-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

1830ـ 1930

عمار يزلي
  • 13361
  • 0
1830ـ 1930

من لا يقرأ التاريخ الاجتماعي والسياسي للشعوب لا يتعلم ولا ينتفع ولا ينفع! ومن لا يقرأ ابن خلدون في فلسفة التاريخ الاجتماعي المغاربي، لا يمكنه أن يعي الواقع ويفهمه ليتحكم في متغيراته! وللأسف، نحن جميعا لا نقرأ، وحتى إذا قرأنا، لا نستوعب، لأننا، كحكام ومحكومين، نقليون أكثر منا عقليون! “فقهاء” في كل شيء، ولا نفقه في أي شيء! وإذا كان هذا الأمر ليس بالأمر الخطير على مستوى العامة والمحكومين، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمن اختاروا أو أختيروا للحكم! فهم المتحكمون في زمام الأمور ـ دون تحكم فعلي ـ ليس عليهم، بل من واجبهم أن يكونوا سياسيين حقا، لا سياسويين محترفين للدجل والكلام والهرطقة! قارئين، فاهمين، مستوعبين لدروس التاريخ والماضي القريب والبعيد! من أجل معرفة الحاضر لضمان رؤية أوضح للمستقبل!

من يقرأ ابن خلدون، يعي الدرس ولو كنا “أغبيا”! إلا من تغابى وركب رأسه وقال: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد!.. وهؤلاء هم طينة فرعون وزمرته وأحفاده المنعمون!

ابن خلدون كان سابق عصره، ومع الأسف نحن كحكام، لسنا نعيش حتى عصرنا! وحين طرح نظرية العصبية واستخلص من دراسته للتاريخ المغاربي مدة الدولة وعمرها وحددها بثلاثة أجيال، كل جيل يعمر 40 سنة! وأنه بعد كل 40 سنة، يحدث تغير اجتماعي وسياسي ضمن الأسرة الحاكمة الواحدة، وأنه بعد كل جيل، يصير التغير أكبر وأوسع وأشمل ليصل إلى حد تغيير النظام برمته بعد 120 سنة! فهذا لم يكن من فراغ، بل من فكر وتفكير مستمد من التجارب والملاحظة والتأويل وفهم النص القرآني، خاصة في مسألة الأربعين سنة هذه! ذلك أن ابن خلدون، صاغ معظم مفاهيمه ومقولاته من النص القرآني، بما في ذلك “العصبية” و”الملك العضود”.

عندما عدت لأدرس التاريخ الاجتماعي للجزائر، على ضوء نظيرة ابن خلدون، أخذت بتجربة بسيطة منطلقا من التغير الكبير الذي أدى إلى نهاية عائلة الدايات سنة 1830م من خلال الاحتلال الفرنسي، فاعتبرت أن ذلك يمكن أن يكون منطلقا حسابيا لعمر الأجيال المتعاقبة على الدولة بعد الأتراك، أي الجزائر المحتلة! قمت بحساب 40 سنة بعد 1830، فوجدت أنها تتزامن فعلا مع نهاية جيل المقاومة الشعبية بنهاية آخر ثورة هي ثورة المقراني (1870ـ1871). هكذا، انتهت مدة 40 سنة بعد الاحتلال وقد حدث تغير كبير في البنية السياسية والاقتصادية: انتهت المقاومات المسلحة، ودخل الجيل الثاني لأربعين سنة مقبلة ضمن المقاومة الثقافية والرمزية وعن طريق “المقاومة السلمية” تمهيدا لجمع الأنفاس! فالجيل الذي حارب فرنسا قد انتهى وقته، وعلى الشباب أن يهيئوا أنفسهم لأشكال جديدة من التغير الاجتماعي والسياسية والثقافي. بعد 40 سنة من ثورة المقراني، (1910)، ستعرف الجزائر المحتلة تحولات وبداية احتقان، ثم انتفاضات نتيجة لدخول فرنسا حمى الحرب التي كانت تشتعل عالميا (الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918)، والتي ستشعل فتيل ثورة شعبية في الجزائر بداية من 1912، على إثر التجنيد الإجباري الفرنسي للشباب الجزائري من أجل محاربة تركيا المسلمة! تجنيد قابله الكثير بالرفض وقابلة اليهود بالفرحة، مما أجج حربا داخلية بين اليهود والمسلمين، ثم بين المسلمين وسلطات الاحتلال التي هبت لحماية اليهود الذين منحوا الجنسية الفرنسية سنة 1870 بمقتضى قرار “كريميو”!

بعد 40 سنة من هذا التاريخ، الذي هو 1910، سنجد جيلا ثالثا قد بدأ يحضر للمقاومة النشطة والمسلحة ضد الاحتلال بعد ما لم تنفع سياسة اللين والمشاركة والتمثيل. أربعون سنة بعد 1910، يعني 1950! وهذا هو التاريخ الفعلي لبداية المقاومة المسلحة، والتي نشأت مع شباب لا تتعدى أعمارهم 20 سنة! لأن سنهم كان في حدود 1910! هذا الجيل الذي بدأ مع الثلاثة، ثم مع الستة الأوائل، ثم مع مجموعة 22 الخ! هذه الأسرة الثورية التي نتجت من الجيل الثالث بعد الاحتلال، هي من سيكون عليه مهمة إنهاء وجود الدولة الفرنسية في الجزائر! أي نهاية عمر دولة بحسب ابن خلدون! وإذا كان عمر احتلال الدولة الفرنسية للجزائر قد عمر 132 سنة، فهذا يكفي للتأكد من النظرية الخلدونية!

الجيل الثالث لما بعد الاحتلال، هو الجيل الذي سيحكم البلاد ضمن الدولة التي ستعمر خلدونيا 120 سنة! وسيكون بذلك علينا حساب 40 سنة بعد 1950، لنجد أن الجيل الأول، كان عليه أن ينتهي تاريخيا سنة 1990! لأنه بعد كل 40 سنة، يقول ابن خلدون، تحدث هزة تاريخية واجتماعية من شأنها أن تحدث تغييرا في بنية الدولة! وهذا ما حدث فعلا سنة 1990! غير أن نفس الأسرة، مضت في تسيير البلاد بعد إصلاحات دستورية ومحاولات ترميم الآلة الآيلة للسقوط، لتعمر مدة أطول، وهي لاتزال إلى اليوم تتحكم في مقاليد الأمور، لكن هذا لن يستمر إلى الأبد، فالجيل الثاني ستنتهي مدته وصلاحيته بعد 40 سنة من 1990، أي سنة 2030! وهذا هو التاريخ المرتقب لتغير شبه كلي في هرم الدولة الجزائرية من خلال التحولات الاجتماعية التي سترغم الجيل الثاني على التنحي تاريخيا وعمليا، باعتبار أنه بعد 80 سنة، لن يكون هناك وجود للجيل الأول، جيل الثورة! وقد بدأنا فعلا نعيش هذه اللحظة من انتقال القيادات والرموز والزعماء التاريخيين إلى جوار ربهم، ليحل محلهم أبناء جيلهم، كورثة للآباء! وهذا هو فعلا ما نعيشه: نقل السلطة إلى جيل جديد قبيل 2030! المشكل، يكمن في الإجابة على السؤال: من هو الجيل الذي سيحكم؟ هل هم ورثة الثورة أم ورثة الثروة؟ الشعب أم النخبة المالية؟ وهذا هو عين السؤال! غير أن العد التنازلي لتغير شامل مع 15 سنة من الآن، قد بدأ فعلا مع 1 جانفي 2016، بفعل قانون المالية غير الشعبي الذي سيعطي الوهج لعنفوان لا نتمنى أن يكون عنفا، قد يفضي إلى ربيع “عربمازغي”، من شأنه أن يطبق نظرية ابن خلدون في التغير الاجتماعي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!