-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خطابنا المسجدي.. ملاحظات وتساؤلات

حسن خليفة
  • 466
  • 0
خطابنا المسجدي.. ملاحظات وتساؤلات

شدّني عنوان مقالة قرأته في إحدى المجلات العربية وهو: “هل المساجد مملوكة للحكومة”؟.. وأحببتُ أن أثير بعض الأسئلة والقضايا ذات الصلة بدور المسجد في المجتمع المسلم المعاصر، ومنه مجتمعنا الجزائري. وهدفي من ذلك تفعيل أدوار المؤسسات المختلفة (دينية ـ وعلمية ـ واجتماعية…) ومؤسسة المسجد واحدة من أهم تلك المؤسسات والهيئات.

وقد آثرت أن يكون الجزء الأول من هذا المقال عن “الخطاب المسجدي ” ملاحظات وتساؤلات، على أن يليه، إن شاء الله، بيان الإجابة عن السؤال: هل المساجد مملوكة للحكومة، وبأي فهم يجب أن ننظر إلى المؤسسة المسجدية؟ وكيف ينبغي أن تؤدّي دورها حقيقــة في المجتمع المسلم؟ وكيف كانت قديما ؟وكيف صارت حديثا؟

يشـهد الله تعالى وحده أن الهمّ الجميل الذي تحملـه جوانحي حول “الخطاب الإيماني” باعتداده أحد أهم الخطابات التي تستطيع صنـاعة التأثير، وأحد أهم الأدوات التي تستطيع تجسيد حقائق التغيير في القلوب والعقول والأنفس.

هذا الخطاب الإيماني هـو أحد الهموم الحِسـان التي أعبأ (أهتمّ) بها، وأسكِنُها من قلبي وعقلي المقام العالي الزكيّ، وذلك اعتقادا مني أن هذا الخطاب هو أقرب الخطابات إلى الإنسان (رجلا وامرأة ).. في وطننا، وفي أوطان المسلمين عامة، بل ولعـله أحد أقرب الخطابات إلى الإنسان كإنسان؛ حيث إن الدين فكرة محورية مركزية في فطرة كل إنسان.

يقودنا الحديث عن الخطاب الإيماني الذي هو نسـق مخصوص من أنساق الحديث والكلام والكتابة، وصيغة متميزة من صيّغ التواصل والإيصال والبلاغ والإفهام والتفهيم، تجتمع فيها الكثير من القدرات والكفاءات والمهارات والشـروط..يقودنا إلى الحديث عن الخطاب المسجدي وهو جزء وبعضٌ من ذلك الخطاب الإيماني الوسيع الشامل.

تُرى كيف هي حال خطابنا المسـجدي، ممثلا في الدروس، والمواعظ، وأساليب التذكير، ومن ذلك أيضا الخُطب الجمعية وخطب العيدين وباقي المناسبات التي تحتـاج إلى التذكير بها بشكل أو بآخر.؟

ويتفرع عن هذا السؤال الكثير من الأسئلـة الأخرى ذات العلاقة بالموضوع، ولعلنا نبدأ بالأسئلة المباشرة الكبرى:

1ـ لدينا نحو 20 ألف مسجد عامل، وأعداد أخرى من المساجد التي يتلاحق افتتاحها آنا بعد آخر، في مشرق الوطن ومغربه وشماله وجنوبه… هل تؤدي هذه المساجد (وهي مؤسسات قائمة) هل تؤدي أدوارها على النحو المرضي المطلوب؟

2ـ ماهي حقيقـة تاثيرها في وجدان الناس ونفوسهم وعقولهم؟ ونعني هنا التأثير في مجاميع المصلين (رجالا ونساء) الذين يُقبلون، بانتظام، على تلك المساجد، في الأوقات المعلومة؟

3ـ مـنْ الحقّ أن نتساءل ـ أيضا ـ عن مدى تأثيرها على المحيط اللصيق والقريب من المسجد: كالشارع، الحي، القرية، التجمع السكني، المدينة، والجميع يعلم أن الأكثرية من المساجد عادة ما تكون في وسط المكان، إن لم نقل في قلبه ؟.. فـأي تأثير للمسجد عندنا على عموم المحيط؟ وكيف يمكن توصيف ذلك التأثير إن وُجد؟ وهل تمت دراسة هذا الأمر من الأطراف المختلفة التي يهمّها تغيير المجتمع إلى الأفضل والأحسن؟

4ـ هل تقوم مساجدنا، في عملها وخاصة في خطابها الديني على المعايير التي تستهدف ـ بالفعل ـ إحداث التغيير في الناس، ونقلهم إلى الأفق الأعلى والأسمى..؟ ولنبدأ من إعداد الإمام وتكوينه واختياره للمسجد المناسب، حسب مؤهلاته وكفاءاته..إلى التيسير على أهل العلم الذين ـ واللائي يتطوّعون لخدمة أبناء المجتمع في بيوت الله.

والمطلوب أن يكون ذلك ضمن خطـة العمل المسجدي،إماما ولجنة دينية، ولجانا علمية (على مستوى الولايات في مديريات الشؤون الدينية)… فهل يوجد ذلك في منظومة هذا القطاع الحيوي الاستراتيجي بشكل فعلي قابل للتفعيل ؟وأين نجد ذلك في واقعنا المعيش غير المرضي في هذا الجانب خاصة.

5 ـ لو نظرنا إلى مجموع الأنشطة القائمة في مساجدنا، وذلك جزء من وظيفة وخطاب المسجد.. فماذا نجد؟

والجواب:

أولا: المساجد ليست متكافئة في أنشطتها وأعمالها، فهناك مساجد نشطة حيّة، يقوم أئمتها ـ على نحو رائع ـ بأعمال وأنشطة وفعاليات، وفق برامج تذاع وتنشر وتعلّق. وعمل الإمام هنا ـ في المساجد المتألقة ـ لا يقتصر على الدروس والمواعظ فحسب، بل يسعى إلى تنشيط المسجد بما يجب من الفعاليات الإيمانية، فيستضيف الدعاة والأساتذة والأطباء وأهل الاختصاص، وأهل النفع عموما، ليقدموا للمجتمع العلوم والمعارف الواجبة..هذا فضلا عن وجود مدارس قرآنية نشطة، تابعة لتلك المساجد تعمل هي الأخرى وتستقطب الحافظين والحافظات، من كل الأعمار.

لكـن ـ وكم هو مؤسف أن نقول ذلك.. في المقابل هناك مساجد دون أدنى نشاط تقريبا.

ثانيا: تتفاوت قدرات الأئمة واستعداداتهم وكفاءاتهم، فهناك أئمة أهل علم وفكرورسالة، وهناك أئمة دون الحد المرغوب، بل قد قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد الإخلال برسالة الإمام نفسها؛ حيث نجد في بعض المساجد (وأخشى أن أقول كثير منها) أئـمة هامدين، ودون مستوى علمي ومعرفي كما يجب أن يكون عليه الامر.وهذه اختلال يبنغي أن يعالج بما يرضي الله تعالى.

ثالثا:بالنسبة للخطاب المسجدي ذاته (والذي حمل عنوان هذه المقالة) هناك تباين رهيب بين خطاب مبشّر قوي، قادر على التأثير الإيجابي النافع، وبين خطاب باهت ضعيف، إن لم أقل خطاب منفّر، لأسباب متعددة، وهو دون الحدّ الوسط بكثير، خاصة فيما يتـعلق ُ بالتـأُثير في أفراد المجتمع.

ولستُ أدري في واقع الأمر مدى النسبة في هذا الشأن (لكل من الخطابين)، لكن عموما ما يتم الحديث عنه في هذا الجانب: أن نسبة الخطاب المؤثر الجيد المميز قليل في الغالب…وقليل هنا مؤلم ويستوجب البحث عن كيفيات تجويد- من الجودة ـ وتطوير الخطاب الديني المسجدي.

فماهي الأسباب يا ترى؟

وكيف يمكن أن نصوّب ونقارب في هذا المجال الحيوي،لنجعل الخطاب المسجدي فاعلا مؤثرا وذا روح حقيقية، وذا قيمة ووزن، يصبّ في نهر التغيير (تغيير الأنفس) ويساعد على النهوض بالمجتمع في أخلاقه وقيّمه واشرئباب الناس إلى الأفضل والأكمل والأجمل..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!