-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا يتوجّب على الآباء والأمهات معرف خصائص أعمار أبنائهم؟

خير الدين هني
  • 344
  • 0
لماذا يتوجّب على الآباء والأمهات معرف خصائص أعمار أبنائهم؟

لا يمكن للآباء والأمهات أن يوجهوا أبناءهم توجيها صحيحا وسليما من الأخطاء، ويقودوهم بسلاسة وسهولة ويسر إلى بلوغ الأهداف التي يرغبون في الوصول إليها، إلا إذا عرفوا الخصائص العقلية والنفسية والوجدانية والجسمية لأبنائهم، لأن معرفة هذه الخصائص هي التي تمكّنهم من معرفة حقيقة ما لدى أبنائهم، من مواهب وقدرات عقلية وميول نفسية واتجاهات ورغبات ودوافع، وتعرّفهم بالأمور التي يرغب فيها الأبناء ويميلون إليها، وبالأشياء التي ينفرون منها ويجفلون.

كما أن معرفة الأبوين لخصائص النمو، تعرّفهم بالحوافز الخارجية التي تشجّع أبناءهم على مواصلة العمل والجهد والمثابرة على الاستجابة لإرشادهم وتوجيهاتهم، وتعرّفهم أيضا بأن هذه الحوافز هي التي تخلق في نفوسهم الدوافع على التعلّم الذاتي التلقائي، أي: ما يسمى تفريد التعلّم الذي يمكّن من عوامل اكتساب المعرفة طوعيا، أما أن يُقبِل الأبوان على توجيه أبنائهما من غير معرفة خصائص النمو وأساليب التعلّم الذاتي، فإنهما –لا محالة- سيستعملون أساليب غير تربوية ولا نفسية في تربيتهم وتوجيههم، فتكون نواتج التربية والتوجيه غير مفيدة ولا تتسم بالفعالية والمردودية والجودة المطلوبة، وتنتهي إلى مخرجات سيئة تعود على الجميع بعواقب غير مرضية، كأن ينفر الابن من الوالدين أو من أحدهما، وقد يصل النفور إلى التمرد والعصيان والمشاكسة أو الهروب من المنزل أو من المدرسة، ولاسيما إن كان الابن في سن المراهقة، وقد يصل النفور إلى أقصاه بأن تضعف في نفسه الاستجابة إلى توجيهات الأبوين مهما كانا حازمين، ولكن الاطلاع على خصائص نمو الطفولة في أطوارها المختلفة، تجعل الوالدين قادرين على اختيار طرق التوجيه التي يستعملونها مع أبنائهم وفق كل حالة، لأن الأبناء يتميزون عن بعضهم البعض بفارق الذكاء والموهبة، وقوة العزيمة والتصميم والإرادة والطموح والشجاعة والإقدام على تحدي العوائق.

فالأبناء الأذكياء والموهوبون وذووا القدرات العليا، نجدهم متفطنين يقظين يتمتعون بإرادة قوية وطموح جامح وتطلّع إلى مستقبل مشرق بالأمل، ويملكون روح المبادرة ويميلون إلى طرح الأفكار الجديدة وحب المغامرة العلمية، بتقديم تصورات طموحة تغلب عليها روح الابتكار والاختراع والاستكشاف، بينما يكون بعض إخوتهم ضعاف القدرات عديمي الإرادة والطموح والتطلّع إلى المستقبل، يميلون إلى الكسل والخمول واللعب واللامبالاة، دون التفكير في أي مشروع مستقبلي يحمل طموحهم ورؤيتهم وآمالهم، ومن غير نظر جاد وفق رؤية خاصة بهم، تجعلهم يحملون نفوسهم على الإعداد إلى الحياة بالعمل والجد والكد والاجتهاد، وهذه الفوارق العقلية والنفسية بين الإخوة الأشقاء حالة سيكولوجية طبيعية، ناتجة عن عوامل مختلفة كالاستعداد الوراثي وأساليب التربية والطبيعة التركيبية للمكونات العقلية والوجدانية والوظائف الفسيولوجية لأعضاء كل فرد.

فالاستعداد الوراثي هو المسئول المباشر عن نقل الصفات العقلية والنفسية والجسدية الجيدة وغير الجيدة، من الوالدين أو من الأسلاف المشتركين، تنقل منهم إلى الأولاد والأحفاد حتى الجيل الخامس حسب بعض الدراسات الوراثية، ولذلك لا يمكن للوالدين أن ينزعجا من الوراثة السلبية التي من نتائجها انتقال خصائص غير محبوبة ولا مُحبّذة إلى الأبناء، لأنه يمكن التغلّب عليها أو الانتقاص من خطرها ببذل الجهد في التربية والتعليم والتوجيه والتدريب، فهذه العمليات المتعاضدة كفيلة بتوجيه الصفات السلبية وتحسينها، وتنميتها نحو الأفضل والأحسن والأجود، وهذا التحسين الذي يظهر في النواتج الجيدة في مخرجات الأداء، هو ما يسمى في علوم التربية بالتربية التعويضية التي تكسب مهارات جديدة غير اعتيادية لم يكن الأبناء قادرين على اكتسابها وتملّكها قبل التربية التوجيهية، وهو الأداء المكتسب الذي تلعب فيه التربية والتعليم والتوجيه والتدريب والخبرات والتجارب دورا بارزا، وهذه الفروق الفردية بين الأبناء، هي ما ينبغي على الوالدين أخذها بعين الاعتبار في تربية أبنائهم وتوجيههم، فيتعاملون مع كل حالة بما تقتضيه وضعية كل ابن.

 ما هو مفهوم الفروق الفردية؟

الفروق جمع واحده فرق، ويراد بها ما يلاحظه الآباء والأمهات، على الأبناء من اختلاف بنياتهم الجسدية، وقدراتهم الذهنية وأمزجتهم النفسية وميولهم العاطفية، وتفاوت رغباتهم في التطلّع إلى معرفة حقائق الأشياء أو النفور منها، ودوافعهم التي تحرّك في نفوسهم القابلية للحركة والنشاط والحيوية، أو التوثّب نحو البروز وفرض الذات على الإخوة والأقران والسيطرة عليهم، بحب التزعّم والترؤس عليهم بالكلام وإصدار الأوامر إليهم، لتنفيذ أوامرهم وتحقيق رغباتهم باستحضار حاجياتهم وأغراضهم ووسائل لعبهم، وإظهار أنانيتهم المفرطة في نيل القسط الأكبر من الأكل والمشروبات والأفضل من الفواكه والطعوم والحلويات والشكولاتة، وحب الاستحواذ على كل شيء من وسائل اللعب والأشياء التي تدخل في دوائر اهتماماتهم، وتظهر على البعض الآخر انفعالات حادة (قلق وتوتر)، وجنوح نحو إثارة الفوضى والشغب ورفض سلطة الوالدين وتوجيههم.

وفي المقابل من ذلك، ما يلاحظه الأبوان على بعضهم من جمود، وخمول وكسل وتردد وإظهار الضعف والاستكانة وتماوت وميل إلى البقاء في المنزل وهروب من مخالطة إخوتهم وأترابهم ونظرائهم، وهروب من تحمّل مسئولية الدراسة وتبعاتها وجميع الواجبات التي تدخل في نطاق أعمارهم، ولديهم ميل إلى الابتعاد من دوائر الاندماج مع الغير والاحتكاك بهم، مما يدل على أنهم إن لم يوجهوا توجيها صحيحا، سيكونون عدَمِيين سلبيين غير قادرين على الانفعال والتفاعل مع محيطهم.

وعلى هذا، يمكن أن نقسّم هذه الحالات التي تميّز الأبناء عن بعضهم البعض إلى أربع فئات في آن واحد، وهم:

الفئة الأولى: وهم المتفوقون والمتميزون من أصحاب القدرات والمواهب والتطلّع، من أصحاب الشخصيات القوية ومن سماتها المبكرة, الميل نحو حب التزعم والترؤس على الإخوة والأتراب من الأقارب وأبناء الجيران والحي وغيرهم، من زملاء الدراسة والمحيط الذي يتحركون فيه، وتغلب على سجيتهم النزوع نحو التمركز حول الذات وإصدار الأوامر والنواهي للغير.

الفئة الثانية: وهم العاديون من أصحاب الشخصيات المعتدلة في التطرف والجنوح، ممن تميل نفوسهم إلى الانكفاء على الذات، من غير جنوح إلى التطرف في السلوك الأناني، أو السلوك الانعزالي المتقوقع على الذات، وعادة ما يكون أصحاب هذه النزعة، يتصفون بالهدوء والسكون والدعة والمسالمة، وحب الابتعاد عن الظهور والتأثير على الآخرين، وتغلب عليهم طبيعة الاندماج الطبيعي في الحياة.

الفئة الثالثة: وهم الفئة الغضبية سريعة الانفعال لأبسط الأسباب، تظهر عليهم خفة الحركة وانفعالات الوجه المتقبّضة التي تبعث على النفور والاشمئزاز، ويتميز سلوكهم بالاضطراب وعدم التوازن، ولديهم ميل إلى الكلام والثرثرة والعنف والمشاجرة والمشاكسة وإثارة المشاكل واختلاقها.

الفئة الرابعة: وهم أصحاب الشخصيات غير السوية (الضعيفة)، إذ ينعكس شعورهم على ذواتهم فيحسون بالضعة والدونية، وأنهم دون إخوتهم وأترابهم من الأطفال، بسبب عاهة مستديمة أو ضعف جسدي، أو معاملة تفضيلية يحظى بها إخوتهم دون أن تشملهم، فتبدأ إحساساتهم بالتقبّض في دواخلهم تدريجيا، وتتراكم كلما رأوا عدم نيلهم الحظوة من آبائهم وأمهاتهم كما يرونها لدى بعض إخوتهم، وتوالي هذه الظواهر السلوكية التفضيلية يخلق في نفوس هذه الفئة من الأولاد، الشعور بعدم الثقة في نفوسهم، فيصابون بالإحباط والخيبة والعذاب النفسي، وتموت في داخلهم دوافع الحركة والنشاط والحيوية والتطلع والطموح، ويجعلهم الشعور بالإحباط يميلون إلى الهروب من واقع الحياة، فيلجؤون إلى العزلة والكسل والخمول والابتعاد عن دوائر الاندماج الاجتماعي والتأثر والتأثير، ويتميز هؤلاء الأولاد عن غيرهم بعدم القدرة على التكيّف مع واقعهم المعيش، وإثبات نفوسهم وفرض وجودهم لانعدام ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم، وعادة ما نجد هذه الفئة يهربون من المسؤولية وتبعاتها الأخلاقية والاجتماعية.

والتربية الصحيحة والتدريب عليها، هما ما يعيد إليهم توازنهم النفسي واستقرارهم العاطفي، وثقتهم بأنفسهم فيشقون طريقهم نحو الأفق الواعد، بالإحساس الجميل والأداء الجيد وانبعاث الأمل المشرق في نفوسهم وتوثّبهم إلى الطموح والتطلّع نحو المستقبل الزاهر، بدل الاستسلام لعواطفهم وسوء حظهم والشعور بالخيبة والانكسار والهروب من الواقع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!