-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مرسي…دس!

عمار يزلي
  • 3932
  • 1
مرسي…دس!

قريبا ستكون الجزائر ثاني منتج “للمرسي دس” بعد ألمانيا! يا له من خبر مفرح! سنتغلب على ألمانيا بإثنين مقابل واحد! مرسيدس بنز الجزائرية، ستكون جزائرية “صان بورصان” يلعب بها “البز”! سيكون بمقدر كل جزائري أن ينعم بنوعين من السيارة: مرسيديس أو سنبل! وعلى الجزائريين أن يبيعوا سياراتهم من الآن قبل جانفي حتى لا يرغموا على دفع ضريبة البيع على “الأوكازيو” ويسجلوا أنفسهم في قائمة الراغبين في الحصول على “مرسيدس عدل2”! مثل السكن! بملف يثب أنه لا سيارة له، لتكون له الأولوية! وبعدها، سيكون، بعد الاكتفاء الذاتي، الحق لكل واحد أن يكون له مثنى وثلاثة ورباع في البيت الواحد للأبناء والبنين والحفدة، وهذا قبل الشروع في التصدير!

نمت على هذا التفاؤل، لأجد نفسي أنا هو زير النقل وقد نقلت للرئيس انشغال الناقلين الذي انتقلوا إلى وزارة النقل لنقل احتجاجهم إثر انهيار أسعار النقل (طاكسيات، كيران، قطارات!) بعد أن صار لكل مواطن مرسيديس أو سنبلة!) الطرق السريعة تكاثرت! شقت هنا وهناك.. بسرعة فائقة…كسرعة السير عليها ..لكن وبنفس سرعة الإنجاز .. كانت  “صرعة” الجنائز! انحرافات هنا وانزلاقات هناك، تصرع ملهيه، وانتفاخ من هناك! تشقق قنطرة، وتسرب في نفق..رغم كثرة الإنفاق!.. الحاصل، لم أتمكن من حل المشكل بمفردي كوزارة نقل.. فنقلت الانشغالات إلى رئيس الوزراء الذي نقله إلى رئيس رئيس الوزراء! والذي نقله إلى الله سبحانه وتعالى بعد أن أحال الملف على وزير العدل والإحسان وإيتاء ذي القرب، لكي يطلب من الأئمة أن يدعوا في صلاتهم لحل المشكل المتفاقم:

خطب كل الأئمة في الجمعة تلك (وكان الطلب يوم خميس ليلا!)..بعد أن وصلت الخطب مكتوبة إلى المديريات الولائية ثم إلى المساجد عن طريق الإيميل والأس أم اس والفيس ـ بوك..!وراحوا يرفعون أكف الضراعة للمولى العلي القدير أن يحفظ الناس من شر الوسواس الخناس ومن عذاب السنابل والمرسيديس ويحفظنا من خطر السير “الصريع”.. والموت المريع..وكوارث المطر والانجراف..وهذا كله بسبب سوء الأخلاق والانحراف..ويطلبون من الناس أن لا يتجاوزوا سرعة السلحفاة، وأن يقتدوا بالأرانب وبالسائرين الحفاة..حتى يتجنبوا الحوادث على الطرق السيارة وخطر السيارت الطيارة، وعلى الطريق الملف والدوار، وأن يفحصوا دوريا “ليزارباغ” التي لا تشتغل كما ينباغ!..وكذا الفرانات..التي لا تعمر طويلا بسبب الإهمالات.. وأن لا يضغطوا كثيرا على الدواسات..أثناء المواكب والانتخابات..لأن بعض السيارات انفجرت وسط التجمعات والمؤسسات..!

من جهتي، لم أقم بشيء ذي جدوى، من غير أن طلبت من الحكومة رفع الضريبة على شراء السيارة إلى سعر السيارة نفسها ومطالبة الشركة المصنعة رفع أجور العمال 3 أضعاف مضاعفة، من أجل إضعاف القدرة الشرائية وترك المرسيدس والسنابل الجزائرية التي تنمو في تيارت وتليلات، حتى لا يشتريها أحد، وحتى تذهب كل السيارات للتصدير، إن وجدت من يشتريها من المصدر!

اجتمعت الحكومة وقررت تفعيل كل الإجراءات لرفع السيارة الجزائرية لتصبح بسعر الميغ21! لا يملكها إلا سلاح الجو البري في البحر!، فيما عاد الجزائريون يقبلون على شراء “بسكليتات” وموطويات من نوع “قالمة” وفيسبا القديمة وموبيلات وسكوتر وكريكو…! أنتجت منهم معامل الزنك ملايين النسخ على عجل! مليون موبيلات في اليوم!: موتور من سيلاندر واحد وبوجي واحد وعجلتين ومقود..ويالله…طررررر! النار تشعل! الشاطما تسمعها من هنا إلى تامنراست!

لكن فقط بعد عام، صار البلد جحيما لا يطاق بفعل أصوات “غير كاتمة الصوت” من الشاطمات التي تطرطر بصوت لا يشبهه إلا صوت حادث ارطام سيارة مع شاحنة أو قطارين سريعين! ضوضاء لا سابق له!: من المرسيدس بنز… إلى لاموطو بنزين! إلى بسكليط بدون وقود..إلى المشي على الأقدام؟..ثم إلى الأحمرة والبغال لتركبوها… وزينة!

صار بعدها الحمار أكثر حظا ركوبه من كل الآليات السابقة: من  لا موطو الطرطارة إلى العودة والبغلة والحمارة! (العودة…. إلى الأصل…فضيلة!!). وهنا، لم نعد مجبرين على شق لا طرقات لا سريعة ولا مريعة لتكون ذريعة للسرعة “الصريعة”..حولنا الجزائر المرسيدس بنز.. إلى حقول وطرقات إبل.. وعدنا نرعى الغنم في مركز مدينة وهران والإبل في قلب العاصمة، والخيل والبغال في وسط عنابة، والبقر والجواميس في جسر قسنطينة..! نحرث القمح في العربي بن مهيدي ونغرش الخرشوف في ساحة أول ماي، ونلعب الفانطازيا في الطريق السيار بعد أن تحول إلى تراب ورمال وعشب وحصيدة وسدر وحلفاء..!

القليل من الجزائريين تمكنوا من البقاء في البلاد.. أحياء..بعد أن جف ضرع البقرة الحلوب في أبار الجنوب! الكثير منهم مات جوعا، والقليل منهم رحل شمالا وجنوبا..والبعض منهم قطع البحر مشيا على الأقدام..فوطئت أقدامه قاع البحر..فتبحر مع المفقدون..وقيل أنهم انتحروا إلى رحمة الله جميعا.


كل هذا وأنا وزيرا! في حكومة تتحمل وزرا ثقيلا! وزيرا لكل الوزارات: من النقل، انتقلت إلى التربية والتعليم.. قالوا لي بأن التلميذ عندنا يتعلم “النقل” من الابتدائي..ثم ينقل حتى يصل إلى المتوسط فالثانوي.. ثم ينقل إلى الجامعة بعدما يكون قد نقل علم النقل ونقله إلى بقية الطلبة الناقلين.. وينقل النقل من الناقل إلى المنقول إليه، عن طريق النقل، ولهذا ألحقت الجامعة فيما بعد بوزارة النقل التي أنقلت غليها أنا باعتباري وزيرا سابقا للنقل .. والمواصلات…! ولهذا ، سأنقل من وزارة التعليم العالي والنقل إلى وزارة المواصلات والتجارة، باعتبار أن الغش… أي النقل، يضرب أطنابه في هذين القطاعين الحساسين عندنا! وأنا باعتباري متخصص في كل ما يتعلق بالنقل والمنقول والناقل والتنقيل، كنت أنقل من في كل نقلة من نقلة إلى نقلة أخرى إلى أن شارفت على الانتقال إلى رحمة الله.. عندها أراودا أن ينقلوني إلى التقاعد.. فحرنت لهم وقلت لهم: هنا يموت قاسي (تيزي وزر.. الله يرحمه!) أريد أن أموت وزيرا وادفن وزيرا.. بعدما خاب ظني في كرسي الرئاسية والوزارة الأولى.. لأن من وصل إليهما، تشبث بكرسيهمت، ولم يترك السلف أي شي للخلف.

عندما أفقت من غفوة في سيارة أجرة من العاصمة إلى وهران على الطريق السيار، كان السائق يتوقف: الطريق مقطوع!..الأمطار قد أفسدت الطريق ..وعلينا أن نلتف عبر طريق بري في الغابة لما تبقى من الطريق..المقدر بستين كيلو!

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الجزائري

    فعلا مقال يصف الجزائر المحالة للتقاعد في كل المجالات و لكن ممنوع على الخلف خلف السلف في المناصب، و للجزائر رب يحميها و لا يحميها من وُصفوا بأبناءها