محاكمة “آل هامل” تتحول إلى حلبة صراع

أثار الفصل الثاني من جلة محاكمة “آل هامل” ومن معه من وزراء الأحد بمجلس قضاء الجزائر، جدلا كبيرا بين هيئتي المحكمة والدفاع، حيث طالب المحامون تأجيل القضية، باعتبار أن الجميع يتواجد بين مطرقة خطر كورونا الذي يتربص بالجميع، وبين سندان الحالة النفسية للمتهمين والمحامين، بعد أن حصد هذا الفيروس العديد من الأرواح” والقاضي الذي أصر على سير المحاكمة، مخاطبا الدفاع “ديرو رايكم..”، قبل أن يقسم قائلا: “وراس ولادي.. ملي دخلت مجلس القضاء ولا مسؤول اتصل بي” في إشارة واضحة إلى أن المحكمة ليست سياسية”، ليعلن عن تأجيل القضية إلى الأربعاء 29 جويلية وفقط، رافضا أي تمديد للتاريخ.

بالرغم من محاولة هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية “آل هامل” تأجيل المحاكمة إلى تاريخ لاحق، بسبب الظروف الصحية التي فرضها فيروس كورونا، والذي أسفر عن حصد أرواح العديد من المحامين وإصابة عدد من المتهمين في قضايا الفساد، إلا أن قاضي الغرفة الجزائية السادسة لدى مجلس قضاء الجزائر، وبعد خمس ساعات من الانتظار، قرر وفي ساعة متأخرة من مساء الأحد، السير في أطوار المحاكمة.

ساعات من الانتظار

وتميزت أجواء المحاكمة في فصلها الثاني بفقدان بريقها، بعد أن دخلت مرحلة الرتابة مقارنة بالمحاكمة الأولى، فلا إجراءات أمنية مشددة، ولا قاعة مكتظة بالمحامين والعائلات، ولا تهافت لوسائل الإعلام، حيث بدت الأمور جد عادية، بعد أن شرع القاضي في المناداة على المتهمين الموقوفين بسجن الحراش، عن طريق تقنية “الفيديو”، وتلا الأحكام الصادرة بعد المداولات، وباشر في محاكمة عدد من الموقوفين في قضايا القانون العام، عبر تقنية التحاضر المرئي، في انتظار جلب الموقوفين في قضية “هامل” من سجن الحراش والقليعة، خاصة أن حجم القضية وأهميتها وعدد المتهمين فيها لا يسمح بإجرائها عن بعد، لاسيما بسبب الانقطاعات المتكررة للبث التي شهدتها جلسة الاستئناف في عدد من القضايا، أمس، بين المؤسسة العقابية الحراش ومجلس قضاء العاصمة .

وخلال الساعة الرابعة والنصف بعد الزوال، تم إدخال المتهمين الموقوفين للقاعة، بعد استخراجهم من المؤسستين العقابيتين الحراش والقليعة، يتقدمهم اللواء السابق عبد الغني هامل بمعية محمد رحايمية مدير ديوان الترقية والتسيير العقاري لحسين داي، بمعية الوزير السابق زعلان عبد الغني، إلى جانب أبناء اللواء هامل، وغيرهم من المتهمين الآخرين، فيما حضر كل من الوزير السابق للصحة عبد المالك بوضياف، وزوجة اللواء عبد الغني هامل سليمة لعناني، وابنته شهيناز كمتهمين غير موقوفين في قضية الحال.

بين مطرقة المحاكمة وسندان كورونا

ليدخل رئيس الغرفة الجزائية السادسة، بعد انتظار دام لأكثر من ست ساعات، معلنا عن افتتاح الجلسة في القضية رقم 5810، لينادي على المتهمين واحدا تلوى الآخر، والأطراف المدنية في القضية، وعلى رأسهم الوكيل القضائي للخزينة مع الشهود، والذي تبين أنهم غابوا عن الجلسة، ومنهم بودربالة محمد عبدو المدير العام السابق لإدارة الجمارك، والوزير الأول السابق عبد المالك سلال، الذي لم يتم استخراجه من أجل الإدلاء بشهادته في القضية هذه المرة، بسبب تدهور حالته الصحية خلال محاكمة طحكوت السابقة، وأعلم القاضي هيئة الدفاع عن نيته في مباشرة المحاكمة، والاستعانة بمحاضر سماع الشهود، دون الحاجة لاستدعائهم.

وحاول المحامون تقديم طلب التأجيل، بحجة أن الظروف غير مهيأة للمحاكمة، مستغربين من السرعة التي ستسير بها جلسة الاستئناف، خاصة انطلاقها في ساعة متأخرة، بعد الانتظار لساعات، حيث قال المحامي خالد برغل إن المتهمين مرهقون بسبب هذه الظروف، قائلا “عانينا من المحاكمات، وفقدنا محامين وقضاة بسبب هذا الفيروس اللعين… فنحن بين المطرقة والسندان… فالحكومة تقول الحجر الصحي ومنع التنقل بين الولايات، وأنه لا يمكن جلب المتهمين، والآن يتم إحضارهم على الساعة الخامسة مساء من المؤسسة العقابية في حالة نفسية جد صعب”، وتابع “النتيجة اليوم أن عددا كبيرا من المصابين وافتهم المنية بسبب الفيروس سيدي القاضي.. ليكن في علمكم أن أحد المتهمين كان يتقاسم الغرفة مع المرحوم بن حمادي، كيف ستكون نفسيته اليوم؟ وكيف يجيب على أسئلة المحكمة؟”.

نطالب بإشهاد عن إصرار سير المحاكمة

وبدوره الأستاذ فادن محمد، تدخل وبصوت دوى قاعة الجلسات “اسألوا المتهمين هل هم مسعدون للمحاكمة اليوم أم لا… فنحن كلنا في خطر، بمن فيه أنتم سيدي القاضي والمستشارون والناب العام والمحامون، فنحن كلنا أمام كارثة لا تحمد عقباها”.

وحاول الأستاذ فادن توريط هيئة المجلس حينما قال “إذا قررتم السير في المحاكمة نطالب بالمقابل “إشهادا” منكم”، وهو ما رفضه النائب العام ورئيس الجلسة الذي قال “لدي ملفات كبري تنتظرني يومي 2 و9 أوت”، ليتدخل المحامي نجيب بيطام، مظهرا شهادة التحاليل المتعلقة بكوفيد ـ 19 قائلا “خدمت ملف طحكوت وكل الزملاء أصيبوا بوعكة صحية، وصلت إلى موت البعض منهم على غرار ممثل الخزينة العمومية الأستاذ علي دهلوك، ألف رحمة عليه… حاليا أنا مرهق ومريض، وحتى المتهمين، فكيف ستفصلون في هذه القضية التي تصل الأحكام فيها إلى 15 سنة، ناهيك عن الظروف الصحية الكارثية” وأضاف “الظروف استثنائية، والخطر يداهمنا ويداهمكم، ويداهم أعوان الأمن والمتهمين والحاضرين، فلماذا لا تمنحونا أجل لشهر سبتمبر حتى تتحسن الحالة الصحية”.

القاضي يقاطع هيئة الدفاع، ويعلمهم أنه سيوجه الاتهامات فقط، وسيواصل بقية الاستجواب غدا صباحا، لتمكينهم من الراحة، وقال بالحرف الواحد للمحامين “ديرو رايكم”، مصرا على موقفه، ومشددا أنه تم تأجيل القضية لأكثر من مرتين، وتم استخراج الموقوفين اليوم خصيصا من أجل مباشرة الاستجواب لا للتأجيل.. ليقرر منح الكلمة للمتهمين بناء على طلب من الدفاع، حيث أجمع جلهم على عدم استعدادهم لمحاكمة اليوم، حيث كان أول رد من المتهم الرئيس في قضية الحال المدير العام السابق للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل، الذي بدا جد متأثر وهو ينطق بعبارات “لست مستعدا إلى غاية توفر الظروف الملائمة للمحاكمة”، وهو نفس الرد الذي تلقاه القاضي من أبناء هامل أميار وشفيق ومراد، وكذا الوزير السابق للنقل والأشغال العمومية عبد الغني زعلان، والمدير السابق لـ OPGIوبعد تلقيه هذا الرد صرح رئيس الجلسة “بإمكاني مباشرة المحاكمة دون دفاع، وحتى دون تلقي أي إجابة من المتهمين إذا رفضوا ذلك، وإدخالها للمداولة، لكنني أحاول منذ الصباح أن أوضح لكم الأمور حتى لا نصل إلى هذه الدرجة”.

وبعدها انسحب رئيس الجلسة ومستشاريه للمداولة، التي دامت أقل من 5 دقائق ليعلن بعدها بتأجيل الجلسة إلى يوم الأربعاء 29 جويلية الجاري، وأنه لن يقبل أي اعتراض، وأبعد حجة العيد، وكذا تأثير أطراف في هرم السلطة على المحاكمة، وقال بالحرف الواحد “وراس ولادي.. من اليوم الذي دخلت فيه مجلس قضاء الجزائر، لم أتلق اتصالا من أي مسؤول”.