-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مشروع الحياة الأهمُّ

سلطان بركاني
  • 672
  • 0
مشروع الحياة الأهمُّ

لكلّ منّا في هذه الحياة أهداف يريد الوصول إليها، وأحلام يتمنّى تحقيقها.. منّا من يجِدّ ويجتهد ويتعب لبلوغ أهدافه وتحقيق أحلامه، وقد يحقّق بعضها، ويظلّ دائبا لتحقيق ما بقي منها.. ومنّا من يقدّم خطوة ويؤخّر أخرى، يتمنّى بلوغ أهدافه لكنّ نفسه الأمّارة بالسّوء المدمنة للرّاحة لا تطاوعه؛ تمرّ السنوات والعقود من عمره وهو لم يحقّق حلما راوده ولا هدفا تمنّاه ولم يتمّ مشروعا بدأه. لا هو رفع مستواه العلميّ والثقافي، ولا حفظ القرآن، ولا غلب نفسه على الصلاة لوقتها، ولا هو بنى بيته وتزوّج. عجزٌ وكسل وهمّ وغمّ وضيق وحسرة، وأوقات تضيع هدرا.

 لكلّ منّا أهدافه وأحلامه.. ولا شكّ في أنّنا لو صدقنا أنفسنا لوجدنا أنّ أهمّ أهدافنا هي أهداف دنيوية بحتة، وأكثر أحلامنا التي تشغل ليلنا ونهارنا هي أحلام مؤقّتة.. مِن يوم أن يدخل الواحد منّا المدرسة ويُسأل السّؤال المعهود: ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ من يومها والواحد منّا يحلم بالوظيفة التي يتمنّاها، ثمّ بالمرأة التي يريد الزّواج بها، والسيارة التي يتمنّى اقتناءها، والبيت الذي يبنيه ويؤثّثه… وهكذا.. مشاريع وأحلام تنتهي بانتهاء الحياة.. وهي كلّها أحلام مشروعة يؤجر عليها العبد المؤمن متى ما استحضر النية، لكنّها لا يجوز أبدا أن تكون أهمَّ أحلامنا ومشاريعنا في هذه الحياة.. ماذا عن هدف الحياة؟ ماذا عن الحلم الذي يفترض أن يكون على رأس كلّ الأحلام؟ ماذا عن مشروع العمر الذي يفترض أن يكون أهمّ مشروع يعمل عليه كلّ واحد منّا؟ مشروع طلب رضوان الله.. حلم دخول الجنّة والنّجاة من النّار. كيف بالهدف الذي لأجله خُلقنا وخرجنا إلى هذه الدّنيا: عبادة الله وطاعته: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين)).

نتمنّى ونحلم ونبحث عن سعادة مؤقّتة لا تدوم، والسعادة الحقيقية والدائمة هي أن يكون الهدف الأسمى والحلم الأوّل للواحد منّا مرتبطا بالآخرة.. أن يعيش أيامه ولياليه وفي قلبه وعلى لسانه همّ الدّين والآخرة. يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “من جعل الهموم همّاً واحداً همَّ المعاد، كفاه الله همّ دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك” (ابن ماجة).

هذا أحد شباب هذه الأمّة، في الثامنة والعشرين من عمره، بلغ في الشّهرة مبلغا يحلم به الملايين من شبابنا مع كلّ أسف.. إنّه المغنّي الأردني التائب أدهم نابلسي.. قبل العشرين من ديسمبر الماضي، كان أدهم من أكثر مغني الوطن العربي شهرة، وكتب اسمه ضمن قائمة فوربس لنجوم الموسيقى العرب الأكثر استماعاً ونشاطا بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. واحدة من أغانيه حصلت على 100 مليون مشاهدة خلال 5 أشهر.. بلغ عدد مشتركي قناته على اليوتيوب نحو 4 ملايين مشترك..

لكنّ عناية الله أدركته فحرّكت بذرة الخير التي كانت في نفسه، ليخرج في الـ20 من ديسمبر الماضي معلنا توبته من الغناء، ويقول كلمات مؤثّرة يشعر من يسمعها بأنّها خرجت من قلبه حقيقة.. قال مخاطبا متابعيه: “أريد أن أزفّ إليكم خبرا سعيدا بالنّسبة إليّ، وإن شاء الله سيكون سعيدا بالنّسبة إليكم.. لكن قبل أن أزفّ الخبر، أريد أن أحدّثكم عن أمر مهمّ: ما منّا من أحد إلا له أهداف في هذه الحياة يسعى للوصول إليها، وأحلام يحاول تحقيقها ويتعب لأجل أن يحقّقها، لكن هل سألت نفسك: عندما تصل إلى الأهداف التي سطرتها، بماذا ستشعر؟ بالإنجاز؟ لكن هل ستقرّر أنّك لن تحلم بعدها ولن تضع أهدافا جديدة؟ أم إنّك ستضع أهدافا جديدة تحاول تحقيقها؟ هذا الموضوع خطر ببالي، وفكّرت فيه مليا، فكّرت في أنّه ليس هذا هو الهدف الأساس لوجودنا في هذه الحياة..

هناك أناس كثر غافلون عن الهدف الأساس لوجودنا في هذه الحياة، وأنا واحد ممّن كانوا غافلين عنه.. وجودنا في هذه الحياة هو لأجل أن نعبد ربّ العالمين ونطلب رضاه، ونكون مثلما أمرنا الله عندما قال: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين)) (الذاريات)”.. ثمّ يستطرد التّائب أدهم نابلسي قائلا: “ليست مشكلةً أن تكون لديك أهداف، بل إنّه صحّي جدا أن تحاول دائما أن تنتج، وتنجز ما تحلم به، لكنّ أهدافك ينبغي أن تكون متّسقة مع هدف وجودك في الحياة، عبادة ربّ العالمين، وتسأل دائما قبل أن تفعل أيّ شيء: هل هو صحيح أم خطأ؟ هل يتّفق مع الهدف من وجودي في الحياة أم إنّه يتعارض معه؟ وتحاول دائما أن تفعل الأحسن.. بالنّسبة إلي وبكلّ صراحة: هدفي الذي كنت أحاول أن أحققه، لا يرضي الله، والنّاس الذين هم حولي كانوا يسمعون منّي دائما أقول لهم: سيأتي يوم أتوقّف فيه عمّا أفعل.. والحمد لله قد جاء ذلك اليوم.. وهذا هو الخبر السّعيد الذي أريد أن أحدّثكم عنه.. الحمد لله لقد تركت الغناء.. فأتمنّى أن تشاركوني رحلتي الجديدة”.

كلمات المغنّي التّائب أدهم نابلسي جاءت في وقت نشطت فيه مهرجانات الغناء في بعض بلاد المسلمين، بل في أعزّ بلادهم، وفي زمن استهان فيه كثير من المسلمين بسماع الغناء، وألفوا سماع الموسيقى بأنواعها، ونسوا أحاديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- التي تنهى عن سماع آلات الطّرب، وتتوعّد من يستحلّون الغناء والمعازف بعقاب الدّنيا والآخرة.. في هذا الوقت كانت توبة أدهم نابلسي لتذكّر شباب الأمّة بأنّ انتسابهم إلى دين الله الحقّ وانتماءهم إلى أمّة الرّسالة والشّهادة يحتّمان عليهم أن يُعلوا هممهم بعيدا عن ميادين الحبّ والغرام والغناء وآلات الطّرب التي صنعت جيلا من الرخويات، همومهم لا تتعدّى العواطف والعلاقات.

كلمات أدهم نابلسي تنطق بأنّه ينبغي لكلّ واحد منّا أن يكون رضا الله أسمى أمانيه وغاية أهدافه، ولا يهمّه ماذا يقول النّاس عنه وكيف ينظرون إليه.. إنّه ما أفسد حياتنا وجرّأنا على معصية الله ومخالفة أمره وإضاعة فرائضه إلا الاهتمام بما يقوله النّاس عنّا، والاستهانة بنظر الله إلينا واطّلاعه على قلوبنا وأحوالنا.. توبة نابلسي تنطق بأنّه ينبغي للواحد منّا أن يضحّي ببعض حظوظ الدّنيا الفانية ليظفر برضا الله الواحد الأحد.. الشّهرة، المال، المنصب، كلّ هذه ستزول ولن يبقى إلا العمل الصّالح.. أدهم نابلسي ضحّى بمكانته في الأوساط الفنية، ولا شكّ في أنّه سيخسر كثيرا من الأموال وكثيرا من المتابعين الذين أدمنوا الغناء وأحلّوه محلّ كلام الله، لكنّه سيربح أنّه آب إلى الله بقلبه نحسبه كذلك، وربح فرح الواحد الأحد بتوبته، فالله يفرح بتوبة التائبين وفرحه بتوبة الشابّ أكبر.. وربح آلاف الشّباب الذين سيتوبون بتوبته ليكونوا في ميزان حسناته بإذن الله.. ومهما قال عنه المرجفون وحاول المنافقون أن يقلّلوا من شأن توبته، فهذا لن يضرّه بإذن الله.

لقد فرح الخيّرون من أبناء هذه الأمّة، بتوبة “أدهم نابلسي” من الغناء.. وزادت فرحتهم بكلماته الطيبة في المقطع الذي أعلن فيه اعتزاله.. لكنّ العلمانيين والمنافقين امتلأت قلوبهم غيظا بتوبته، فراحوا يحاولون ثنيه عن قراره ويتّهمونه بأنّه يسيء إلى آلهتهم، ويجلبون عليه بخيلهم ورجلهم ليحُولوا دون تأثيره في باقي الفنانين الشباب.. وقد بلغ بهم الفُجر في الخصومة إلى أنّهم تداعوا إلى حملة استماعٍ لأغانيه التي تاب منها، لإدخاله جهنّم بزعمهم.. هؤلاء الجاهلون لا يعلمون أنّ من تاب من ذنبه وأصلح، تُمحى خطاياه كلّها، وتبدّل سيّئاته حسنات: يقول الله تعالى: ((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)).

زلزل أدهم نابلسي الأوساط الفنية، وحرّك قلوب الشّباب وذكّرهم بأنّ الحياة رحلة قصيرة، وأنّ كرامة الإنسان تفرض عليه ألا يكون عبدا لنفسه وهواه وشهوته، وأن يكون صاحب هدف كبير وغاية نبيلة لا تنتهي بانتهاء هذه الدّنيا الفانية.. فليس يليق أن يعيش شابّ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخرة عقودا من عمره عبدا لصنم الحبّ أو صنم المال.. لسان حال أدهم ينطق مخاطبا شباب الأمّة: ((يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!