-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
محسنون وجمعيات يتسابقون لحفرها داخل وخارج البلاد

آبار الماء.. صدقات جارية تتوسع في الجزائر

كريمة خلاص
  • 11980
  • 0
آبار الماء.. صدقات جارية تتوسع في الجزائر
أرشيف

برزت في السنوات الأخيرة، بشكل واسع ثقافة حفر الآبار في المناطق النائية والمعزولة من قبل محسنين وفاعلي خير وجمعيات ناشطة في العمل التطوعي والتضامني، رسمت البسمة على وجوه كثير من الأسر والأطفال الذين كانوا يتولون مهمة توفير الماء، ما جعلهم في كثير من الأحيان ينقطعون عن الدراسة.
في فلسطين والهند والبنغلاداش والنيبال ومالاوي كما في أدرار وتمنراست وتيميمون وتبسة وخنشلة وعين الدفلى وغيرها من مناطق الوطن والعالم يتبرع محسنون جزائريون بمبالغ مالية لحفر آبار ماء وقفا وصدقة جارية على أنفسهم وعلى ذويهم من الموتى.. كصدقات جارية ينتفع بها إلى يوم الدين…
“الشروق” تواصلت مع جمعيات ناشطة في الميدان ومع محسنين تبرعوا بهذه الصدقة العظيمة وهي سقيا الماء، ووقفت على حجم الفرحة التي أدخلتها في نفوس ساكنة مختلف المناطق المستفيدة منها وهي مبادرات تضاف إلى جهود الدولة في توصيل الماء إلى جميع الجزائريين…

محسنون يتبرعون سرا وجمعية دار السّلام تحفر بئرها 28
وكشف في هذا السياق، محمد قبلي، رئيس جمعية دار السّلام لرعاية الأيتام بعين طاية، عن حفر 27 بئرا إلى غاية الآن وتم الانطلاق في البئر الـ28، حيث يعد حفر الآبار من جملة مشاريع الجمعية التي انطلقت فيها منذ نحو عامين. وأوضح المتحدث أنّ غالبية المحسنين لا يريدون الإفصاح عن أسمائهم ويفضّلون الإبقاء على صدقاتهم سرا.
وتتكفل اللّجان الدينية على مستوى المساجد التي تحفر بجوارها البئر في الغالب بإتمام جميع الإجراءات الإدارية والحصول على تراخيص الحفر من قبل السلطات المحلية المخوّلة قانونا، وبعد ذلك تتولى الجمعيات الخيرية أو المحسنون عملية استقدام فرق الحفر ومعاينة المكان إن كان صالحا وبه ماء.
وأفاد محمّد قبلي، في هذا السّياق، بأنّهم يستقبلون طلبات عديدة بشكل دوري من قبل جمعيات دينية مختلفة عبر الوطن ومن قبل تجمعات سكانية تعاني العطش، وتسعى جمعيته لدراستها وفق ما هو متاح من إمكانيات.
وقدّر المتحدث عدد الطلبات الحالية المتواجدة على مستوى الجمعية بـأزيد من 50 طلبا من قبل جمعيات دينية عبر ولاية أدرار لوحدها.. نعمل في أي منطقة شرط توفر الرخصة والتأكد من أن المنطقة تتوفر على الماء، فالجمعية تأخذ على عاتقها الجانب المالي المتبرع به من قبل المحسنين والجمعية الدينية تتكفل بالرخصة وبقية الإجراءات الإدارية.

قوافل الخير تحفر 44 بئرا و5 مشاريع تنطلق قريبا
وبدورها، أنجزت جمعية قوافل الخير منذ انطلاقها في هذا النوع من المشاريع إلى غاية الآن 44 بئرا ارتوازية “بعمق لا يقل عن 150متر” في مختلف ولايات الوطن منها على سبيل المثال تيميمون وأدرار وتمنراست وخنشلة وعنابة وتيزي وزو وتلمسان على الحدود الجزائرية -المغربية وأكبر حصة كانت من نصيب ولاية المدية بنحو 15 بئرا، وتستعد الجمعية لإطلاق 5 مشاريع أخرى قريبا في سعيدة والجلفة والبويرة وغيرها.
وتستقبل الجمعية، حسب شيراف عبد الرفيق أمين المال لجمعية قوافل الخير بولاية البليدة ورئيس لجنة وقف الآبار التي تتولى حفر الآبار على المستوى الوطني، طلبات من خارج الوطن، غير أنّها إلى غاية الآن لم تباشر في أي منها، في ظل الحاجة الماسة لسكان المناطق النائية. وأكّد شيراف أنّ أشغال الحفر تمتد إلى أعماق الأرض في الطبقات البعيدة جدا من أجل ضمان استمرارية التدفق.

تكبير وتهليل بتدفق الماء من الحنفية
مشاهد مؤثرة جدا وفرحة هستيرية تعمّ المكان بمجرد انطلاق الماء من البئر تكبير وتهليل وحمد وشكر لله.. فرحة لا يمكن وصفها ممزوجة بدموع الفرح ورفع الأيدي بالدعاء لكل من ساهم في العملية…
ويقول محمد قبلي “هنالك مناطق الماء بالنسبة لسكانها حلم وأمنية، لذا تجد أنّ فرحتهم هستيرية عندما يصلهم الماء الذي يتدفق بدون انقطاع 24 /24، فبعضهم من شدة الفرح يبكي ويتنطط ويقفز هنا وهناك”.
ويضيف محمد قبلي “الربط يكون بالقناة الأساسية للبئر وبين المسجد أو المدرسة ويستفيد منه آلاف المواطنين ومئات تلاميذ المدارس والكتاتيب.. نربط على الأقل مناطق آهلة بالسكان بين 5 آلاف و7 آلاف ساكن…”.

هكذا بدأت فكرة حفر الآبار..
وأكد شيراف أن فكرة حفر الآبار جاءت مباشرة عقب تأسيس الجمعية عام 2016 خلال قافلة نظمتها نحو 8 ولايات في جنوب الصحراء منها تمنراست وعين صالح وواد سوف وتيميمون، أين وقفنا على مشاهد متكرّرة لأطفال يتولون عملية ملء الماء ونقله إلى المنازل مسافات طويلة، وعند الاستفسار عن الأمر أكد لنا سكان المنطقة أنّهم يعانون من مشكل كبير في التزود بالماء وأن أطفالهم انقطعوا عن الدراسة لتوليهم عملية توفير الماء…
وعند عودة القافلة إلى العاصمة عقدت الجمعية التي كان يترأسها المرحوم علي بوناب اجتماعا درست فيه مشروع وقف الآبار.. وكانت من هنا الانطلاقة الفعلية للمشروع الذي يتوسّع يوما بعد يوم…
من جانبه، أفاد محمد قبلي، رئيس جمعية دار السلام أن جمعيته أيضا وقفت على حاجة سكان المناطق النائية للماء من خلال القوافل التي تنظمها من حين لآخر وأرادت مد يد المساعدة والانخراط في المشروع، خاصة أنّ الجمعيات المختصة في حفر الآبار قليلة وتعد على الأصابع، كما أن مشاهد الأطفال والدلاء حزّت في نفسهم كثيرا وأرادوا المساعدة للمساهمة في تخفيف المعاناة.

هذه شروط حفر الآبار..
ويخضع حفر البئر إلى جملة من الشروط الواجب توفرها، حسب ما أكده لنا محمد قبلي، وشيراف عبد الرفيق، في مقدمتها أن يختار أصحاب المشروع حفر الآبار في مساحات وقفية “ساحة مسجد أو مدرسة قرآنية أو زاوية أو غيرها لأنّ البئر وقف ويجب أن يكون في مكان وقف ليستمر الانتفاع به ويبقى وقفا لصالح الجميع، ولا تتنازع ملكيته مستقبلا”.
ويتم التعامل في هذه الحالات، حسب ما أكده شيراف، مع اللجان الدينية التي تتولى مختلف الإجراءات، حيث تعد رخصة الحفر ضرورية قبل الانطلاق في المشروع وتعقد الجمعية اتفاقيات قانونية مع اللجان الدينية من أجل حفر البئر في ساحتها، وبذلك يستفيد المسجد أو المدرسة ويستفيد أهل القرية من الماء ومن يرد توصيل الماء إلى بيته يتول إتمام العملية.
وأشار شيراف إلى بعض الحالات في ولايات معينة تم فيها توصيل الماء إلى البيوت لوجود الشبكة جاهزة، حيث إن البئر نقلت الماء إلى الخزان الرئيسي للقرية وبعدها تم تحويل المياه إلى البيوت عبر الشبكة الرئيسية، مستشهدا بمثال عن ولاية سطيف.
ومن بين الشروط الأخرى التي أشار إليها المتحدث توفّر الكهرباء في المسجد من أجل ضمان عمل المضخة، وتنقل لجنة حفر الآبار للتأكد من وضعية المنطقة وعدد المستفيدين من المشروع، فالهدف من حفر الآبار، يقول شيراف، هو تزويد المواطنين في مناطق الظل بالماء وتخفيف معاناتهم.

هذه تكاليف حفر الآبار
تختلف تكاليف حفر الآبار من منطقة لأخرى، حسب طبيعة المنطقة وعمق البئر ونوعها ويوضح رئيس جمعية دار السلام لرعاية الأيتام محمد قبلي، أنّ التكلفة بشكل عام تتراوح بين 55 و65 مليون بالنسبة لبئر عمقها بين 60-72 مترا، مشيرا إلى أنّ البئر من الحجم العادي المتوسط، وأنه كلما زاد العمق زادت التكاليف، وقال محمد قبلي “أحيانا نجد الماء 3 كلم بعيدا عن المنطقة أو الدشرة وهذا ما يرفع الكلفة نوعا ما”. وتحرص الجمعية، حسب المتحدث، على انتقاء مكان حفر البئر بعناية شديدة تفاديا لأي مصاريف إضافية ترفع الكلفة.
من جانبه، أفاد شيراف عبد الرفيق رئيس لجنة حفر الآبار بجمعية قوافل الخير لولاية البليدة بأنّهم يعتمدون في مشاريعهم على حفر الآبار الارتوازية ذات التدفق العالي التي يناهز عمقها 150 متر فما فوق.
وأوضح أن تكلفتها في صحراء الجزائر تتأرجح بين 50-90 مليون بالنسبة لبئر عمقها 30-60 مترا، أمّا في الشمال “بوابة الصحراء” فترتفع التكلفة إلى مابين 150-450 مليون كأقصى تكلفة تشمل جميع المصاريف بما فيها الحفر والتوصيل.

جمعية البركة تحفر آبارا جزائرية في فلسطين وآسيا وإفريقيا
من جانبه، أفاد الدكتور أحمد إبراهيمي، رئيس جمعية البركة للعمل الخيري والإنساني، أن فكرة حفر الآبار مشتقة من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أشار لرجل أراد التصدق على أمه الميتة بسقيا الماء، ومصداقا لقوله تعالى: “وجعلنا من الماء كل شيء حيا…”.
وانطلقت الفكرة خارج الوطن، حسب المتحدث، من فلسطين فأول الآبار كانت في قطاع غزة الذي كان يعاني الحصار، وهي مدينة ساحلية فيها المياه المالحة فكنا نقوم بالحفر والتحلية معا، لذا فإن آبار فلسطين هي الأغلى من حيث التكلفة ثم تلت فلسطين الروهينغا بعد فرارهم من البوذيين وعندما انتقلنا لتقديم بعض المساعدات وجدناهم يفتقدون للآبار ويشربون مياها ملوثة فقررنا الانطلاق في الحفر خاصة أنّ التكلفة قليلة والمياه متوفرة على مساحات قريبة على بعد 6 أمتار وبعدها بدأت الفكرة تعمم وتنتشر في الهند وباكستان وبنغلاداش وسيريلنكا وبعدها عدنا إلى إفريقيا عقب زيارات قامت بها الجمعية لعدد من دول القارة، أين وقفت، كما قال ابراهيمي على أزمة كبيرة للمياه كانت سببا في انتشار العديد من الأمراض المتنقلة عن طريق المياه الملوثة وكانت الانطلاقة في التشاد وبعدها إفريقيا الوسطى ومن ثم انتشرنا في كل إفريقيا موريتانيا والسينغال والبينين ووسط إفريقيا باستثناء جنوب إفريقيا، والآن تعكف الجمعية على حفر آبار في اليمن.
وأوضح المتحدث أن جمعية البركة التي تتوفر على مكاتب كثيرة في خارج الوطن من أجل حفر الآبار وتحديد الطلبات والاحتياجات وتحدد كذلك المناطق بالإضافة إلى اتصالات من بعض شركاء الجمعية وأصدقائها وتحديد مكان البئر.
وأكد رئيس جمعية البركة أن تكلفة الآبار في إفريقيا وآسيا بسيطة جدا وقليلة بين 1000 دولار و2000 دولار كأقصى تقدير، بينما في فلسطين تصل تكلفتها إلى 12 ألف دولار، ففي فلسطين ليست البئر هي المكلفة وإنما آلة تحلية المياه هي المكلفة لأن المياه مالحة ولجعلها صالحة للشرب.
وأشار المتحدث إلى أنّ حفر البئر في إفريقيا لا يتبع بتوصيلات للبيوت بسبب انعدام الكهرباء، إذ يتم الاعتماد على الطرق اليدوية لإخراج الماء من أجل ضمان استفادة السكان واستمرارية التدفق، وقد حاولت الجمعية الاعتماد على الطاقة الشمسية في 40 تجربة تقريبا غير أنها لم تنجح فعاد الأمر إلى الطريقة التقليدية، نظرا لانعدام المتابعة في أشغال الصيانة.

آبار تخلّد أسماء الجزائريين والشهداء خارج الوطن وداخله
وتهدف جمعية البركة إلى بلوغ الهدف الرئيسي في هذا المشروع بحفر ألف بئر عبر مختلف أنحاء العالم، حيث قدر رئيسها براهيمي عدد الآبار المنجزة إلى غاية الآن بنحو 650 بئر تقريبا، وبعد بلوغ هذا الهدف تنطلق الفكرة في المرحلة التالية لبلوغ الألف الأخرى.
وأوضح المتحدث أن الجمعية عندما يترك لها خيار تسمية البئر فهي تطلق عليه أسماء الشهداء والعلماء لتخليد ذكراهم، أما في حالات أخرى تصل إلى 99 بالمائة فيفضل المحسن إطلاق تسمية البئر على من تصدق به سواء كانت الوالدة أو الوالد أو أحد المقربين.
بدوره، أفاد شيراف عبد الرفيق رئيس لجنة حفر الآبار لجمعية قوافل الخير بالبليدة بأنّ أغلب المحسنين يريد إطلاق التسمية على أمه وأبيه الميتين وحتى بعض الأهل من أعمام أو إخوة إحياء لذكراهم فتجدهم يسمون مثلا “بئر فاطمة عائشة محمد عمر وغيرها من الأسماء التي تكتب في لافتة رخامية تنصب أمام المكان مع طلب الدعاء لها كي يصلها الأجر”.

الإمام تواتي.. سقيا الماء من أفضل الصّدقات
وأوضح الإمام، كمال تواتي، في تصريح لـ “الشروق” فضل حفر الآبار الوقفية، مؤكدا بأن سقيا الماء من أفضل الصدقات على الإطلاق وهنالك نصوص كبيرة في القرآن والسنة تدل على فضل الصدقة عموما ، خاصة أن الماء سبب الحياة على وجه الأرض، فكل ما يحيا على وجه الأرض هو بفضل الله تعالى فما بالك أن يكون الإنسان سببا في هذا الفضل على الناس واستدل تواتي في ذلك بقوله تعالى “ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعا”.
وأشار تواتي إلى بعض المحسنين القادرين على تولي ميزانية حفر بأنفسهم كاملة وهذا فضل من الله وجزاؤهم عنده كبير كما أنّ البعض الآخر يملك مبلغا صغيرا ويرغب بالمشاركة في تكاليف حفر بئر وهذا أيضا له الأجر والثواب هنالك من يوصي بالثلث لحفر البئر للفقراء والمساكين.. وهنالك أيضا بالمقابل مساع لجمعيات خيرية تهدف إلى سقيا الماء وحفر الآبار.
وأعرب الإمام تواتي عن أمله في أن يستمر حفر الآبار وصدقة الماء في فصل الصيف وخارج فصل الصيف خاصة بالنسبة لبعض المناطق التي لا يستطيع سكانها تولي عملية الحفر نظرا لإمكانياتهم المنعدمة رغم وجود منابع للماء في المنطقة التي يقطنون بها وما يمكن أن يساهم به البئر من تحول في حياتهم ومعيشتهم وفلاحتهم التي تعد أحيانا مصدر رزقهم الوحيد.. وبقدر ما نحسن للآخرين يحسن الله إلينا مصداقا لقوله تعالى “وهل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!