-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
البر المفقود

مع فرحه العيد.. هل تخلو دور العجزة من نزلائها؟!

تسنيم الريدي
  • 3356
  • 4
مع فرحه العيد.. هل تخلو دور العجزة من نزلائها؟!
ح.م

قلب يئن حزناً على الجحود والنكران الذي قابله به الأبناء بعد عمر طويل قضاه في رعايتهم والحنو عليهم.. قلب أم تعبت في الحمل والولادة، ثم مرت بأعاصير التربية ومتاعبها، وعندما حان الوقت واحتاجت لأبنائها لم تجد إلا قلوباً صارت أقسى من الحجر.. ولم يكن لها ملجأ إلا إحدى دور رعاية المسنين!!

ويأتي العيد ليلقى بظلال الفرح والسعادة والحب على قلوب الجميع فماذا هو حال هؤلاء الآباء والأمهات في هذه الأيام ؟؟ وهل يكون شهر رمضان الكريم والعيد فرصة لمراجعة هؤلاء الأبناء أنفسهم واسترداد والديهم ورعايتهم حتى يلقون ربهم وهم راضون عنهم؟

دموع الشيخوخة.. جرح عميق

توجهنا إلى إحدى دور رعاية العجزة والتي قابلنا فيها عجوز يبلغ من العمر 76 عاماً والذي استقبلنا بدموع مؤثرة لم تدعني أتمالك نفسي من الغضب من أبنائه والشفقة عليه: “قضيت حياتي مع زوجتي الحبيبة حيث اقتسمنا مهام الحياة بين توفير المال من جانبي وتربية الأبناء من جانبها، وعندما توفيت زوجتي من قرابة السبع سنوات، بدأ المرض يدب في أوصالي، حتى وصلت إلى حالتي هذه، وبدأت من حولي همسات الأبناء بشأن الميراث وكيفيه تقسيمه، وذات يوم جاءت ابنتي الصغرى والتي كنت أحبها لمكانتها عند زوجتي رحمها الله، وأخبرتني إننا سنذهب في رحلة إلى الإسكندرية لكننا سنمر على إحدى الاستراحات لتنتظر باقي إخوتها، وللأسف كانت تكذب علي.. فقد كانت هذه الاستراحة هي دار المسنين!!”.

وبعد بكاء شديد يستكمل كلامه بتقطع واضح ورعشة شفتيه: “أنا لم أكن بحاجة إليهم، رغم شعوري بالوحدة من بعد زوجتي، فقد كان لي بيت أعيش به وعندي ما يكفيني من المال، لكن الطمع أسد شرس لا يفرق بين قريب وبعيد”.

وعن وقته في العيد يقول: “يأتون أحيانا لزيارتي تحت ضغط شديد من إدارة الدار، ويختلف العيد بعض الشيء عندما يأتي الأحفاد بالهدايا والملابس، لكن للأسف هم لا يدركون أن كل هذا لا قيمة لها عندي”.

مع العيد.. نسيت أن لي ابنة

وفي دار أخرى بالبحرين ـ مخصصة للنساء فقط –  علما أن هناك أصغر نزيلة بالدار وهي فادية الكامل 63 عاماً والتي كانت تتمتع بصحة أفضل حالاً ممن حولها، ومن الواضح عليها اهتمامها بنفسها وقد كانت تحمل ابتسامة عريضة قد تخفى ورائها شيء ما فتوجهنا إليها حيث قالت لنا قصتها: ” يتعجب الكثيرون عندما يعلمون إنني جئت هنا بمحض إرادتي، فأنا كنت أعمل بوزارة التربية والتعليم، وكانت لي مكانتي الاجتماعية بين الناس، ليس لدي إلا ابن واحد، وكنت منفصلة عن أبيه منذ صغره، وأنا من تحملت أعباء تربيته وتعليمه وأنفقت عليه من مالي ومن تعبي، ورفضت الزواج بعد زواج أبيه من أخرى حتى لا يأتي من يسلبه حقه في الحياة بسعادة، وعندما تزوج اكتملت فرحتي وظننت أنني سأقضي باقي عمري بين أحضانه يرعاني حتى أموت، لكنه للأسف لم يحسن اختيار زوجته، والتي كانت السبب بجفائها وقسوتها، لكن للأسف هي لا تدرك أن ابنتها ستفعل معها مثلما فعلت هي معي بالضبط”.

علمنا ما كانت تخفيه خلف ابتسامتها.. عندما سكتت برهة وتنفست نفساً عميقاً خرجت معه آهات وآهات، واختفت ابتسامتها نهائياً مع سؤالنا قائلة: ” أبداً!! أنا لا أريد رؤيتهما، فأنا سعيدة هنا، أجد من يرعاني ويحنو علي، وفي العيد يأتي الكثيرون من أصحاب الخير ويقضون معنا أوقات جميلة، نسيت أن لي ابن، بل أندم على سنوات عمري التي أضعتها لأجله، وقلبي غير راض عنهما أبداً هي وزوجها”.

في العيد.. هل تكون فرصة لاستعادة البر المفقود؟؟

رغم هذه الجراح.. هل يكون العيد بفرحته.. وبفرحه العبادة في رمضان سبباً في عودة الحنان والرحمة في قلوب الأبناء، وهل تخلو دور المسنين من نزلائها، فقد تكون دار المسنين مأوي لمن مات شريك حياته وأصبح بلا أسرة ولا أبناء، لكن أن تصبح الفكرة مستساغة لدى البعض، لكي يتهرب الأبناء من خدمه ورعاية والديهما فهذا من الجحود والعقوق والذي لن يغفره الله تعالى.

،فالإنسان يحصد ما زرعت يداه، هذه سُنَّة الحياة والدنيا إذا بَرَّ المرء والديه فإنه يضع رصيدًا أكثر أهمية من المال سيجده في نهاية حياته؛ لأن ابنه سوف يرده وهو يَهَشُّ ويَبَشُّ لمعاملة جده وجدته، فحينما سيكبر الأب من الطبيعي أن يعامله ابنه بما رَسَخَ لديه من مفهوم، وإن حدث العكس فالطبيعي أن يجد الجاحد لوالديه جزاء ما قدم على يد ابنه الذي كان شاهدًا على جحوده.

فالمؤمن يخرج من شهر رمضان وهو يحمل في قلبه إيماناً عالياً، وصدراً ليناً مقبل على طاعة الله عز وجل، فلماذا لا يكون العيد صفحة جديدة يفتحها هؤلاء الأبناء مع آبائهم ليخرجوا من سجن دار المسنين ويقضوا ما تبقى من حياتهم بين أحضانهم، ليزيلوا عن آبائهم هذه المرارة والشعور بالخيانة والجحود من قبل الأبناء.

وفي زيارة مجموعة من الفتيات – بالقاهرة –  لبعض كبار السن في دار المسنين قالت إحداهن: “عرضنا على إدارة الدار – وهي مجانية لا تأخذ مقابلاً – أن تقوم باستدعاء أبناء المسنات الموجودات في الدار قبيل العيد، وأن نقوم نحن باستضافة أحد الشيوخ اللذين يتمتعون بتأثير قوي في مستمعيه ليلقى عليهم محاضرة عن بر الوالدين، عساها تكون صرخة في هؤلاء الأبناء كي يرحموا آبائهم، وفي الحقيقة وجدنا ترحيباً كبيراً من الإدارة خاصة وأنها مؤسسة غير ربحية، بل وقد نفكر بإذن الله قبيل عيد الأضحى في عمل حملة بهذا الشأن”.

بَلَغا عندك الكِبَر.. فهل تودعهم دور المسنين؟!

توجهنا إلى الأستاذ الدكتور مصطفى الفار أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر حيث يقول: ” وصى الله سبحانه وتعالى الإنسان بوالديه في القرآن في أكثر من آية بقوله تعالى: “ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” ، ولم علم الأبناء أن بر الآباء طريقهم إلى الجنة لما حدثت مثل هذه الجرائم.

وهذه الظاهرة – انتشار دور المسنين – راجعة إلى تغيير قيم المجتمع من التراحم والتضامن والحب إلى قيم المادة شكلاً ومضموناً، فضلاً عن تدهور التنشئة داخل الأسرة وافتقاد الابن للقدوة الحسنة، فالتفكك الأسري صار سائداً في الكثير من المجتمعات، حيث نجد الكثير من جرائم جحود الأبناء، وأرى أن إيداع أحد الوالدين دور المسنين يعتبر من إحدى هذه الجرائم، وهذا ينم عن أبناء غير أسوياء يرمون بتعالم الإسلام عرض الحائط، وكذلك العادات والتقاليد، متناسيين فضل الآباء عليهم، وهذا كله يدور في حلقة واحدة من انهيار الأسرة.

فالمتأمل لحقوق الوالدين في الإسلام يراها عظيمة، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت من هذا؟ فقالوا : حارثة بن النعمان” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” كذلكم البر كذلكم البر”  وكان أبر الناس بأمه . رواه ابن وهب في الجامع وأحمد في المسند. كما قال عليه الصلاة والسلام: ” الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو أحفظه” رواه الترمذي وصححه الألباني. كما نجد قوله صلى الله  عليه وسلم:  رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة” رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاث دعوات مستجابات لهن، لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدين على ولديهما”.

ورغم كل هذه الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة نجد أن هناك شريحة في مجتمعنا تعتقد أن مبدأ دار المسنين يؤمن حلاً عملياً لمشكلة هرم أحد الوالدين وتحوله إلى عبء على أحد الأولاد أو بعضهم، فهو حل ايجابي في حال مرض احد الوالدين وانتشالهم من الوحدة مع انشغال الأبناء، وبذلك تكون هذه طاعة لله عز وجل، ولهؤلاء نقول هل يكون الآباء في سعادة ورضا بتواجدهم في هذه الدور؟؟

وأخيراً فقد أثبت علماء الاجتماع أن الإنسان في فتره الهرم يعود – نفسياً وجسدياً – كالأطفال، حيث يصبح في حاجة إلى الرعاية الصحية المتتابعة، والرعاية النفسية والشعور بالاحتواء والحب، فكيف تكون دور المسنين مصدر هذا الاحتواء والحنان؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • الونشريسي

    عيد كريم حل علينا وعليكم بالسعادة والسرور

  • بدون اسم

    أظن أن الموت أهون للأم من جحود بنت أو ولد تألمت لوضعه، سهرت الليالي لراحته، ضحت بالكثير لأجله!
    اللهم إجعل ذريتنا ذرية صالحة و بارة بنا مثلما كنا بارين بوالدينا.
    صحيح أنه مثلما تدين تدان لكن أحيانا تطيع و تقابلك معصية. ..اللهم قنا شر المعاصي و شر ما قضيت. ..
    والله يقطر قلبي دما عندما أرى دموع هاته الأمهات و هؤلاء الآباء. ..فرفقا بهم! ما أتعس نهاية كهاته!

  • *

    كلامك من ذهب أختي واقعية .. أوافقك الرأي و يبقى التساؤل هل يقابل الابن رحمة أمه و عطفها عليه لما كان صغيرا ضعيفا بقسوة كهاته عند كبرها وعجزها !؟ خذلها فقتلها معنويا ..
    لكن الديان لا يموت " وكما تدين تدان "

  • واقعية

    حالة مؤلمة و قاسية عنوانها النكران و الجحود و الخلو من شعرة الحنان للابوين و غياب الرجولة و الادهى عندما تلصق التهمة في الزوجة لا و الف لا اين الابن اين عقله اين غيرته و حبه لامه هل هو طفل لا يعي شعوره و دينه ام رجل و يفتخر بانه ظفر باجمل زوجة امام اصدقائه .... مهما كانت الزوجة شريرة فالبر الذي يظهره الابن لامه يردعها مهما فعلت بل هو من يعلمها الاحسان و البر لكل الامهات و ليس لام زوجها فقط .