-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“اتفاقية سيداو”.. قضايا الأسرة وصراع الإسلام مع الغرب

التهامي مجوري
  • 4861
  • 11
“اتفاقية سيداو”.. قضايا الأسرة وصراع الإسلام مع الغرب

قبل تناول اتفاقية سيداو، تجدر الإشارة إلى المؤتمر الدولي لميثاق الأسرة الذي نظمه الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتركيا أيام 3 إلى 6 أفريل 2016، الذي يعد أول ملتقى بهذا الحجم للرد على ما يراد بالأسرة المسلمة في العالم، وذلك بعرض مفاهيم الأسرة كما يعرضها الإسلام للعالم، وطمح مشروع الميثاق وعرضه على دول العالم ومنه العالم الإسلامي، وإذا كانت اتفاقية سيداو تمثل المشروع الدولي في إطار الأمم المتحدة، فإن “ميثاق الأسرة” يعد بمثابة الميثاق إقليمي، المرشح لعرضه على العالم الغربي الذي يهدد العالم بقيمه اللاإنسانية، بنظرته الاستعلائية، او بقصور الجانب القيمي فيه بسبب الغلو في المادية.

إن اتفاقية سيداو، رزمة تشريعات من ثلاثين مادة متعلقة بالمرأة والأسرة، وفق منظور حداثي تغريبي، مطاردة لأنماط اجتماعية ثقافية للمجتمعات، وضعتها منظمة الأمم المتحدة تحت عنوان “ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة“، يراد فرضها على العلم الإسلامي، الذي لا يزال من هذا الجانب خارج مقررات الغرب، فالأسرة في العالم الإسلامي لا تزال متعلقة بدينها وبما يقرر من أحكام  خاصة بالمرأة وعلاقتها بالرجل وبكل ما يتعلق بالأحوال الشخصية.

عرضت هذه الاتفاقية على دول العالم والمقصود في الغالب غير دول العالم الغربي المتقدمة بالطبع، لتصادق عليها، فتحَفَّظ البعض على مواد منها، ومن الدول المتحفظة الجزائر، وصادق عليها البعض ورفضها البعض الآخر.. وما نتوقعه في  النهاية، هو أن يتعامل معها العالم بأسره كما يتعامل مع كل منتوج استعماري، يقاومه الوطنيون والمحافظون والمتدينون وغيرهم من المتمنعين، ويخضع إليه المهزومون، ويهرول إليه الممسوخون من المستلبين حضاريا؛ لأن هذه الاتفاقية في مجملها، صيغة غربية –أمريكية، أوروبية-، يراد فرضها على كل العالم، في إطار العولمة والتحديث ورفع مستوى المجتمعات المتخلفة، كما فعلوا في الديمقراطية وحقوق الإنسان والتربية والفن وعالم الإتصال..، فهي منظومة متكاملة غالبة مبنية على خلفية فكرية مستوية في أذهانهم، في مقابل منظومات لمجتمعات أخرى مغلوبة تختلف في جوهرها عن المجتمع الغربي الغالب، في قيمها وفي دينها واخلاقها وفي عاداتها.

واتفاقية سيداو، مرجعها بالأساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أعلن عنه في عام 1948، والبذرة الأولى “لأيديولوجية المرأة الجديدة”، التي طرحت الأسرة والمرأة كقضية عالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبداية نهاية الاستعمار التقليدي.

وابتداء من عام 1950م عقدت الأمم المتحدة أول مؤتمراتها الدولية في الموضوع بعنوان “تنظيم الأسرة”، ثم عقدت مؤتمراً آخرا في المكسيك عام 1975م، وفي 1985 كان مؤتمر في “نيروبي” بعنوان: “استراتيجيات التطلع إلى الأمام من أجل تقدم المرأة”، ثم كان مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية في سبتمبر 1994م، ثم مؤتمر المرأة في بكين الذي عُقد في عام 1995م تحت عنوان: “المساواة والتنمية والسلم”، وهو المؤتمر الذي ختمت به الأمم المتحدة القرن الماضي –القرن العشرين- أعمالها ومخططاتها في الموضوع، ومنظمة الأمم المتحدة، بطبيعة الحال ليست إلا منظومة الغرب الاستعماري، ولكن هذه المرة مختلفة الشكل، فلم يعد  الاستعمار المباشر مجديا.

اما في القرن الجديد، وبداية الألفية الثالثة، فقد استمرت أنشطة الأمم المتحدة في نفس الاتجاه، مدعومة بالتقارير الصادرة عن مهزومي العالم الثالث، والجمعيات النسوية التي التقت مع الغرب في رفض الدين والأعراف المحلية مرجعية في الموضوع، وهي تقارير مؤدلجة، كاذبة ومبالغة في وصفها لتخلف المرأة في البلاد العربية والإسلامية ومظلوميتها، إلى أن وصلت إلى صياغة هذه المقررات والتشريعات المتعلقة بالأسرة والمرأة، التي تحمل في طياته قيما، أقل ما يقال فيها أنها محل خلاف كبير بين الثقافة الغربية والثقافات الشرقية والشرائع الدينية.

وما دعت إليه هذه المؤتمرات خلال الستين سنة الماضية، هو القضاء على جميع القيم المحلية المتعلقة بالمرأة والأسرة، وعلى الكثير من القيم الإنسانية المشتركة بين بني الإنسان، كحرية الإجهاض للمرأة، والحرية الجنسية للمراهقين والأطفال، وتحديد النسل في العالم الثالث للوصول إلى تنظيم الأسرة، وإلغاء الولي في تزويج البنات، إلغاء تعدد الزوجات اللذين يقرهما الفقه الإسلامي، وإلغاء كل تمييز بين المرأة والرجل، وبين الأزواج والزوجات في الجنسية والدين، وهذا الجدل أوصل الغرب إلى إعادة النظر حتى في نظام الأسرة التقليدي باعتباره صورة من صور الأسرة القابلة للتطوير، وتساءلوا ما هو الثابت في العلاقات الأسرية؟ الثابت هو المتعة بين الرجل والمرأة.. فهذه المتعة يمكن تحقيقها بين رجلين او امرأتين!!!، إذا لا داعي للزواج بين الإناث والذكور، ومن هنا كانت فكرة الزواج المثلي، الذي شرع له ودخل حيز التنفيذ الرسمي في بعض دول العالم الغربية، كخطوة لتجاوز نظام الأسرة التقليدي الذي يحتوي على زوجين، رجل وامرأة تحديدا، وأبناء وإخوة وأخوات وأعمام وأخوال وجدود. ذلك أن المنظومة الغربية بنيت على أن مؤسسات الدولة والمجتمع المدني يقومان بما كانت تقوم به الأسرة التقليدية من ضمانات اجتماعية وروابط إنسانية، وكأن الدولة أصبحت هي أم الجميع، وما دون ذلك من علاقات هي علاقات أفراد ببعضهم البعض لا اكثر ولا أقل.. ولذلك وجدنا ان بعض التشريعات يمكن ان تنتزع الطفل من أبويه والابن يمكن ان يتخلى عن والديه، وخلو المجتمع الغربي من العواطف الأسرية –باستثناء الشهوة والمتعة-، شاهد على هذا التوجه اللاإنساني، الذي ترفضه الفطرة السليمة والكثير من المنظمات الإنسانية في العالم.

إن الغرب عندما بعرض على العالم هذه المقررات، هو صادق مع نفسه، أي أنه يعتقد ان الأفكار التي يطرحها هي العلاج لقضايا الإنسان في المجتمعات المتخلفة، انطلاقا من منظوماته الفكرية، فالحرية الفردية التي آمن بها تفرض عليه إلغاء كل ما يتعارض معها،  دينا كان او تقليدا أو عرفا إنسانيا، وكذلك المساواة تفرض إلغاء كل تمايز طبيعي فطري أو مكتسب، وطبيعة تدخل الدولة في تنظيم المجتمع…إلخ، التي جعلت من المواطن إبنا للدولة أكثر منه فردا في مجتمع له وعليه من الالتزام ما يحفظ توازن الجمبع.

ولكن العجيب في تلك النماذج البشرية من أبناء المجتمع المتخلف، التي تمثل السوق لتلك البضائع الرائجة في صفوفها..، إذ تسوق تلك البضائع وكأنها النتائج الطبيعية، والعلاجات الناجحة لما يعيش العالم العربي والإسلامي وغيره من المجتمعات المتخلفة من أمراض.. فتطالب هذه النماذج بإلغاء الولي في الزواج مثلا، بحجة أن الوصاية على البنت في اختيار زوجها مرفوض، وإلغاء الفروق في الميراث بحجة المساواة بين الرجل والمرأة، في حين أن المشكلات التي تعاني منها المرأة في العالم العربي والإسلامي وغيره من المجتمعات المتخلفة، هي مشكلات مجتمع، يعاني منها الرجل والمرأة والطفل ومنظومة الحكم وقيم المجتمع، أي أن المجتمع برمته يعاني مشكلات، انعكست على مجموع أفراده، فالاستبداد الذي تشتكي منه المرأة، يعاني منه الطفل في البيت، ويعاني منه الرجل في عمله مع مسؤوليه، ويعاني منه المجتمع في علاقته بحكامه، ولكن تلك النماذج البشرية تعرض لهذه المعاناة وكأنها خاصة بالمرأة دون غيرها، وسببها الدين والتعلق بالأحكام الفقهية المتصلة بالموضوع، وترفع تقاريرها إلى الهيئات الدولية شاكية باكية.

لا شك ان هناك الكثير من المشكلات التي تعاني منها المرأة في العالم المتخلف، وهي مشكلات متعلقة بتخلف مجتمع وليست خاصة بالمرأة، كما هو الحال مع المرأة الغربية التي تظاهرت في أربعينيات القرن الماضي من أجل المطالبة بحقوقها، التي حرمتها، في العمل، وفي الأجور، وفي تبعاتها المنزلية.

وهذه المعاناة تتطلب تدخلا خاصا لمعالجتها وفق الحاجة المحلية وليس بفرض الحلول المستوردة. والغرب تدخل بالطريقة المشار إليها، انطلاقا من تصوره للموضوع وفق منظومته وبوشايات التقارير الكاذبة، وهو ما نعيبه على الغرب الذي أهمل خصوصيات المجتمعات الثقافية والدينية والأعراف الاجتماعية، وعوضها بادعاء منظومته الكونية التي أصبح لا يرى لها مثيلا في التجارب الإنسانية..، بينما الواقع أن تلك العروض والمقترحات ليست إلا وجهة نظر يمكن مناقشتها، لا أن تتحول مباشرة إلى مقررات لا يسع النظم السياسية رفضها، بسبب غياب المبادرات، وخيانة النخب المنبطحة.

ولنا عودة إلى قضية المرأة والأسرة في المجتمع الإسلامي بعيدا عن سيداو وأخواتها في موضوع آخر بحول الله..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • مواطن

    منظمات الروتاري والليونس المتنفذة في دوائر الحكم ومصادر القرار

  • اسألوا التاريخ

    هذا نتاج الماسونية وعبدة الشيطان, ثم إلى المسؤولين أليس هذا تدخلا في الشؤون الداخلية

  • nabil

    الله عز وجل قال لنبيه ' و لئن اتبعت أهوائهم من بعد ما جاءك من العلم انك ادا لمن الخاسرين ..." الايات فكل ما يأتي من خارج العالم الاسلامي من تنظير لقضايا الاسرة و الفرد و المجتمع هو " هوى " النفوس و أ ي نفوس : نفوس كافرة لا تعبد الله الدي اوجدها و فطرها على الفطرة السليمة . ثم ما اتعس زواج بنت لا يعلم بها ابوها و ليس مهم ان يحظر .... هدا النوع من الزواج يقع عند الحيوانات فقط اي لا يشترط حضور الولي في تزاوج الحيوانات لان الله فطرها على دلك ؟؟ لا حول و لا قوة الا بالله

  • بدون اسم

    المجتمع الذي يفقد ثقافته يفقد حتما تاريخه...و من يفقد تاريخه يفقد حتما استقلاله؟؟؟ فهل نحن مستقلين فعلا؟؟؟

  • رشيد - Rachid

    القرضاوي لا يمثل الإسلام بل يمثل فئة من الناس لديهم أفكار خاصة بهم عن الإسلام وللأسف هم يمثلون غالبية المسلمين اليوم.
    يوجد عرب يموتون بالبحار للعيش بأوروبا كما يوجد أفارقة كما يوجد سكان أوروبا الشرقية كما يوجد سكان غرب آسيا... كلهم يهربون من الفقر للبحث عن العمل والعيش الكريم.
    بالنسبة للسياسيين فإنهم بكل تأكيد يبحثون عن مهرب لهم من الحساب و العقاب داخل بلدانهم (مظلومون أم لا ذلك موضوع آخر). أوروبا لديها القوة لحمايتهم أما السعودية فلا... أوربا أيضا لديها مصالح وراء حمايتهم.

  • ازوار

    من ههو الرئيس للاتحاد العالمي الاسلامي ا
    اليس القرضاوي
    الاسرة في بلد عربي مسلم بركاكم ..........
    لمعرفة ما هو المودال الذي يفضله العرب المسلمون لاسرتهم اذهب لحدود اروبا
    واذهب لحدود السعودية واليمن
    تجد العرب المسلمون يموتون بالبحار للعيش باروبا
    اتعلمون لماذا؟
    اذهبوا لانجلترا شوفوا كل الذين كانوا مع الفيس المنحل واسالوهم لماذا اختارو لاسرهم بريطانيا الزانية الظالمة اين الحيوان احسن من المسلم وكل شيء محلل
    ولماذا لم يختارو السعودية اين الشريعة ومكة ووو

  • عبد الرحيم

    اظن ان المشكل لا صلة له بالقوانين كما هو مرتبط بالتربية, البنت الصالحة المسلمة الحقيقية لا تقبل الزواج بغير حضور ابيها او وليها و اللتي تقبل هذا لا يلزمها اي قانون او قوة و الامثلة كثيرة في مجتمعنا

  • الطيب

    بداية انتحار " فكر " ليس له ما يقدمه للإنسانية ! من مؤشرات الانتحار ترسيم " الزواج المثلي " !! و اختطاف البنت من قيم و مبادىء أسرتها و مجتمعها لأجل تحريرها !!!؟

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا أستاذ
    "اتفاقية سيداو"
    أو "الوصاية" استعمار مباشر، -نظرة غربية قاسية-لتسيير شؤونا من الداخل والخارج، وذلك بفرض برامج أو مجموعة من البنود تطبق في كل المجالات، من طرف أشخاص يتحكمون في مصيرنا،
    بغرض القضاء على "هويتنا الوطنية، تفكيك الاسرة، تمزيق المجتمعات"
    نسينا أننا عالم ثالث،
    ولكل مجتمع خصوصياته تميزه عن المجتمعات الأخرى،
    من لا هوية له لا وجود له في الحاضر ولا مكان له في المستقبل،
    والسلام عليكم

  • رشيد - Rachid

    السؤال الذي يحيرني هو: من المسؤول الجزائري الذي تجرأ على توقيع هذه الاتفاقية، ثم تأتي وزيرة التضامن لتقول لنا بكل جرأة، نحن لا نستطيع إلا الالتزام بهذه الاتفاقية، وكأن الشعب الجزائري كله وافق ووقع على هذه الاتفاقية؟؟!!
    أنتم كصحفيين فشلتم في جلب أكثر المعلومات أهمية والتي من شأنها التسبب في المقاطعة الشعبية للأشخاص الذين يتجرؤون على الحديث والتوقيع على اتفاقيات كارثية باسم الشعب الجزائري وبدون أن يسمع بهم مواطن جزائري واحد.
    نريد أن نعرف من وقع الاتفاقية... قبل أي نقاش أو انتقاد لما جاء فيها.

  • عبد الرحمن

    مثلكم كمثل جارية أشعب ، التي تصدق بالولادة و لا تصدق بالوفاة.