-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
علم الجامع الكبير ومدفع الجيش الفرنسي

هكذا كان الجزائريون “يكسرون” الصيام قبل الاستقلال

فاروق كداش
  • 1675
  • 0
هكذا كان الجزائريون “يكسرون” الصيام قبل الاستقلال
أرشيف

أريد أن أحدثكم عن زمن، كانت فيه الجزائر بيضاء ورمضان احتفالا للروح والوجدان. في زمن يهل رمضان ببركته وخيراته، فتتراقص القصبة والفحص والتيطري وقسنطينة وتلمسان، وغيرها، طربا بقدوم هذا الضيف الكريم.. ويردد الناس في كل مكان: رمضان قادم! قبل قدومه بشهر أو أكثر. لا تستغربوا، فرمضان زمان كان حقا شهر التوبة والغفران.

كان الجزائريون، في بدايات القرن الماضي، يستقبلون الشهر الكريم بشراء الحبوب، من أسواق الجزائر وتلمسان وقسنطينة ووهران والبليدة. وتقوم النساء بطحن حاجتهن من القمح أو الذرة، بالرحى اليدوية.. كما كان يتم تكسير الحبوب الخاصة بصناعة الشوربة والحساء والحريرة بالمهباش.

وكانوا لاينسون ابتياع خشب الطبخ والفحم، من السوق الكبير بالعاصمة، ومن سوق الغماري بتلمسان.

بالنسبة إلى ربات البيوت، كان رمضان فرصة للقيام بالتنظيف الكبير، ودهن الجدران وتلميع وتدليل الأواني الفخارية والنحاسية. حان وقت ربط خيوط الرافية بنهاية عصا، لإزالة الغبار وأنسجة العنكبوت المنسوجة هنا وهناك، في وسط الدار و”الغرفات”.

عند مقدم الشهر الفضيل، كانت البيوت تطلى بالجير، القادم من جنوب الجزائر من محجرة جوبير، لتبييض الشرفات والواجهات الخارجية، بإضافة مسحوق الشب وقطع التين الشوكي إليه، ليتحول إلى طلاء يقاوم سوء الأحوال الجوية.

أعلام الإفطار ومدفع الأميرالية

لم تكن المصابيح الكهربائية موجودة في البيوت الجزائرية حينها. وكانت المنازل والشوارع تضاء بمصابيح الزيت. لا هاتف ولا راديو ولا تلفزيون، كان لدى سكان القصبة خاصة حيلة ذكية لمعرفة وقت الإفطار بالضبط. كانوا يجلسون على سطوح البيوت، لرؤية إمام الجامع الكبير وهو يرفع الأعلام على قمة المئذنة. وكان العلم الأبيض يشير إلى اقتراب ساعة الإفطار. وكان ينزله بعد دقائق، لرفع العلم الأخضر، معلنًا رسميا وقت الإفطار. وقد اختفت هذه العادة، خلال سنوات الأربعينيات، لإفساح المجال لإطلاق المدفع!

في الواقع، في ساعة المغرب، من كل يوم من شهر رمضان، كان الجيش الفرنسي يطلق طلقة مدفع من فوهة الأميرالية.

كان الكبار والصغار ينشدون بصوت واحد:

ادن ادن يا شيخ باش يضرب المدفع

هو يعمل بم بم

أنا نعمل هم هم

هو ما يضربشي وأنا ما نكولشي

عن هذه الحظات الثمينة، تروي الحاجة يمينة بكثير من الحنين والنوستالجيا: “زمان، كان يسود جو خاص في الدزاير القديمة. وما إن نسمع طلقات المدفع تدوي، يرفع الأذان بعده، إيذانا بالإفطار. وعن ميزة أمسيات رمضان، تردف السيدة يمينة: “كان لشهر رمضان طعم مختلف عن اليوم، كانت الدعوات المشتركة لا تبدأ إلا في الأسبوع الثاني من الشهر الكريم. في الأيام الثمانية الأولى، كنا نكتفي بلقاء الجيران على السطوح “.

أول مدفع رمضاني في الجزائر

وتضاربت الروايات حول من ضرب المدفع أول مرة، فقيل إن أول من استعمله لإعلان الإفطار العثمانيون، قبل عام 1820م. ويكون هكذا أقدم من مدفع القاهرة، الذي استخدم في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

لكن الرواية الأقرب إلى الحقيقة، أن الاحتلال الفرنسي هو من قام باستبدال الأذان بضربة مدفع عام 1870م. وقد نصب في قلعة دار السلطان، أو دار الداي. وكان يطلق قذيفة واحدة باتجاه البحر. ويقال إن صاحب الاقتراح كان أستاذا في ثانوية بيجو، اسمه دي بوزي.

وقد كتبت صحيفة باريس اليومية، في عددها الصادر في 6 جانفي 1935م، عن مدفع العيد: “طلقة مدفع في كل المدن، المؤذن في صومعته يعلن الليلة أن فترة الامتناع عن الطعام تقترب من نهايتها. لمدة ثلاثين يومًا، من شروق الشمس إلى غروبها، لم يتناول المسلمون طعامًا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!