-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من‭ ‬ثورة‭ ‬الخبز‭ ‬الى‭ ‬ثورة‭ ‬التعليم

بشير مصيطفى
  • 6741
  • 14
من‭ ‬ثورة‭ ‬الخبز‭ ‬الى‭ ‬ثورة‭ ‬التعليم

شن المعلمون في تونس الثلاثاء الماضي تحت لواء “النقابة العامة للتعليم الأساسي” اضرابا عن العمل وتبعهم في ذلك أساتذة التعليم الثانوي ، وقال مصدر في النقابة التونسية أن مطالب أسرة التعليم في تونس تتلخص في ربط التعليم بالهوية والعصرنة ما يعني أن العهد السابق‭ ‬يكون‭ ‬أخفق‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬الثقافة‭ ‬والتقدم‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬حظي‭ ‬بها‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬بلد‭ “‬القيروان‭” ‬و‭”‬الزيتونة‭” .‬

  • وتعد مطالب من هذا النوع نقلة نوعية في تفكير المعلم التونسي الذي يعد بذلك استثناء في مجتمع المعلمين العرب الذين – ولحد الساعة – لم تبرح مطالبهم ساحة تحسين الأجور وترقية ظروف العمل . فماذا يعني أن يطالب المعلم العربي بربط قطاعه بهوية المجتمع وتقدم العصر في نفس‭ ‬الوقت‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬يعني‭ ‬تحرك‭ ‬المعلم‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬إخفاق‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬العربية‭ ‬؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الجزائري‭ ‬الغني‭ ‬باستثمارات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬؟
  •  
  • تونس‭ : ‬التعليم‭ ‬دون‭ ‬هوية
  • صنف تقرير دولي تابع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية نشر العام 2007 التعليم في تونس في ذيل ترتيب دول مشابهة من أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط ، وتأتي هذه النتيجة المخيبة للآمال بعد مضي نصف قرن  عن الشروع في تطبيق نظام “التعليم للجميع” وعلى الرغم من التخصيصات التي أولتها الدولة في تونس للقطاع   حيث ظلت ميزانية التعليم تلامس 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و20 بالمائة من الموازنة العامة . وفي موضوع الربط بالأنترنت تحتل تونسيا حاليا الرتبة الأولى عربيا وافريقيا والرتبة العاشرة عالميا بنسبة لامست‭ ‬35‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬حيث‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬مستخدمي‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬3‭.‬6‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ . ‬
  • تعيش تونس  في مجال التعليم مفارقة واضحة بين التقدم الاتصالي والتكنولوجي من جهة والنتائج على مستوى الأداء والتطبيقات التربوية ويعود ذلك الى النمط المدني الموروث عن الحقبة الاستعمارية في حين اختفى النمط الاسلامي الذي يعكس هوية الشعب التونسي باختفاء “جامع الزيتونة” وراء حجب العلمانية . وهكذا ، وكما يذهب الى ذلك التقرير الدولي المذكور تقدمت تونس على سلم الاقتباس التكنولوجي واللغوي ولكنها تراجعت كثيرا على سلم روح التكوين والنجاعة التربوية وجودة التعليم  مما يؤكد مرة أخرى دور الفكرة الثقافية في متانة المناهج الموجهة‭ ‬للتعليم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬غير‭ ‬مقطوع‭ ‬عن‭ ‬تراثه‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬جوهر‭ ‬المطلب‭ ‬الذي‭ ‬رفعته‭ ‬النقابة‭ ‬العامة‭ ‬للتعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الإثنين‭ ‬الماضي‭ .‬
  •  
  • إخفاق‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬العربية
  • لم تتعثر الدول العربية على سلم الديمقراطية والاقتصاد والقوة العسكرية فحسب بل  أخفقت أيضا على مسار التعليم والابداع الثقافي واللغة ، وهكذا تنقل لنا التقارير حقائق مرة عن مستوى الأمية في الوطن العربي وكذا عن الابتكار ومستوى النشر والجودة في التعليم ومستوى الاندماج في حركة التكوين البيداغوجي في العالم . وسيدهش القارئ عندما يعرف أن قرابة ثلث سكان الوطن العربي أميون والنسبة تلامس 29.7 بالمائة أو ما يقارب 100 مليون نسمة ، وأن المعدل السنوي لبراءات الاختراع العربية لا يزيد عن 173 براءة اختراع مقابل 1882 براءة اختراع في الكيان الصهيوني(إسرائيل) وحده . ولا تخصص الدول العربية مجتمعة أكثر من 0.3 بالمائة من دخلها القومي  للبحث العلمي مقابل 4.5 بالمائة تخصصها اسرائيل لنفس الغرض ، وفي مجال النشر العلمي يساهم العرب كلهم بـ1 بالمائة فقط من إجمالي النشر العلمي في العالم‭ ‬مقابل‭ ‬10‭ ‬بالمائة‭ ‬لصالح‭ ‬إسرائيل‭ ‬لوحدها‭ . ‬
  •  نعم ، تنفق الدول العربية كثيرا على التعليم  في مستوى يتراوح من 5 بالمائة الى 9 بالمائة من الناتج القومي  وهي أرقام متقدمة مقارنة بانفاق الدول الصناعية ، ولكنها لا تجني من ذلك الحصاد المناسب بسبب تبعية المناهج والنظم  وغياب الرؤية التربوية في علاقتها بالمحتوى الاجتماعي والثقافي للتعليم وبسبب النمط المدني المفصول عن التعليم الأصلي ، الى جانب الأثر النفسي الذي مازالت اللغة الأجنبية تمارسه على الطلاب والناشئة . وهكذا ، يتعلم العرب خارج حدود أهداف بلدانهم الوطنية ويكون من السهل جدا عليهم الاندماج في منظومات تعليمية غربية كلما سنحت الفرصة مما يفسر لنا عدد العقول العربية المهاجرة ، حيث تشير احصاءات جامعة الدول العربية للعام 2009 الى أن 54 بالمائة من الطلاب العرب في الخارج يهاجرون ، وأن نسبة العرب في الهجرة العلمية من إجمالي هجرة الدول النامية تلامس 31 بالمائة ،‭ ‬وأن‭ ‬34‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬الممارسين‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬هم‭ ‬عرب‭ .‬
  •  
  •  
  • عن‭ ‬الجزائر‭ ‬الحبيبة
  • لا تختلف الجزائر قليلا أو كثيرا عن تقاسيم الوطن العربي ،  فهي تنفق على التعليم  5.1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ، ويتاح التعليم بصفة مجانية لجميع السكان حتى بلغ  عدد المتمدرسين في الأطوار الأساسية 8 مليون نسمة أي 23 بالمائة من إجمالي السكان ، ولامس عدد الطلبة الجامعيين 2 مليون ، وتخصص الخطة الخمسية في الجزائر لتطوير الموارد البشرية 40 بالمائة من استثمارات تقدر بـ 286 مليار دولار. ولكن في المقابل تصنف الجزائر في ذيل الترتيب على سلم جودة التعليم ، وتصل الأمية الى مستوى 6 ملايين من السكان وعددهم 35 مليون نسمة أي بنسبة تلامس 16 بالمائة ، وأغلب خريجي الجامعة مفصولون عن عالم الشغل ، وبلغت البطالة حسب الاحصائيات الرسمية 10 بالمائة ويزيد الرقم عن ذلك بكثير إذا ما استثنيت المناصب المؤقتة من خريطة التشغيل ، ويشكو قطاع التعليم في الجزائر من ضعف طرق التقويم التربوي ، وعدم تحكم المعلم في معايير التنقيط البيداغوجي ،  ومن كثافة المناهج وقلة وسائل تطبيق الطرق الحديثة في التعليم  وضعف المكافأة تجاه إطارات التربية  الذين تراجع وضعهم على خارطة توزيع الدخل بين القطاعات الاقتصادية، ومن عدم مردودية برامج التكوين وغياب الرؤية التربوية مما انعكس سلبا على درجة اندماج التلاميذ في محيطهم حيث من السهل جدا اكتشاف التناقض بين محتوى المادة التعليمية والمحيط  الأقرب للتلميذ سواء فيما تعلق بمبادئ التربية والتنشئة أو المواطنة أو الهوية أو اللغة أو الدين أو الأخلاق أو الوطنية .
  • وتقدم المدرسة الجزائرية مفاهيم جيدة ولكن متقطعة ولا تخضع لرؤية متماسكة ومتكاملة خلال مختلف الأطوار. حالة نتيجتها تشتت العملية التعليمية وضعف الفعل التربوي وجيل من الشباب يميل للعنف والانحراف وفي أحسن الأحوال لليأس والهجرة . ويبقى على السلطات في الجزائر وفي‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬الجودة‭ ‬والانتماء‭ ‬والسيادة‭ ‬اللغوية‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬الانفاق‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬الهياكل‭ ‬والبرامج‭ ‬والمنشآت‭ ‬القاعدية‭ . ‬ 
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • ali08020

    بشار

  • أحمد

    السلام عليكم 3 .
    تتمة لما كتبت ولاأريد أن أحتكر الرد.
    أن موضوع التعليم مشروع حضاري كبير ويحتاج إلى رجال وكفاءات وإلى وقت أيضا.وأشدد على عامل الزمن .لقد خرجت الجزائر من حقبة استعمارية دامت قرنا وثلث قرن فرغم مرور مدة نصف قرن من رحيل الأستعمار عفوا بل الأستدمار إلا أن الأمر ليس بهين .
    أعتقد أن الكفاءات بدأت تتوفر الآن والبروفيسور البشير من هؤلاء.
    نتمنى أن تتكون مؤسسة الكفاءات أمثال البشير لتضع بعض اللبنات لبناء الجزائر
    فالطريق طويل وبناء أمة ليس كبناء بيت أو عمارة أومصنع.

  • أحمد

    السلام عليكم
    تحية إلى البروفيسور البشير الخبير.
    الموضوع مهم .
    الشعب الذي يقرأ لايستعبد .
    الرسول المصطفى عليه السلام كان يشترط على الأسرى تعليم عشرة من المسلمين مقابل إطلاق سراحهم .إن لهذا الأمر سر وهو أهمية التعليم في بناءالأمم.
    الشي الهام الذي يمكن أن أضيفه هو أن التعليم متوفر في الجزائر وتصرف أموال لذلك .والدليل أن الجزائريين الذين يهاجرون ينجحون وبامتياز .
    الخلل كبير في عدم وجود الأستمرارية في الأهتمام بالكفاءات.ليس هناك استراتيجية وسياسة وهذا ربما في اعتقادي يحتاج إلى وقت.

  • أحمد

    السلام عليكم
    تحية عطرة إلى البروفيسور البشير الخبير في شؤون الأقتصاد وأكثر من ذلك كثير.
    أرجو من الأخ عبد الرمسيس الذي كتب ردا أن يكتب لنا عنوانه الألكتروني لنتواصل معه بخصوص تعلم اللغات التي تعتبر أمرا مهما بالنسبة للجامعيين.وأنا منهم.أنا مهتم بموضوع اللغة خصوصا الأنجليزية.وبالمناسبة فلقد قال الشيخ القرضاوي في الملتقى الذي كان موضوعه العلامة القرضاوي.ردا على أسئلة الصحافيين بأن من الأخطاء المرتكبة في مشواره كمعلم ومصلح أنه لم يقرأالأنجليزية ويتمنى من العلماء والأجبديال القادمة أن تهتم .

  • حسن بن يوسف

    لمن أراد أن يتعرف حقيقة على المستوى التعليمي الرفيع ما عليه إلى أن يطالع التجربة الفنلندية الناجحة، (إلا أن الإعلام يبين لنا دوما ان اريكا دوما هي الرائدة في جميع مجالات الحياة)- أنا لدي نظرية أؤمن بها و هي:
    مصير الأجيال مرتبط بنوعية التعليم المقدم لهم، و نوعية التعليم مرتبطة بسياسة الدولة و سياسة الدولة مرتبطة بثقافة و مستوى تعليم الأجيال التي ستتبنى السياسات.
    و سياسة التعليم في بلدنا لا تبشر بخير إلا برحمة من الله. أو أن يقبض الله روح الذي استخف قومه فأطاعوه. و ربي إيجيب الخير لبلادنا العزيزة.

  • بدون اسم

    بارك الله فبك

  • عبد الرمسيس

    Congratulations
    بكل تواضع و ا عتدال ...و ليس لي في هدا المجال...الكفاءات و القدرات العلمية لتقديم المقتراحات و البدائل الملموسة للتغيير النا فع و الا ئجابي علي مستوى مضامين البرامج او الا مور الا خرى التي تجتمع لجعل نوعية التعليم في العالم العربي
    دون المستوى...الا انني اريد ان اضرب موعدا مع الدكتور مصطفى فيما يتعلق با شكالية تحسين المستوى في مجا ل دراسة و اتقان الللغات الاجنابية و لا سيما الانجليزية و الفرنسية .

  • ABDELKADER

    شكرا للأستاد بشيري .و بعد أين نحن من العلم الدي أسست عليه الأمم والحضارات؟و السؤال هو * ما الفائدة من الكّم في البرامج التعليمية إدا لم تكن هناك رؤية تربوية واضحة ؟ ثم إن الجامعة فضاء واسع *أووجدت* لإمتصاص طاقات الشباب و تمرير البرامج السياسية ..و..و..إلاخ .في رأي ما هي إلا شكليات من صنع جهلة لا يمكن أن نأمل أن يأتي الإصلاح من خلالها ’فاالنتيجة حتمية إد نحن إلى الهلاك متجهون.فاالجزائر بحاجة إلى جيل سليم من تركة الإستعمار& فلربما محرقة هتلر هي الحلّ!!!!!!!!!!!!!

  • hamza

    السلام عليكم.
    شكرا كثيرا على هذه الوقائع والارقام الا انها ناقصةمن حيث:
    مستقبل متخرجي الجامعات ابعد دراسة دامت سنين يستقبلون بعدها الى الذهاب الى الخدمة الوطنية ..وهيهات كم تدوم ...ادرسنا للذهاب الى رفع العلم ونشره ام درسنا لرفع السلاح وتعلم لغة الغضب ....اتتقدم الدول بتجنيد شبابها في العسكر ام تتقدم الدول بتجنيد شبابها بالعلم وتوفير لها ...لا اقول العمل وانما فرص الحياة ....منذ تخرجي وانا ابحث عن معنى "درست" "جامعة" وكل عمل يطلبون : هل اديت الخدمة الوطنية .انا جامعي .هل لديك "la carte " درست

  • ابن الأوراس

    رحم الله العلامه بن باديس الذي قال : " لن يصلح حال هذه الأمه إلا إذا صلح علماؤها , ولن يصلح علماؤها إلا إذا صلح تعليمهم , ولن يصلح تعليمهم إلا إذا عدنا به كتاب الله وسنة رسول الله "
    الجزائر في فساد كبير ومفسدين , وتحتاج إلى إصلاح ومصلحين ...نحسبك منهم يا دكتور بشير, ولا نزكي على الله أحدا...فلقد أصبت كبد الحقيقة في مقالتك هذه ...فلا تحرمنا من قلمك بارك الله فيك وسدد خطاك ..

  • خالد

    ماذا عن التعليم في الجامعة و تميع الشهادات

  • عبد العزيز

    يا استاذنا الكريم والله انا متأثر مقالاتك اليومية دائما اترقب جديدك و خاصة طريقة و نظرتك السياسية و الجانب الموضوعي من المقال

    ربي يحفظك لينا

  • slimane

    اول الله يعين الاخوة في مصر ثانيا اي تعليم هدا في دولة تفتقد لاهداف واضحة و استراتجية دولة تعتمد على البريكولاج الجامعة اصبحت مكان لرذيلة و العشق اما العلم فلا على الدولة ان تعرف اننا مسلمين و تساير التطور على هدا الاساس انظر الى ماليزيا و اندونسيا و ايران و حتى دول الخليج

  • nadin

    الله الله على هذا التحليل ، وهنيئا للشروق بمثل هؤلاء الكتاب