الرأي

من إباحة التطبيع إلى تحليل القنب!

حسين لقرع
  • 2178
  • 21
أرشيف

بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على إباحة المخزن للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني وخيانة القدس والأقصى، وبتنفيذ حكومة العثماني الإسلامية الإخوانية، اقترف نوائبُ البرلمان المغربي ونائباتُه، وأغلبهم من الحزب الإسلامي نفسه، موبقة أخرى لا تقلّ عن التطبيع فظاعة وشناعة، وهي التصديق على مشروع قانون إباحة زراعة القنب الهندي في المملكة تحت غطاء “الاستعمال الطبي”!

وبموجب هذا القانون الغريب ستصبح زراعة القنب الهندي في المغرب “شرعية” وعلنية، وسيتوقف المخزنُ عن التظاهر بمكافحة زراعة هذا المخدّر، بل يمكنه الآن مضاعفةُ المساحات المزروعة المقدّرة حاليا بـ47 ألف هكتار وتحويلُ هذا المخدر إلى بترول جديد يدرّ على المخزن ملايير إضافية من الدولارات، يخفّف به الضائقة الاقتصادية للبلد ويوظف المزيد من العمال والمزارعين، وسيشكّل هذا القانونُ حافزا كبيرا لصغار المزارعين للتوسّع بدورهم في زراعة القنب الهندي وتحقيق ثروات من دون خوفٍ من المطاردات والسجون؛ فهم سيُنتجونه الآن بشكل قانوني ويبيعون بعض إنتاجهم للمخزن في إطار “الاستعمال الطبّي” المزعوم، ويهرّبون أغلبه إلى الجزائر وبقية دول الجوار والعالم.

وما دامت المساحات المزروعة ستتوسّع وإنتاجُ القنب الهندي سيتضاعف بالمغرب، فستتضاعف الكمياتُ المهرَّبة من هذه السموم إلى الجزائر كتحصيل حاصل، لتكون بذلك أكبرَ خاسر ومستهدَف من هذا القانون.

إنّه تصعيدٌ غير مسبوق لحرب المخدّرات على الجزائر قصد تدمير ثروتها الشبابية التي نتغنَّى الآن بأنها تشكّل نحو 70 بالمائة من المجتمع، ولكنّها في الواقع تتعرّض لاستهدافٍ مباشِر من جارٍ لا يرحم، لا يتورّع عن تدميرها انتقاما من الجزائر التي تؤيّد الصحراء الغربية، يكفي فقط أن نذكُر أنّ هيئة ترقية الصحّة تحدّثت قبل سنوات عن مليون مدمن على “الكيف” المغربي والمهلوسات في أوساط شبابنا، حتى بعض تلاميذ المدارس، ونخشى أنّ الرقم قد تضاعف الآن، لاسيما وأنّ مئات الآلاف من الكيلوغرامات التي تحجزها الجماركُ وقوات الأمن وتعلن عنها سنويا، تؤكّد أنّ حرب المخدرات تتصاعد ضدّ الجزائر من سنةٍ إلى أخرى، وأنّ التحدّي أصبح كبيرا الآن بعد إضفاء الغطاء القانوني على زراعتها بالمغرب.

وتؤكّد التقارير الأمنية أنّ “الكيف” المغربي والمهلوسات قد فاقت الخمورَ تأثيراً وأضحت السببَ الأوّل لتفاقم الجريمة في العقود الثلاثة الماضية، وفي مقدّمتها جرائم القتل البشعة، والاغتصاب، واختطاف الأطفال وانتهاك أعراضهم وقتلهم بدم بارد، والاعتداء على الأصول، والسرقات بغرض بيع المسروقات لاقتناء القنب الهندي، وغالبا ما تكون مصحوبة بالعنف…

القانونُ مغربيٌّ إذن، لكنّ نتائجه ستكون وخيمة على الجزائر ودول الجوار، سواء من ناحية تنامي الإدمان والجريمة لدى شبابها، أو من جهة تفاقم الجريمة المنظمة المتحالفة مع الإرهاب العابر للأوطان، وقد تفوق نتائجُه تأثير التطبيع مع الاحتلال والتعاونِ الأمني الاستخباراتي معه ضدّ الجزائر، وليس أمام البلاد سوى تطوير أساليبها لتطويق آفة تهريب هذه السموم ومحاصرتها، وإلا فإنّ الكارثة على شبابها وشعبها عموما ستكون محقّقة.

نعود إلى ما فعلته حكومة “العدالة والتنمية” من إباحةٍ للتطبيع مع الاحتلال، ثم إضفاء نوائب هذا الحزب ونائباته الشرعيةَ على القنب الهندي في البرلمان بذريعة “الضرورة الطبية” المزعومة، لنسجِّل أسفنا مرة أخرى على هذا الدرك الأسفل الذي نزل إليه إسلاميو المغرب؛ لقد اختُبِروا مرتين في ظرف ثلاثة أشهر، فبرهنوا في المناسبتين أنهم مجرّد انتهازيين يفضّلون المصلحة على المبدإ بشكل صارخ، غير مكترثين بالإساءةِ الجسيمة إلى الإسلام، ومنحِ الذريعة للعلمانيين ليقولوا للشعوب العربية والإسلامية وبصيغةٍ تعميميةٍ ماكرة: طالما قلنا لكم إن الإسلاميين يستعملون الدينَ غطاءً للوصول إلى الحكم، فهل تصدّقوننا الآن؟!

مقالات ذات صلة