-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قمة “سمرقند”… معضلة جيواستراتيجية جديدة!

قمة “سمرقند”… معضلة جيواستراتيجية جديدة!

سيعرف العالم تحولات جوهرية لا شك فيها بعد قمة “سمرقند” التي جمعت أعضاء منظمة شنغهاي واختتمت الجمعة الماضي. دولٌ تُمثِّل نصف سكان البشرية، وأكثر من ربع ناتجها الخام، تجتمع في ظرف عالمي شديد الحساسية وتُصدِر بيانا ختاميا يحمل الكثير من الدلالات علينا اِلتقاط إشاراتها الحاملة للمستقبل إذا ما أردنا أن تكون لنا مكانة فيه…

ـ الإشارة الأولى أننا سنكون في السنوات القادمة أمام معضلة جيواستراتيجية بحق، خيار صعب بين الشرق والغرب، لا نحن نستطيع أن نكون مع طرف من الأطراف ولا نحن نستطيع أن نكون على الحياد. جميع الخيارات تحمل في طياتها مخاطر ينبغي حسابها. والحساب في المسائل الجيواستراتيجية ليس بالأمر الهيِّن بالنسبة لأي دولة تسعى  لأن تنتمي إلى مجموعة الدول الوسطى الصاعدة وتريد أن تكون سيّدة في قرارها.

ـ الإشارة الثانية أنَّ المخرج الإقليمي أصبح اليوم يفرض نفسه لأبعد الحدود بالنسبة لجميع الدول. وفي محيطنا ليس لنا أكثر من بديل إما المجموعة العربية بما تحمل من تناقضات، أو المجموعة الإفريقية بما لديها من مصاعب وكلا المخرجين يحتاجان إلى جهد وصبر ورؤية.

ـ الإشارة الثالثة أن الدول التي تمتلك موارد طاقوية ومواد خام نادرة  مثل مجموعة منظمة “أوبيك”، أو بعض البلاد الإفريقية الغنية بثرواتها المعدنية، ستجد نفسها وجها لوجه أمام خيار التعامل المالي خارج دائرة الدولار الأمريكي إذا ما قرُّرت كلٌ من الصين وروسيا، تعميم أو فرض ذلك، سواء بالنسبة لصادراتها أو وارداتها بكل ما يحمل مثل هذا القرار من انعكاسات مالية وسياسية وعقوبات قد تتعرض لها…

ـ الإشارة الرابعة أننا سنكون في وضع مشابه لذلك الذي عرفته البلدان العربية غداة أزمة البترول العالمية سنة 1973، مع فارق جوهري أن الولايات المتحدة في تلك الفترة كانت أقوى، والدولار كان مهيمنا، والعالم لم يكن يمر بمرحلة تَحَوُّل حادة كالتي يمر بها اليوم. في تلك الفترة لم تكن هناك نِدِّية في مواجهة الولايات المتحدة ولا تَحدٍّ لها كما يحدث اليوم. فكان أن استمر الدولار واستمرت هيمنة الولايات المتحدة،  أما الوضع القادم فمختلف نوعيا ويتطلب قرارات مدروسة بكل الحذر خوفا من أن تكون نتائجها عكسية.

ـ الإشارة الخامسة أن الغرب اليوم لم يعد أمامه خيار آخر غير محاصرة البلدان التي تعارضه، كما فعل مع روسيا وقبلها مع إيران، من خلال فرض العقوبات، بل إنه قد يلجأ إلى مصادرة ممتلكات هذه البلدان وأصول شركاتها ليُبقي على تفوقه ويحافظ على مصالحه. وينبغي استباق مثل هذه الحالات بقرارات ملائمة قبل فوات الأوان.

بمعنى أكثر إجمالا، أن قمة “سمرقند” الأخيرة، بَيَّنت أن الصراع سيحتدم بين الشرق والغرب في السنوات القادمة، وقد يتحول إلى معادلة صفرية، ما يربحه الغرب ينبغي أن يكون خسارة للشرق وما يربحه الشرق ينبغي أن يكون خسارة في الغرب، وستكون الكثير من البلدان ضحية هذا الصراع. وقد بدأت الإشارات الدّالة على ذلك تلوح في الأفق.

وعليه فإنه من الصعب اليوم على الدول الصغيرة والوسطى، الطامحة للاستقلالية في قرارها، أن تنتهج نهج الوضوح الاستراتيجي، أو أن ترتمي في كنف إحدى المجموعتين المتصارعتين، كما أن بقاءها على الحياد قد يعني أنها ستكون خاسرة مع الخاسرين غير رابحة مع الرابحين.

والخلاصة، أنه إذا كان تاريخ علاقاتنا السياسية الدولية، وتاريخ مصالحنا الاقتصادية يقول بأولوية تحولنا نحو الشرق ونحو منظمة شنغهاي بالتحديد، فإن ذلك لا يمنع انتهاج سياسة مرحلية، تُجنِّبنا مخاطر انتقام الغرب الفوري… إننا لا نريد أن نكون مرة أخرى ضحايا صراع محتدم بين الكبار، أو أدوات، ووقود لهذا أو ذاك، لقد دفعنا الثمن غاليا لحد الآن، وينبغي علينا عدم تكرار ذات الخطأ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!