-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“مفخرة مجهولة.. وثروة ضائعة”

“مفخرة مجهولة.. وثروة ضائعة”

هذان الوصفان اللذان ينمان عن تقدير كبير لمن وُصف بهما وإعجاب شديد به هما للمناضل المغربي عبد المجيد بن جلون، وقد اطلقهما على المناضل الجزائري علي الحمامي رحمه الله.

  • لقد ذكرني بهذه “المفخرة المجهولة” و”الثروة الضائعة” أحد الأساتذة التقيت به يوم الخميس الماضي في مدينة وهران، حيث أخبرني أنه كان منذ أيام في زيارة إلى المغرب الأقصى للمشاركة في الذكرى الستين لاستشهاد ثلاثة من كبار مناضلي المغرب العربي، وهم محمد عبود المغربي والحبيب ثامر التونسي وعلي الحمامي الجزائري، الذي قضى الله عز وجل أن يستشهدوا في وقت واحد يوم 12 ديسمبر من سنة 1949، في حادث سقوط طائرة كانوا يمتطونها في باكستان، وهم عائدون إلى القاهرة بعدما شاركوا في مؤتمر إسلامي عقد في كراتشي، ممثلين لشعوب المغرب العربي.
  • إنني أحيي الإخوة في المغرب الأقصى الذين أحيوا ذكرى استشهاد هؤلاد المناضلين، الذين ناضلوا معا في سبيل كرامة المغرب العربي، ولم يفرقوا بين شعوبه، “فعاشوا أحرارا، وماتوا أبرارا” (1)، فصاروا لنا أسوة ومثالا.
  • لا يتسع المجال للتعريف بهؤلاء المناضلين الثلاثة، ولذا سأكتفي بالتعريف بمفخرتنا المجهولة، وثروتنا الضائعة علي الحمامي، لأنه “لا أحد يبكيه”، كمال قال عنه الزعيم التونسي الكبير محيي الدين القليبي” (2).
  • ولد علي الحمامي في مدينة تاهرت (تيارت) في عام 1902، وقد هاجر وهو فتى مع عائلته إلى المشرق لأداء فريضة الحج. وهناك رواية تذكر أنه لم يرجع إلى الجزائر(3)، بينما تذكر رواية أخرى لأحد أ صدقاء علي الحمامي، وهو الزعيم التونسي محيي الدين القليبي، أنه رجع إلى الجزائر فواصل فيها تعليمه (4)، ثم بدأ العمل الصحفي مع فيكتور سپيلمان، ويحتاج الجزم بإحدى الروايتين إلى مزيد من البحث.
  • وما إن أعلن الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي جهاده في المغرب الأقصى ضد إسبانيا وفرنسا، حتى أسرع علي الحمامي للانضمام إليه، وهناك في ساحات الجهاد تعرف إلى أحد الجزائريين المقربين من الأمير محمد بن عبد الكريم وهو الأمير عبد المالك (5) ابن الأمير عبد القادر.
  • التحق علي الحمامي بعد ذلك بفرنسا، وتعرف في باريس على الأمير خالد الجزائري، كما تعرف على الأمير شكيب أرسلان في جنيف.
  • لاحظت السلطات الفرنسية ما كان يبديه علي الحمامي من نشاط سياسي، وأحسّ هو بأنه صار هدفا للسلطات الفرنسية، فسافر إلى المشرق العربي، وتجول في كثير من البلدان العربية والآسيوية، ثمّ استقرّ في بغداد، وقضى فيها أكثر من عشرة أعوام مُدرّسا وكاتبا في الصحف تعريفا بقضية المغرب العربي عموما وقضية الجزائر خصوصا. وفي العراق تعرف على الزعيمين الكبيرين عبد العزيز الثعالبي (الجزائري) مؤسس الحزب الدستوري التونسي، وسليمان الباروني (الليبي) مؤسس جمهورية طرابلس.
  • في سنة 1947 انتقل إلى القاهرة، وانضم إلى مناضلي المغرب العربي الذين كانوا يناضلون في سبيل أوطانهم، سواء في “جبهة الدافع عن إفريقيا الشمالية” أم في “مكتب المغرب العربي”، الذي كان يؤمن إيمانا كبيرا بوحدته، ويعتبره كيانا واحدا. وقد يكون سبب انتقاله من العراق إلى القاهرة هو استقرار الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بها، بعد فراره في بور سعيد من السفينة الفرنسية التي كانت تُقلّه من جزيرة ريونيون إلى فرنسا، وذلك للتعاون في ميدان النضال لتحرير المغرب العربي..
  • وقد أثمرت صلته بالأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي عملا أدبيا هو رواية “إدريس” التي استوحاها من جهاد الأمير محمد بن عبد الكريم، وقد نشرها الحمامي باللغة الفرنسية بعدما اقتصد أربعين جنيها، هي أكبر مبلغ جمعه كما يشهد صديقه محي الدين القليبي، وقد تكون هذه الرواية هي ما اعتبره القليبي مذكرات الخطابي عن جهاده، حيث يذكر القليبي أن الحمامي “اشترك مع عبد الكريم في ترجمة مذكراته عن الحرب الريفية”.
  • كان علي الحمامي واسع الثقافة، كثير التجارب، عارفا بلغات عديدة هي الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، الألمانية والتركية، مما وسّع من نظرته، وعمّق من أفكاره حتى عدّه المناضل المغربي عبد المجيد ابن جلون بـ “أنه سبق عصره “(6)
  • ويذكر محيي الدين القليبي أن لعلي الحمامي “مؤلفات أخرى عجز عن طبعها”، بالإضافة إلى ما كان ينشره من مقالات في الصحف والمجلات، وقد اعتبر عبد المجيد ابن جلون أنه من “السخرية إذا لم تنشر آثاره على الناس “(7).
  • لقد صدق ابن جلون فآثار علي الحمامي لا يُعرف مكانها، وأثره الوحيد “إدريس” لم ينشر في الجزائر إلا في سنة 1977، ولم يترجم – فيما نعلم- إلى اللغة العربية حتى الآن، في حين ترجمت كتب إباحية تدعو إلى الفاحشة بين شباب الجزائر، بل وتمجد فرنسا، وتتبنى “خرافتها” التمدينية المضحكة.
  • لقد كان علي الحمامي “من الأفذاذ في التبكير والتدبير والتضحية والمغامرة والإخلاص والانقطاع للمثل الأعلى الذي هو هدفه، ومنار اهتدائه في الحياة “(8)، ولهذا “كان يكره الشهرة، ويأبى أن يذكر اسمه تحت مقاله، أو تنشر صورته حذو تصريح، أو ينعت بمجاهد أو زعيم “(9)
  • لقد نقل جثمان علي الحمامي إلى الجزائر، ودفن في مقبرة سيدي امحمد في مدينة الجزائر في 1 جانفي 1950، وقد شيّعت جنازته جماهير غفيرة يتقدمها الإمام محمد البشير الإبراهيمي، والشيوخ العربي التبسي والعباس بن الحسين وأحمد بوشمال والزعيم فرحات عباس، وقد أبّنه الإمام الإبراهيمي، فكان مما قال: “إن هذا التابوت الموضوع بين أيديكم لا يحمل جثمان شخص؛ وإنما قطعة من الوطن الجزائري فُصلت عنه ثم ردّت إليه.. قطعة من الوطن الجزائري فصلها عنه ظلم البشر (يقصد فرنسا) ثم ردّها إليه عدل الله “(10).
  • رحم الله علي الحمامي ورفيقيه محمد بن عبود الذي نقلت جثته هو أيضا إلى المغرب الأقصى، والحبيب ثامر الذي احترقت جثته، وصارت رمادا ذرته الريح، وقبض الله – عز وجل – من شاء من عباده لجمع آثار علي الحمامي، ونشرها في أبناء هذا الجيل ليعرفوا أي نوع من الرجال أنجبته هذه الأرض المجاهدة، التي يعمل أراذلنا وبادي الرأي منا ليظهروها في أبشع الصور، ويبرزوا “النطيحة والمتردية والمنخنقة والموقوذة” على أنها “أعلام الجزائر”، ويا تعاسة بلد يمثله هؤلاء.
  • —————–
  • 1- البصائر. ع. 99. في 19 / 12 / 1949.
  • 2- البصائر. ع. 100، في 26 / 12 / 1949 .
  • 3- أبو عمران الشيخ: معجم مشاهير المغاربة. ص 167.
  • 4- البصائر. ع. 100.
  • 5- عن نشاط الأمير عبد المالك، انظر: سعد الله أبو القاسم: أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر. ج1.
  • 6 – 7) البصائر. ع. 107. في 13 / 2 / 1950 .
  • 8 – 9) البصائر. ع. 100.
  • 10) البصائر. ع. 102. في 9 / 1 / 1950 .
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • احميدة

    ذكر لي أخي المرحوم هدروق ميموني أن على الحمامي كان يعاني من قلة الموارد المادية كما ذكرتم
    فجائته أرملة مصرية مسيحية ذات مال و جمال وعرضت عليه نفسها وثروتها و شبكتها الأجتماعية شريطة ألا يتكلم عن الأسلام وأن يفعل ما يشاء دون ذلك وكان جوابه جواب سيدنا يوسف. هكذا كان الرجال.
    والملك فاروق هو من أمر بنقل الجثمان على متن طائرته الخاصة. هكذا كان رجال الدولة,
    شاركت كل الحساسيات السياسية في تشييع الجنازة ما عدا احزب اللشيوعي فراح احمد بو منجل يعنون في جريدة الجمهورية الجزائرية "الجزائر المسلمة تقوم بدفن الحمامى".
    رحم الله جيلا لا ندري كيف نرد له الجميل