-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الانتصار في معركة البذور

الانتصار في معركة البذور

بين تصريح المدير العام للديوان الوطني للحبوب هذه الأيام، بأننا يمكن أن نكتفي ذاتيا من البذور بعد سنوات طويلة من التبعية إلى الخارج، وتصريح وزير التجارة، بأن بلادنا لن تجد الأموال الكافية لاستيراد القمح خلال السنوات الثلاث القادمة إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه الآن، تكمن معادلة الأمل واليأس الغذائي في بلادنا.. فبقدر ما يمكننا في ظرف قصير بسياسات فلاحية مدروسة وبتحكم جيِّد في التقنيات الفلاحية من تحقيق أمننا الغذائي في مجال استيراد البذور وإنتاج الحبوب، بقدر ما يمكن أن نغرق أكثر في مشكلة التبعية إذا استمرت السياسات التنموية على ما هي عيله الآن ولم نمتلك سياسة متكاملة في هذا المجال.

في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أي قبل ثلاثين سنة من الآن، كانت الحكومة الجزائرية على وعي بهاتين المسألتين المتعلقتين بالبذور والتبعية إلى القمح الأجنبي. في مقابلة صحفية لي مع وزير الفلاحة آنذاك، الراحل قاصدي مرباح، أبرز لي كتابا كان بصدد قراءته، صدر حديثا في تلك الفترة عنوانه “La Guerre des semences”، أي حرب البذور، وقال لي على ما أذكر: “علينا أن ننتصر في هذه الحرب قبل فوات الأوان لأن البذور هي السلاح الاستراتيجي القادم”.

ومنذ ذلك التاريخ، وسياساتنا العامة في هذا المجال غافلة عن مسألة الانتصار في هذه المعركة التي لا تقلّ شأنا عن المعارك الأخرى المختلفة، بل إننا غرقنا أكثر في مجال التبعية إلى استيراد الحبوب، فضلا عن كوننا أصبحنا غير قادرين حتى على إنتاج الخضر الموسمية ببذورنا الخاصة، إذ أصبحت جميعها مستورَدة وغير قابلة لإعادة البذر كما كان شأنها عندما كانت محلية يحتفظ بها الفلاح في بيته.

وتدريجيا، أصبحنا في موقع لا نُحسد عليه في مجال التبعية إلى الخارج في هذا المجال، وتمكنت البحبوحة المالية التي عرفتها بلادُنا في العشرين سنة الماضية من تغطية العجز، حتى إذا ما جدّ الجد اليوم وانهارت أسعار المحروقات، بان ضعفنا على حقيقته في هذا المجال، واكتشفنا أن سياستنا الفلاحية لم تتمكن من تحقيق التوازن المطلوب بين إنتاج البذور محليا وزراعتها على نطاق واسع لتحقيق اكتفاء ذاتي. وبقي نادي الخمسين (أي الفلاحين الذين تجاوز إنتاجُهم خمسين قنطارا في الهكتار) قليل العدد. ولم يتمكن هذا البلد مترامي الأطراف من أن يحقق اكتفاءه الغذائي رغم إدراكه حيوية هذه المسألة منذ استعادة السيادة الوطنية.

واليوم، نحن بين هذا الخبر الذي يحمل الأمل في أننا استعدنا القدرة على إنتاج البذور، وذاك الذي ينبهنا إلى أننا قد لا نجد ما نشتري به الحبوب بعد ثلاث سنوات فقط من الآن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • مليكة

    الله يرحمك يا سي مرباح

  • ahmed

    هناك معلومات أن 50% من القمح المستورد بمليارات الدولارات في المخازن المهترئة .هذا الديوان هام جدا و لا أحد يتكلم كما يتكلمون عن الشركات الأخرى .أ طلب من الشروق أن تقوم بتحقيق على هذا الديوان و خاصة أماكن التخزين.

  • بدون اسم

    وماذا عن معجزة واد سوف؟! الرمل الذي اصبح يغطي 26 بالمئة من الخضر على مستوى الوطن, وبمنتوجات بيو وليس مسرطنة كالقمح المستورد