-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمامك فانظر أيَّ نهجيك تنهج

سلطان بركاني
  • 4170
  • 0
أمامك فانظر أيَّ نهجيك تنهج

زماننا هذا، هو بحقّ زمن المتناقضات، تكاثرت فيه طرق الشرّ والبلايا والمهلكات، وتعدّدت وسائل الفساد والموبقات، وأصبحت مبذولة ميسورة في البيوت والشّوارع والطّرقات والمحلاّت، وتعدّدت في المقابل وسائل الخير والصّالحات، وأصبحت هي الأخرى مبذولة ميسورة لكلّ أحد وفي كلّ مكان.

التّلفاز في البيت يمكن أن يكون وسيلة للشرّ والفساد وحصد قناطير السيّئات، إذا سُمح فيه بحصص الأغاني والفيديوكليبات، وقنوات الأفلام والمسلسلات، ليكون وبالا على صاحبه في الحياة وبعد الممات، يوم يُسأل عن سمعه وبصره وتشهد عليه الأعضاء والجوارح، وتبدو السّوءات والفضائح. 320 قناة، هو عدد القنوات الإباحية التي يملكها أثرياء العرب وحدهم، تتهدّد بيوت المسلمين، وتضرم النّيران في بيوت كثير من الآباء الغافلين، وفي قلوب بعض شباب وفتيات المسلمين.. 

وفي المقابل، يمكن أن يكون التّلفاز وسيلة للخير والصّلاح وحصد قناطير الحسنات، إذا ضبط على القنوات الدّينيّة والعلميّة والإخبارية النّافعة؛ أكثر من 100 قناة دينيّة، تبثّ في سماء المسلمين، يمكن أن تأخذ بأيدي الزّوجات والأبناء إلى حيث رضوان الله ربّ العالمين، يمكن أن يتعلّم منها المسلم ما يلزمه تعلّمه من أمور دينه، ويمكن أن يجد فيها أجوبة لما يشكل عليه من أمور الشّريعة والحياة، ويمكن أن يجد فيها من المواعظ ما يرقّق قلبه، ويضعف دواعي الغفلة في نفسه.

جهاز الحاسب الآليّ (الكمبيوتر) يمكن أن يكون هو الآخر وسيلة للشرّ والفساد، إذا ألقى الأب الحبل على الغارب لأبنائه الشّباب ليملؤوه بما لا يرضاه الله من الصّور السّاقطة والأغاني الهابطة، ويزداد الأمر سوءًا إذا تمّ ربط الحاسب بشبكة الإنترنت من دون قيود أو حدود، وسُمح بتصفّح المواقع الإباحيّة التي يتجاوز عددها على الشّبكة العالمية 4 ملايين موقع، خدّرت كثيرا من شباب المسلمين وجعلتهم عبيدا للفروج والشّهوات، بل وقادت بعضهم إلى نهايات مؤسفة تدمي القلوب وتقرّح الأكباد.. وفي المقابل، يمكن أن يتحوّل الحاسوب إلى وسيلة للخير والصّلاح وكسب ملايير الحسنات، إذا ملأه ربّ الأسرة بما يحبّه الله ويرضاه من الكتب والدّروس النّافعة، والتلاوات العذبة، والأناشيد الهادفة، والمقاطع الوعظية المؤثّرة، وإن سمح بوصله بشبكة الإنترنت فإنّه يسارع إلى وضع قائمة للمواقع الدينيّة والعلميّة النّافعة لتكون في متناول أفراد الأسرة، ويحتاط بمنع الدّخول إلى المواقع السيّئة عن طريق برامج خاصّة لذلك.

جهاز الهاتف النقّال أيضا يمكن أن يكون وسيلة للشرّ والفساد إذا شحنه صاحبه بالأغاني والألحان، والمشاهد السيّئة والصّور السّاقطة، ويمكن أن يتحوّل إلى وسيلة للدّعوة إلى سبيل الشّيطان وإلى كسب ملايير السيّئات إذا استغلّه صاحبه في السّعي إلى اصطياد الغافلات من بنات المسلمين، وفي إرسال الأغاني والمقاطع والصّور الهابطة إلى زملائه وخلاّنه، وجعل رنينه أغنية تافهة أو موسيقًى صاخبة، يؤذي بها عباد الله في كلّ مكان، بل ربّما يؤذي بها عباد الله المصلّين وملائكته المكرّمين في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.. وفي المقابل، يمكن أن يكون الهاتف النقّال وسيلة للخير والصّلاح إذا عبّأه صاحبه بتلاوات القرآن، وبالدّروس النّافعة، والمقاطع المؤثّرة، والأناشيد الهادفة، ويمكن أن يتحوّل إلى وسيلة للدّعوة إلى الله، يُكسب صاحبَه جبالا من الحسنات، إذا استغلّه في تذكير إخوانه وزملائه وخلانه بالصّلاة وبالقرآن وبذكر الله، وفي إرسال المواعظ والمقاطع المؤثّرة إلى غيره.

الطّبيب يمكن أن يتّخذ من قاعة الانتظار في عيادته وسيلة للصدّ عن سبيل الله والدّعوة إلى سبيل الشّيطان إن هو اختار أن يغطّي جدرانها بصور النّساء المتبرّجات، ويضع على الطّاولة كتبا ومجلات تنضح بصور تزيد القلوب قسوة إلى قسوتها، والنّفوس غفلة إلى غفلتها.. وفي المقابل، يمكن أن يحوّل الطّبيب المسلم قاعة الانتظار في عيادته إلى وسيلة للدّعوة إلى الله، إذا علّق على جدرانها ملصقات هادفة، ووضع على الطّاولة كتيبات ورسائل ومطويات نافعة، تذكّر من يتصفّحها بالله وتعلّمه أمور دينه.

صاحب محلّ بيع الألبسة يمكن أن يحوّل محلّه إلى محلّ لقنطرة السيّئات إن هو اختار أن يبيع فيه الألبسة التي تعين بنات المسلمين على التبرّج والتهتّك، وتعين شباب المسلمين على التخنّث والتغنّج، أو كان يستغلّ توافد النّساء على محلّه لمضاحكتهنّ والتذلّل في الكلام معهنّ.. وفي المقابل، يمكن أن يحوّل تاجر الأقمشة المسلم محلّه إلى محلّ للدّعوة إلى الله، إن هو اختار أن يبيع فيه الألبسة التي تعين نساء المسلمين على التحجّب والسّتر والعفاف، والألبسة التي تعين شباب المسلمين على حفظ رجولتهم ومروءتهم.

هذه هي الحياة.. طريقان، مستقيم وأعوج، وكلّ إنسان يختار طريقه في هذه الحياة، ويتحمّل نتائج اختياره في الدّنيا، وحصاده في الآخرة، يقول الحقّ جلّ وعلا: ((إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً))، ويقول المصطفى عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).. كلّ إنسان يختار طريقه في هذه الحياة، وربّما يصرّ على اختياره ويثبت عليه حتى يلقى الله، ربّما يختار العبد المؤمن طريقه في الرّابعة عشرة من عمره بتأثير من والديه أو أصدقائه، ويظلّ على هذه الطّريق حتى يلقى الله بعد ستين أو سبعين سنة.

الحياة اختيارات، لا تخرج عن قضاء الله ربّ الأرض والسّماوات، وكلّ واحد منّا يختار طريقه في هذه الحياة، ولكنّ العبد المؤمن إذا أحسّ في لحظة من لحظات حياته أنّه أخطأ الاختيار، فإنّه يسارع إلى تصحيح طريقه وتعديل مساره، ليعود بنفسه إلى الطّريق الصّحيحة قبل فوات الأوان، ولا يصرّ على طريق يعلم أنّها ستقوده إلى الهاوية، مهما كانت نفسه متعلّقة بتلك الطّريق ومهما أمضى فيها من سنوات ((إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)) (الفرقان: 70).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!