-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البداية

البداية

هناك بعض الجزائريين، وهم غير مَلومين، حسَبوا دورة البحر المتوسط الجارية حاليا في مدينة وهران، بمقياس مادي بحت، تماما كما تفعل الدول الكبرى، التي تركّز على الجدوى المادية من أي تظاهرة تنظمها بما في ذلك الملتقيات العلمية والدينية والفكرية، من أوسكار وبطولات الذاكرة والرياضة، قبل أن تنظمها، وإن رأت ما لا يسرّ خزائنها، ولا نقول دون ما يدخل من مال، رفضت جملة وتفصيلا تنظيمها.

لا أحد بإمكانه أن يزعم بأن دورة البحر الأبيض المتوسط ستُدخل دينارا أو دولارا واحدا زائدا للخزينة الجزائرية، مع طبعها الشعبي والاجتماعي الذي طال حتى الوفود الأجنبية المشاركة بإعلامييها ورياضييها وحتى أنصارها وسياحها. لكن هناك أمرا مهمّا يجب التنويه به وهو ما يُشبه العزلة التي عاشتها الجزائر منذ ثلاثة عقود على الأقل، إلى درجة أن بعض الجزائريين صاروا يلتقطون صورا مع أناس لا ينتمون إلى بلدهم، من دون أن يعرفوا وظيفة تلك الشقراء أو هواية ذاك الآسيوي أو الإفريقي، في بلد ليس العالم من يكتشفه في دورة وهران المتوسطية وإنما هو أيضا من يكتشف نفسه، إلى درجة أن كهلا من مواليد وهران يعيش فيها منذ أكثر من نصف قرن، اعترف بأنه بصدد اكتشاف مدينته مع أيام ألعاب البحر الأبيض المتوسط وكأنه أجنبيٌّ يدخلها لأول مرة.

أذكر مرة أننا أنجزنا ما يشبه سبرا للآراء أو الاستطلاع الإعلامي عن سكان قسنطينة الذين زاروا متحف سيرتا المفتوح على الدوام، والكائن في قلب المدينة، والذي يحوي آثارا تعود إلى مئات القرون، فوجدنا أن تسعين من المئة من الذين سألناهم، لم يزوروا هذا المتحف، ولا يفكرون إطلاقا في زيارته في المستقبل، واعترف العشرة من المئة من الذين زاروه، بأن ذلك تحقق في إطار منظم أو مفروض من هيئات مدرسية أو مهنية.

ونذكر مرة أن سائحا كنديا زار الجزائر في شهر مارس، فتزحلق في ثلوج تيكجدا وفي رمال أدرار وسبح في شواطئ وهران وأخذ حمّاما صحيا في حمامات قالمة واستكشف جبال باتنة وغاباتها اليانعة وغرق في أعماق تاريخ تيمقاد الروماني والسويقة العثمانية، ثم عاد إلى العاصمة الجزائرية قبل سفره إلى بلاده، مستغربا زحام المدينة وتسكع شبابها وزائريها في شوارعها بل ووقوفهم أمام حيطانها، من دون أن يسيحوا بين كنوزها.

ونذكّركم الآن بأن المئات من وكالات السياحة في الجزائر، قد تلقت طلبات عاجلة للحجز في رحلات وفنادق مدينة وهران، التي يزورها حاليا فضولا واكتشافا وسياحة، مئاتُ الآلاف من الجزائريين، الذين ما كانوا يقتنعون بالسياحة والاستكشاف إلا خارج الوطن.

يجب أن تكون وهران بداية رحلة لحب الذات، تشمل كل مناطق الوطن وما أكثرها وما أجملها، وواضح بأن رياحنا السياحية والجمالية قد هبّت فعلا من وهران، ووجب اغتنامها بكسر “طابو” التردد وتفجير “الديكليك” لأن الجزائر فعلا عملاقٌ نائم كما جاء في “الواشنطن بوست”، وإذا تحققت صحوته، فسيحين زمن النوم للّذين فرحوا بنومه، على مدار عقود، بل وكانوا قد منحوه حبوب السبات العميق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!