرقها وجعل لها دعاة‮ ‬يدعون إليها ويزينونها‮.‬

يبدأ إبليس حربه مع كلّ‮ ‬مولود‮ ‬يولد من بني‮ ‬آدم فينخزه إيذانا ببدء معركته معه،‮ ‬ثمّ‮ ‬تستمرّ‮ ‬معركته مع المولود فيُنسي‮ ‬والديه تربيته وتحصينه من كيده،‮ ‬ويلهيهما بطعامه وشرابه ولباسه وألعابه،‮ ‬حتى‮ ‬يكبر ولا مكان للدين في‮ ‬حياته،‮ ‬فتسهل عليه بعد ذلك قيادته حيث‮ ‬يريد‮.‬

يبدأ الشّيطان معركته مع ابن آدم فيحاول جهده أن‮ ‬يوصله إلى الإلحاد وإنكار وجود الخالق،‮ ‬فإن لم‮ ‬يستطع حاول إيقاعه في‮ ‬الشرك بالله بتعظيم شأن المخلوق وتهوين شأن الخالق عزّ‮ ‬وجلّ،‮ ‬فإن لم‮ ‬يستطع حاول إيقاعه في‮ ‬البدع المضلّلة التي‮ ‬يظنّ‮ ‬معها أنّه‮ ‬يحسن صنعا،‮ ‬فإن لم‮ ‬يستطع حاول إيقاعه في‮ ‬كبائر الذنوب والمعاصي،‮ ‬فإن لم‮ ‬يستطع دعاه إلى الصّغائر وهوّن أمرها عليه،‮ ‬فإن لم‮ ‬يستطع حاول إلقاء‮ ‬غشاوة الغفلة على قلبه،‮ ‬لينسى ذكر الله وينسى الموت‮.‬

وهو في‮ ‬كل ذلك لا‮ ‬ييأس من بلوغ‮ ‬هدفه الأسمى وهو جعل الإنسان‮ ‬يخسر دنياه وأخراه ويخلد معه في‮ ‬نار جهنّم‮. ‬ومهما تفلّت الإنسان من كيد الشّيطان واختار طريق الصّلاح والاستقامة ونأى بنفسه عن طرق الشرّ‮ ‬والغواية،‮ ‬فإنّ‮ ‬الشّيطان لا‮ ‬ييأس من إفساده،‮ ‬ولو فرّ‮ ‬بدينه وخلا بنفسه،‮ ‬فيأتيه وينظر مواضع الضّعف في‮ ‬نفسه،‮ ‬ويبدأ في‮ ‬التدرّج معه خطوة خطوة،‮ ‬حتى‮ ‬يبلغ‮ ‬مراده‮.. ‬لأجل هذا حذّر المولى ـجلّ‮ ‬وعلا ـ من اتّباع خطوات الشّيطان فقال‮: ((‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ‮ ‬آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ‮ ‬الشَّيْطَانِ‮ ‬وَمَن‮ ‬يَتَّبِعْ‮ ‬خُطُوَاتِ‮ ‬الشَّيْطَانِ‮ ‬فَإِنَّهُ‮ ‬يَأْمُرُ‮ ‬بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ‮ ‬وَلَوْلَا فَضْلُ‮ ‬اللَّهِ‮ ‬عَلَيْكُمْ‮ ‬وَرَحْمَتُهُ‮ ‬مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ‮ ‬أَحَدٍ‮ ‬أَبَداً‮ ‬وَلَكِنَّ‮ ‬اللَّهَ‮ ‬يُزَكِّي‮ ‬مَن‮ ‬يَشَاءُ‮ ‬وَاللَّهُ‮ ‬سَمِيعٌ‮ ‬عَلِيمٌ‮)).‬

لا‮ ‬يتنازل الشّيطان عن هدفه ولا‮ ‬ييأس من بلوغه،‮ ‬حتى‮ ‬يسلم العبد الروح إلى بارئها،‮ ‬بل في‮ ‬لحظات النزع الأخير وفي‮ ‬سكرات الموت،‮ ‬يأتيه ويحاول جاهدا أن‮ ‬ينقله عن الحقّ‮ ‬إلى الباطل‮. ‬وبقدر ثبات الإنسان في‮ ‬هذه الحياة على دينه‮ ‬يكون ثباته في‮ ‬تلك اللّحظات،‮ ‬وبقدر اعتصامه بالله‮ ‬يكون ثباته وتكون نجاته من كيد إبليس وجنده في‮ ‬هذه الحياة؛‮ ‬يقول الحقّ‮ ‬تبارك وتعالى‮: ((‬إِنَّهُ‮ ‬لَيْسَ‮ ‬لَهُ‮ ‬سُلْطَانٌ‮ ‬عَلَى الَّذِينَ‮ ‬آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ‮ ‬يَتَوَكَّلُونَ‮ * ‬إِنَّمَا سُلْطَانُهُ‮ ‬عَلَى الَّذِينَ‮ ‬يَتَوَلَّوْنَهُ‮ ‬وَالَّذِينَ‮ ‬هُمْ‮ ‬بِهِ‮ ‬مُشْرِكُون‮)). ‬لهذا،‮ ‬ينبغي‮ ‬لمن أراد النجاة من كيد الشّيطان أن‮ ‬يعتصم بالله ويستعين به ويتولاه ويتوكّل عليه،‮ ‬ويسأله الهداية والاستقامة والثبات حتى الممات‮.‬

مقالات ذات صلة