-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا تُنسى دماءُ المسلمين!

سلطان بركاني
  • 2858
  • 0
هكذا تُنسى دماءُ المسلمين!

كثيرة هي البلايا والرزايا التي توالت على أمّة الإسلام في هذا الزّمان؛ لعلّ من أشدّها وطأة ووقعا أنِ اجتمع عليها عدوّ خارجيّ حاقد متربّص، وعبيد مناصب وأموال تآمروا معه من الدّاخل، لأجل لعاعة من الدّنيا فانية، فعظُم الخطب وعمّ البلاء، وكانت الفاتورة بالدماء والأشلاء.. إنّه لأمر مؤسف حقا أن تكون الدّماء التي تسيل في شتّى بقاع هذا العالم وتنقل صورَها المروّعةَ مختلفُ وسائل الإعلام، هي دماء المسلمين وحدهم، وتكون الجثث التي تتراكم والأشلاء التي تتطاير هي جثث وأشلاء المسلمين وحدهم، والأعراض والحرمات التي تنتهك هي أعراض وحرمات المسلمين وحدهم.. ولعلّ ما يزيد وطأة المحنة أن يسهل على كثير من المسلمين نسيان المآسي التي تحلّ بإخوانهم مع أوّل واقعة يدبّرها المتآمرون لصرف الأنظار عمّا يلقاه المسلمون.

قبل عشرة أيام، تعرّضت بلدة “خان شيخون” في ريف إدلب السوريّ، لعدوان همجيّ بالأسلحة الكيمياوية، أسفر عن مجزرة مروّعة، ارتقت خلالها أرواح أكثر من 100 بريء وأصيب أكثر من 500 آخر.. نطقت الحناجر وتحرّكت الأقلام لاستنكار المجزرة المروّعة، وبكت العيون لصور الأطفال الذين قضوا في الواقعة.. لكنّها لم تكد تمرّ أيام ثلاثة، حتى طويت المأساة وطويت أخبارها، بعد أن تدخّلت أمريكا الباغية، زاعمةً الانتصار للسّوريين، وهي التي ولغت ولا تزال تلغ في دماء المسلمين في كلّ مكان.. تدخّلت في الوقت المناسب لتقلّد الجزّار وسام البطولة في وقت كان أحوج ما يكون إلى صرف الأنظار عن فعلته!
وما يحدث في سوريا، يحدث مثله في العراق، حيث يتعرّض المدنيون لحملات تطهير طائفيّ وتهجير مذهبيّ، في ظلّ صمت إسلاميّ وتواطؤ عربيّ ودوليّ، بحجّة الحرب على الإرهاب!.. الأبرياء في مدينة الموصل يتعرّضون لمجازر مروّعة، ولا أحد يلتفت إلى مأساتهم أو يسمع أنّاتهم، ولا أحد يجرؤ على التّعاطف معهم، وكأنّ أهالي هذه المدينة جميعا إرهابيون يستحقّون أن تجتمع عليهم طائرات قوات التّحالف الدّوليّ بقيادة أمريكا وخناجر قوات الحشد الشّيعيّ بقيادة إيران!
كلّ هذه الأهوال التي يعانيها المسلمون في سوريا والعراق، وفي فلسطين وبورما، وفي أماكن أخرى كثيرة، يمكن أن تنسى أمام واقعة يجري تدبيرها في وقت مريب هنا أو هناك، كما حصل مع واقعة تفجير الكنيستين في مصر، التي أنست أمّة الإسلام واقعة “خان شيخون” وأنستها مأساة الموصل.
هكذا تتدفّق دماء المسلمين في بقاع شتّى من هذا العالم، وهكذا يدفع عباد الله المؤمنون الفاتورة باهظة، في ظلّ صراعات ومناكفات عالمية وإقليميّة تزداد حدّتها، ويلعب الإعلام الموجّه دورا آثما ومشبوها في التّغطية على ضحاياها الأبرياء.
إنّها محنة عظيمة أن يخبو تعاطف المسلمين مع إخوانهم ويتحوّل اهتمامهم تبعا للوجهة التي يريدها لهم الإعلام، ويختلف المسلمون في تعاطفهم مع المكلومين من إخوانهم تبعا للولاءات التي أدّت بأمّة الإسلام إلى أن ينقسم كثير من أبنائها بين من يصفّق لهذا الطّرف ومن يهلّل لذاك.. وصمة عار سجّلت على جبين أدعياء الممانعة الممتنعين بالرّوس الذين يملكون تاريخا أسود مع المسلمين، الذين يعلنون تنسيقهم في سوريا مع العدوّ الصّهيونيّ الغاصب، ووصمة عار أخرى ترسم على جبين بعض العرب الذين يهلّلون للتدخّل الأمريكيّ! متناسين أنّ أمريكا دولة صليبية معتدية، لا تبحث عن سوى مصلحتها، وهي وروسيا أكثر دولتين عبثتا بدماء المسلمين وأعراضهم في العقود الأخيرة.. نعم، من سنن الله الجارية أنّه قد يعاقب ظالما بأن يسلّط عليه ظالما آخر، لكنّنا معاشر المسلمين لا ينبغي أبدا أن نحسن الظنّ بأعدائنا فضلا عن أن نستعين بهم، ويستقوي بعضنا على بعض بمن لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمّة، خاصّة إذا كان هذا العدوّ هو أمريكا وروسيا صاحبتي التاريخ الأسود في إرهاب وإبادة وتشريد المسلمين.
إنّنا لا ينبغي أبدا أن ننسى قول ربّنا جلّ وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا))، ولا ينبغي أبدا أن ننسى ما حاق بملوك الطّوائف في الأندلس، يوم تآمر بعضهم على بعض، واستقوى بعضهم على بعض بالصليبيين، فكانت النّتيجة أنْ أخذ الصليبيون أرضهم وأزالوهم عن عروشهم، وسننُ الله- جلّ وعلا- لا تتغيّر ولا تتبدّل، وقديما قيل: “من أعان ظالما بُلي به”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!