-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وجوب استبدال الفرنسية بالإنجليزية في الابتدائي

خير الدين هني
  • 1093
  • 0
وجوب استبدال الفرنسية بالإنجليزية في الابتدائي

كلما أرادت الدولة أن تتخذ قرارات حكيمة وصائبة وتخدم البلاد والشعب، إلا ونعقت أصوات نشاز همها الوحيد هو المعارضة من أجل المعارضة والتشويش على كل مشروع لا يُرضي غرائزها ويتعارض مع اتجاهاتها وعقائدها الأيديولوجية، على نحو ما حدث مؤخرا حينما اتُّخذ قرار سيادي يتبنى الإنجليزية في التعليم الابتدائي، فثارت ثورة الطابور الخامس الذي لا ترضيه القرارات السيادية التي تريد التحرر من الإرث الاستعماري القديم، لأن هذا الطابور بأذرعه الإعلامية له وظيفة واحدة وهي التمكين للمخلفات الاستعمارية من لغة وثقافة وتبعية سياسية واقتصادية.

وجود الفرنسية بالابتدائي يؤثر على الحجم الساعي الذي يُقتطع من العربية وبعدها الإنجليزية، ويؤثر على القدرة الاستيعابية للأطفال إذا كنا نريد تحقيق جودة عالية في مخرجات التعليم، وآية ذلك أن التعليم الخاص عندنا يعاني من ضعف عامّ في مواد العربية، لأنه قلّص من حجمها الساعي وأضافه إلى الفرنسية والإنجليزية، فكانت النتيجة على حساب اللغة العربية، وهذا يخلق لنا مشكلا هوياتيا مع الأجيال الصاعدة.

لقد شجعها على التغول والتمكين الممارساتُ القديمة التي كانت تتظاهر بالثورية والوطنية والقومية ولكنها تخفي ودّها وحبها وولاءها لأسلاف الاستعمار القديم، ممن يبغضون الجزائر وشعبها وتاريخ ثورتها المجيد، وهذه الممارسات المنافية لمصالح الدولة هي التي وقفت في وجه الوزير علي بن محمد حين أراد أن يُدخل الإنجليزية إلى الابتدائي، وما فعلته هذه الممارسات من تشويه سمعة الجزائر ومؤسساتها بتسريب امتحانات بكالوريا جوان 1992 وإقالة الوزير، سيبقى وصمة عار في تاريخ من فعلوا ذلك إرضاء لمصالحهم الخاصة وحسب.

والسلطات الحالية-مشكورة- صحَّحت هذا الخطأ الجسيم وأعادت الاعتبار للدولة حين اتخذت القرار السيادي الذي يلائم سيادتها ومصالح بلدها. والجميل في صنيع هذه السلطات أن تحدت الطابور المعارض لاختيارات الجزائر، وهو المتعود على العمل في الخفاء والغرف المظلمة ضد أي حركة وطنية تعيد للجزائر سيادتها وتحفظ شرفها وكرامتها، فكان هذا القرار أن خيَّب آمال الطابور وآمال من يقف خلفه من بقايا الذرية الاستعمارية، فأحيت مشروع تعليم الإنجليزية في الابتدائي، وسرّعت من إجراءات تنفيذه مما يدل على النية الصادقة في الفعل، والذي يمكن الإشارة إليه في هذا السياق أن يتوجب على الخيِّرين من هذا الوطن أن يساعدوا السلطات بالتزكية والتأييد بالكتابة والكلمة والندوات والمحاضرات والأيام الدراسية، كي يقطعوا الطريق على الفوضويين والمشاغبين من لفيف الطابور المندسّ.

وحيث يعتبر المناهضون للإنجليزية أن الفرنسية غنيمة حرب فلماذا لا نعتبر الإنجليزية غنيمة سلم، وهي أرقى من الفرنسية وأكثرها انتشارا في المحافل العلمية والتقنية والأكاديمية؟ الفرنسية فُرضت علينا قهرا من قبل العدو المستعمِر، والإنجليزية نحن من اخترناها لندخل في الكونية العلمية والاندماج الاقتصادي العالمي، ونحن عندما ندافع عن الإنجليزية فليس لأننا ندعو إلى المسخ أو التغريب أو الانسلاخ عن الذات الوطنية، وإنما من باب السعي إلى التخلص من الإرث الاستعماري البغيض الذي جعل مجتمعنا ونخبته بخاصة، ينظرون إلى فرنسا ولغتها وثقافتها على أنها مركز الأرض الذي تدور حوله كل الثقافات، والحال أنها ثقافة محصورة في المستعمرات الإفريقية التي مازالت تعاني من التخلف والانحطاط والانقلابات والحروب الأهلية، ولغة المستعمِر دائما لها سلطانٌ كبير على عقول الشعوب المستعمَرة، ولذلك هبّت بعض البلدان التي استعمرتها من فرنسا باستبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية فور تحررها، لعلمها بخطورة لغة المستعمِر وثقافته على عقول شعوبها واتجاهاتهم الفكرية والثقافية والسلوكية.

والطفل في المرحلة الابتدائية مازال في مرحلة النمو العقلي المبكر، ومازال في مرحلة الاكتساب الخطيرة التي ركز عليها علماء النفس والتربية في مخابرهم ومؤسساتهم البحثية، إذ جعلوا من هذه المرحلة مركز اهتمام بحوثهم ودراساتهم وتجاربهم واختباراتهم، لما يترتب على هذه المرحلة من مخاطر في النمو العقلي والنفسي والاجتماعي والسلوكي، ولما ينتج عنها من استقامة في التنشئة والتربية والتوجيه الأيديولوجي، والبناء النفسي بالمــــثل والأفكار القيمية، أو ما يقع من  انحراف في طرق التفكير والتوجيه والبناء الذاتي، أو ما يؤدي إلى الجنوح في التصورات الذهنية التي تغذيها الأفكار المتطرفة من هذا الاتجاه أو ذاك، هذا هو المراد من مفهوم الاكتساب، أي: اكتساب القيم والأفكار والعادات والتقاليد ونظم المجتمع.

ولهذا ركز علماء النفس والتربية على ضرورة الاهتمام بلغة الأم في المرحلة الابتدائية، وعلى بناء المناهج الدراسية ومحتويات الدروس وأهداف التربية من واقع التلاميذ اللغوي والثقافي والأخلاقي، لأن كل أمة تختلف عن غيرها بخصائصها الجسدية واللغوية والثقافية والتاريخية والحضارية، وتتّفق فيما بينها في العلوم العقلية والتقنية، وعلى هذه السنن تتدافع الشعوب فيما بينها من أجل التفوُّق والغلبة، هذه هي الطبيعة البشرية مسطّرٌ مصيرها في علم الأزل وستبقى تتدافع فيما بينها بمقتضى هذه السنن، ومن يريد غير ذلك فقد خرج عن الطبيعة البشرية.

والتحكُّم في لغة الأم يلزم توسيع الحجم الساعي للفروع اللغوية التي هي مفاتيح التعلّم، لأن اللغة أي لغة، لها نظم صوتية ولسانية ودلالية، وهي تتغير من طبيعة إلى طبيعة ومن وضعية إلى وضعية، ومن حال إلى حال، وهذا التعقيد في البنية التركيبية للّغة يجعل فهمها واستيعابها يتعسّر على التلاميذ متوسطي الذكاء، فضلا عن ضعاف القدرات، ونسبة ذكاء الفرد تكون متوسطة إذا كانت تساوي 100، وكلما ارتفعت عن ذلك كان الفرد أكثر ذكاءً فإذا وصلت إلى 130 أو زادت فإن الفرد يُعدّ موهوباً، وإذا انخفضت عن 100 كان الفرد ضعيف الذكاء، فإذا وصلت النسبة إلى أقل من 70 يُعدّ الطفل متخلفا عقليا. واعتبارا للمنحنى الاعتدالي لتوزيع نسب الذكاء فإن حوالي 2.1% من المجتمع لديهم نسبة ذكاء أعلى من 130، وأن نحو 2.1% لديهم نسبة ذكاء أقل من 70. ونسبة الذكاء بين 100و130 تقدَّر بـحوالي 6.5% ونسبة الذكاء بين 100و70 تقدر بحوالي 6.5 أيضا، وهذا هو تقدير العزيز العليم في خلق عباده، ومتوسطو الذكاء وما دونهم درجة في مجموعهم يشكلون حوالي 85 % من المتعلمين. وهذا عدد كبير إذا لم يحظَ بالعناية والرعاية والتدقيق عند التخطيط للتربية وأهدافها، وتعاطي 85 % من الأطفال في المرحلة الابتدائية مع أربع لغات (عربية فرنسية إنجليزية أمازيغية)، معقَّدة في بنياتها التركيبية، هو أمرٌ بالغ الصعوبة ويعسر فهمه واستيعابه، والموهوبون والمتفوقون من ذوي القدرات العالية ممن تتراوح نسب ذكائهم في أي مجتمع بين 2 و3 %، ترتبك عقولهم عند التعامل مع اللغات الأجنبية، وتصبح نواتج التعلم لديهم دون عتبات الجودة والإتقان المخططة في أهداف التربية، لاسيما عند من يعانون من انخفاض في نسبة الذكاء اللغوي، لأن المنحنى الاعتدالي لتوزيع نسب الذكاء أثبت أن الذكاء متعدد القدرات (ذكاءات متعددة)، وليس ذكاءً عاما بقدرة واحدة كما كان يُعتقد قبل التجارب الحديثة عن الذكاء الإنساني، وإذا لم تُراعَ روائزُ الذكاء عند إدراج اللغة الإنجليزية في الابتدائي وترتجل العملية من غير أخذ آراء الخبراء في علم النفس والتربية، فيكون حالنا كمن جاء “يكحلها عماها” كما يقول المثل الشعبي أو كـ”من جا يسعى ودَّرْ تسعة” كما يقول مثل آخر.

وحل هذه المسألة المعقدة موجودٌ وسهل وبسيط، إذا أراد أصحاب القرار السياسي أن يخلصوا في قراراتهم، ونياتُهم –لامحالة- خالصة ولا ريب فيها، ما داموا قد اتخذوا هذا القرار الحكيم والشجاع والاستعجالي في الوقت ذاته، لقطع الطريق على الطابور الفرانكوفيلي المرتبط بالولاء الأعمى لفرنسا الاستعمارية، والمعارض لترقية لغة الأمة (العربية) وتقدم الجزائر وازدهارها وإدخالها في الكونية والعالمية والاندماج العلمي والتقني والتكنولوجي والاقتصادي والمالي، والشعب الجزائري ونخبته الصادقة كلها باركوا خطوة الرئيس ومن معه على هذا القرار التاريخي الذي يدخل في ميزان حسنات أعماله، والاستطلاعات التي أجريت في فضائيات عربية كبرى كلها باركت هذا الإجراء بنسبة 96 %، لأنه قرارٌ أراد الخير للأمة الجزائرية التي صبرت كثيرا على الظلم اللغوي الذي جثم على صدرها ستة عقود كاملة.

والحلُّ يكمن في وضع مخطط سياسي وتربوي متوسط المدى، يقضي باستبدال الفرنسية بالإنجليزية في الابتدائي والمتوسط والثانوي؛ يعني تكون الانجليزية هي اللغة الثانية بعد العربية، وتبقى الفرنسية على الاختيار في المتوسط والثانوي على نحو ما هو معمولٌ به  في جميع  بلدان العالم مع اللغات الحية، لأنه لا يوجد أي نظام تربوي في العالم يتبنى أربع لغات مع صغار الأطفال في الابتدائي، ولا حاجة لنا في الفرنسية بالابتدائي لأن الإنجليزية تكون بديلا عنها في التواصل العالمي، ووجود الفرنسية بالابتدائي يؤثر على الحجم الساعي الذي يُقتطع من لغة الأم العربية وبعدها الإنجليزية، ويؤثر على القدرة الاستيعابية للأطفال إذا كنا نريد تحقيق جودة عالية في مخرجات التعليم، وآية ذلك أن التعليم الخاص عندنا يعاني من ضعف عام في مواد العربية، لأنه قلّص من حجمها الساعي وأضافه إلى الفرنسية والإنجليزية، فكانت النتيجة على حساب اللغة العربية، وهذا يخلق لنا مشكلا هوياتيا مع الأجيال الصاعدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!