-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الشروق العربي في جولة سياحية بقصر أحمد باي بقسنطينة

أحمد باي وسيرتا.. قصة العشق التي توجت بقصر

الشروق أونلاين
  • 13116
  • 3
أحمد باي وسيرتا.. قصة العشق التي توجت بقصر

لطالما ساد عندي اعتقاد أن قسنطينة لها ميزة خاصة في الحفاظ على القديم من عمرانها فهي دون شك من حواضر التاريخ والعراقة لكن لا شيء من المدينة القديمة اندثر، علاقة مميزة بين مظاهر العمران وسكان المدينة هذا يشد على ذاك. القديم هنا يتماهى في صورة جمالية مع ما هو جديد فتبدو المدينة في الأخير كلوحة فنية جامعة لإحداثيات الجمال دون المغالاة في الإبهار. إنها سيرتا التي لطالما لبست أسودا وأبيضا وطلقت الألوان وكانت الأجمل لا لشيء فقط لأنها لبست أصالة.إنك في مدينة العلو تمشي وتتهول على نغمات المالوف ثم ما تلبث تعتدل وتترتب على رائحة الورد والياسمين لُيفتح أمامك باب “قصر الباي”-الباب الأقدم من القصر- والذي كتب عليه:”بسم الله الرحمن الرحيم لمالك السعادة والسلامة وطول العمر ما سجعت حماه. وعزا لا يخالطه هوان. وأفراح إلى يوم القيامة”.

الحب هكذا يكون أو لا يكون

 يستقبلك قصر أحمد باي بحدائق غناء تشرح خاطرك وتبهر نظرك وتجعل الصحبة مع دليل لطيف في أرجائه أكثر تشويقا وفضولا للإنتقال معه في رحلة عبر الزمن ثلاث حدائق في الطابق الأرضي إحداها للبرتقال ب28 شجرة وأخرى للنخيل- 06- وشجرة أرز شامخة  يعود تاريخ غرسها إلى سنة 1865 فعمرها  يمتد إلى القرن 18م.ولا أخبركم على جمالية المكان الموشح بالورد والمعبق برائحة الياسمين التي تنتشر عبر كل الفناءات الواسعة والمفتوحة على الجمال عبر 27 رواقا يسمح بمرور تيار الهواء والنسمات المنعشة خاصة في فصل الصيف.هذا الفناء الرئيسي الذي ظل يتحدى عوامل الطبيعة والزمن، محاط بخمسة أقواس، وهو الجزء الذي كان يسمى ”دار أم النون” الجناح العائلي الذي سكنته أم الباي.إلا أنه وبمرور السنين تحولت هذه الردهات إلى مركب جميل يضم حدائق غناء مفتوحة يتوسطها حوض كبير كانت تستحم فيه النساء بالمياه الباردة المتدفقة من أعلى القصر، مشكلة شلالات تصب في كؤوس كبيرة جرى نحتها وصقلها كمزهريات ذات التواء متناغم.الطابق العلوي يرتكز على أقواس وأعمدة رخامية زادت على 250 عمودا تم جلبها من دول متوسطية عديدة.تتربع هذه التحفة المعمارية الجميلة على مساحة قدرها 5609 م 2 تم بناؤه في سنة 1826 وانتهى منه 1835 .

يتكون من ثلاثة أجنحة:”الجناح العائلي”، “الحرملك”، “الديوان” الذي حوى لوحده 14 نافذة تطل على كل الأجنحة. .و125 مقصورة من الزليج الذي كان يجلب من تونس وإيطاليا، هولندا ..و500 باب ونافذة مصنوعة من خشب الأرز المنقوش بمهارة خاصة من الداخل، والتي تم طلاؤها بالألوان الحمراء الخضراء والصفراء. وأسقف القصر مبلطة بالرخام وجدرانه منحوته ومزخرفة بدقة متناهية من ناحية تناسق الأشكال والألوان. وهناك بالقصر مقصورة خاثة ب”الباشا قهواجي” “عمي مرزوق” والذي كان يشرف على تحضير القهوة كما كان أمين السر على المجالس وما تحاكيه من يوميات. وفي نفس الرواق إلى الأمام يستقبلك جناح الزوار بالرسومات التي تحوي الرحلات من قسنطينة حتى مكة المكرمة.وتؤرخ اللوحات المرمرية المزينة لجدران القصر لوقائع تاريخية ومعارك خاضها الباي ولمختلف الرحلات التي قام بها. كما تسمح هذه التحفة المعمارية بمعرفة كرونولوجيا الأحداث التاريخية التي طبعت سيرتا في الحقبة التاريخية لعهد أحمد باي الذي شهدت فيه قسنطينة أوج ازدهارها على كل الأصعدة.

القصة هكذا بدأت..

القصر جسد فكرة “الحاج أحمد باي” آخر بايات المدينة. أحمد بن محمد الشريف (1784-1848) والمعروف لدى العامة باسم “أحمد باي” وأبوه خليفة عثماني كورغولي سابق وأمه جزائرية هي رقية بن قانة التي تنحدر من عائلة ميسورة من نواحي بسكرة.

الباي الذي عشق الملكة سيرتا وقرر أن يأسرها بقصر يبقى شاهدا على عظمتها بعمر يزيد عن ألفي سنة .الفكرة راودته بعد زيارته للبقاع المقدسة، وتجوله في عديد الدول وزياراته الكثيرة لمختلف حواضر العالم الإسلامي والعربي والتي مكنته من التطلع عن قرب عن فن العمارة الإسلامية وملامسة الهندسة المتقنة لقصور فخمة لملوك وأمراء الفكرة تعمقت وقرر الباي أن يجسدها ولا أفضل من قسنطينة مكانا وموقعا فاستدعى مجموعة من أهم وأشهر المهندسين سنة 1825م لبناء هذا القصر  . منهم المهندس الإيطالي “شيافينو” وفنانين اثنين مشهورين هما “الحاج الجابري” و”الخطابي” وأوزع لهم تصميم وبناء القصر.استمرت أعمال البناء قرابة عشر سنوات، ليتم افتتاح هذه التحفة الفنية الشاهدة على بهاء فن العمارة العثمانية وثرائها خريف 1835م. إلا أن مقام أحمد باي في القصر لم يتجاوز السنتين، وهذا بعد سقوط قسنطينة بيد المحتل الفرنسي عام 1837م.

بعد هذا استخدم هذا القصر في الفترة الاستعمارية كمقر للإدارة العامة الفرنسية حيث أقام به الإمبراطور نابليون الثالث في 1865 خلال مروره بقسنطينة. وتم القيام في تلك الفترة بعديد التعديلات التي تشبه “أعمال التخريب” على المستويين الداخلي والخارجي للقصر، حيث تم هدم أجزاء بأكملها فيما تم إجراء تغييرات على أجزاء أخرى برغبة من الإدارة الاستعمارية التي لا تتردد في إلحاق الضرر بهذا الصرح محاولة منها لطمس معالمه وإضفاء الطابع الأوروبي عليه.ومن بين 300 غرفة كان يضمها القصر لم يتبق سوى 121 من بينها 119 تستغل حاليا كقاعات للعرض.

ولأن سيرتا هي الوفاء..

وفي سنة 1980 أضحى من الضروري الحفاظ على هذا القصر الذي يعد الذاكرة الحية لمدينة تتقن الحب والوفاء وتنام على التاريخ والصخور. حيث أسندت الدراسة الخاصة بترميم هذا القصر لمتخصصين في هذا المجال والذين أخذوا على عاتقهم الترميم دون التشويه. واستغرقت عملية إعادة تأهيل هذا المرجع التاريخي لسيرتا القديمة أكثر من عشريتين حيث عاد هذا الصرح الملكي مثلما كان عليه من قبل.وتم استرجاع أكبر عدد من قطع السيراميك والرخام والخزف الملون والبلاط وأعيد استعماله من أجل الحفاظ على الأشكال وإصلاح الفسيفساء على الجدران. وأعقب هذه العملية تقوية الجدران والأسقف وترميم أعمدة الرخام وتقوية الأسطح وإصلاح الأسقف وتلبيس الجدران وتبليط الأرض بالرخام وإنجاز أشغال الكهرباء والترصيص.كما أعيد ترميم الأبواب والنوافذ لتصبح مثلما كانت عليه في السابق حيث صقلت ونظفت بمواد طبيعية. كما أعيد صنع مقابض الأبواب القديمة والنوافذ بقطع مماثلة للنموذج الأصلي الموجود بالقصر

. وعرف القصر بعض التعديلات بعد ترميمه حيث تم تحويل جناحين به إلى معرضين، يضم الجناح الأول معرضا خاصا بالعصر الذهبي الخاص بالعلوم الإسلامية العربية، بينما سيخصص الجناح الثاني لمعرض بمختلف الأغراض والمقتنيات الشعبية لنوميديا.

وفي سنة 2010 افتتح قصر الباي مرة أخرى أمام الجمهور بحلة جملية وبإدارة مرحبة ومشجعة على الزيارة. فاسحا المجال لتنظيم معرضين رائعين يتضمنان العصر الذهبي للعلوم العربية وحول الحضارة الفاطمية.


وقد ارتقى القصر إلى صف متحف وطني عمومي للفنون والتعابير الثقافية ليدشن بذلك عهدا جديدا.مواصلا  عرض فصول التاريخ والعمران والتميز.إدارة القصر أهدتنا وردا ويا سمينا ودليلا طيبا وجولة تسر الأنظار والشروق العربي أهدت قرائها الأوفياء فسحة لاستنطاق الجمال فشكرا للجميع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • الاسم

    رحمة الله عليه

  • براهيم

    لدينا احمق المهندسين المعماريين فى العالم.البناءات التى يشيدونها فى الجزائر تصيبنى بالغثيان

  • عمار

    توفي البارحة المهندس المعماري عبد العزيز بجاجة الذي تابع أشغال ترميم قصر الباي, أرجو من جريدة الشروق الإشارة إلى مسيرة المرحوم و مجهوداته في إعادة تأهيل التراث المعماري في قسنطينة.