-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نظرة التربية القديمة إلى الطفل

خير الدين هني
  • 619
  • 0
نظرة التربية القديمة إلى الطفل

كان القدماء ينظرون إلى الطفل على أنه كائن صغير، لا يحس ولا يشعر ولا يفرح ولا يتألم ولا يحزن، مثلما يقع للكبار، ولا يقدر على اختيار احتياجاته بنفسه، وفق رغباته وميوله واتجاهاته وطموحه وتطلعاته، لقصور قدراته العقلية على الاختيار والنظر، بسبب عدم اكتمال نموه العقلي والوجداني والنفسي، وهو يكاد يكون مجردا من العواطف والمشاعر والإحساسات والميول والدوافع والرغبات والاتجاهات، وهو لذلك لا يتأثر بأي قيمة لها مسحة فنية جمالية، أو عليها أثر سيئ وغير جميل، وهو لا يستقذر الأشياء ولا يعيب مساوئها، ولا يتحسّس حقائق الأشياء، ولا يدرك ماهياتها وجواهرها ونفائسها، من طريق المشاهدة المتبصّرة، والملاحظات الدقيقة لمنافعها ومضارها.
وهو لذلك لا يتألّم مما يوجه إليه من الأفعال الجارحة، التي تلحقه من الوالدين أو الإخوة أو المدرسين، أو من أي جهة في المجتمع الكبير الذي يعيش فيه، مثلما هو شائع ورائج في مجتمعاتنا العربية، ولاسيما عند الطبقات التي لم يسعفها الحظ في تلقي نصيبا من العلم والمعرفة والدراية، بأصول التربية وعلم النفس، لذلك اعتبرته التربية القديمة صفحة بيضاء، خالية من الخبرات والتجارب والميول والاتجاهات والرغبات، ويمكن للكبار أن يملؤوا هذه الصفحة بما يشاؤون من الخبرات والتجارب والإملاءات والمعارف المختلفة.
لذلك أرهقوه بحفظ المتون والحواشي، والمنظومات الشعرية واللغوية، ودواوين الشعر والخطب والأمثال، بما يفوق قدراته الذهنية والنفسية، من غير مراعاة لميوله ورغباته ودوافعه وتدرجه في النمو والتعلّم، ومن غير اهتمام كبير بتنمية القدرات العقلية العليا، كالتحليل والتركيب والنقد وإصدار الأحكام الموضوعية، لأن التربية كانت تتأسس على علم النفس الشعوري (خلاف علم النفس التجريبي الحديث)، وعلم النفس الشعوري يبني فلسفته المعرفية على الظن والحدس والتخمين والارتجال في تقرير الحقائق، وما يترتب على ذلك من ملاحظات غير صحيحة، لأنها فرضيات تفتقر إلى العقلنة والعَلْمَنَة (من العلم)، والتجربة والملاحظة والاستقصاء.
وهي البحوث المشكلة من الدراسات النفسية، التي كانت ممزوجة بالمباحث الفلسفية، وكل ما بنته من تصورات عن الطفل وخصائص الطفولة وأنماط السلوك الطفولي، ونظريات التعلّم التي تجعل المدرس محور الاهتمام، وتقصي المتعلمين من الأفعال التشاركية التي يبدون فيها قدراتهم واستعداداتهم ومهاراتهم، لأنها كانت تعتبر الطفل قاصرا في بناء تعلماته ذاتيا، لذلك كانت هذه التصورات خاطئة، لأنها بنت فرضياتها على مبادئ تخمينية ارتجالية أثبتت الدراسات الحديثة أنها غير صحيحة، بل أثبتت أنها كانت ظالمة للأطفال، ومحتقرة لقدراتهم الذهنية والعقلية واستعداداتهم الفطرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!