-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمانة تمثيل الأمّة: هل من جديد؟

أمانة تمثيل الأمّة: هل من جديد؟

إنّ شعبنا الذي يمرّ بمنعرج تاريخيّ، في مسيرته الطويلة، يتطلّع إلى إصلاحات حقيقية، تكون غايتها الكبرى أن تزول مظالم، وتعتدل موازين، وأن يحيا مُعدمون، ويرتدع مفسدون. وأن يتعاون أقوياء وضعفاء، ويتشارك عباد الله في خيرات الله، مع تقوية حوافز الكسب الذاتية، وتزكية الصبغة الجماعية، في ظلال الإخاء والمحبّة والعدالة الاجتماعية.

لقد آن الأوان ليدرك النّاس أنّ روح الجماعة ونظام الشورى هو ما يجب أن يسود ويقود. إنّه النظام الّذي يعبّر بصدق عن إرادة الأمّة واختياراتها؛ فحين تصدق النيات والإرادات، ويرتكز اختيار ممثّلي الأمّة، على قواعد صحيحة، ويستند إلى مقاييس موضوعية، أوّلها الكفاءة والاستقامة؛ وحين يختار الشعب ممثّليه، بمحض إرادته، يكون قد سلك سبيلا نحو التعبير الحرّ عن رأيه واختياراته، والتثبيت لكيانه، والتوطيد لمؤسّساته. والّذين تختارهم الأمّة ليكونوا ممثّلين لإرادتها، يصبحون أمناء على حقوقها؛ ومن ثمّ يجب عليهم أن يكونوا معبّرين بصدق عن ضميرها، عاملين لجلب مصالحها، حُرّاسا على مقوّماتها ومقدّراتها. والإسلام يعتبر كلّ من ينهض في الأمّة بمسؤولية أحدَ رعاتها؛ وتعدّ التّبعة الملقاة على عاتقه أمانة بين يديه، يتعيّن عليه أن يرعاها حقّ رعايتها.

ينبغي أن يعلم من يقدّم نفسه لتمثيل الأمّة أنّ كلّ ولاية في شأن الرعية أمانة؛ وهي، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، “يوم القيامة خزي وندامة؛ إلاّ من أخذها بحقّها، وأدّى الذي عليه فيها”؛ وقد سجّل التاريخ في هذا المجال سيرة أعلام، تفخر بهم الأمّة، كانوا مُثُلاً رفيعة ونماذج عليا، في حفظ الأمانة، وأداء الواجب، وصيانة التبعات. فقد كان ولاة الأمر من سلفنا الصالح يعتبرون الولاية على الناس تكليفا لا تشريفا، ومحنة لا منحة؛ يحاسبون أنفسهم، قبل أن يحاسبهم غيرهُم؛ ويراقبون ربّهم قبل أن يراقبوا أحدا من الناس. يجعلون رضا الله فوق أهوائهم، وطاعته فوق شهواتهم ورغباتهم. ولعلّ أفضل شاهد يرد علينا في هذا السياق سيّدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الّذي كان يقدّر مسؤوليته أعظم تقدير، وقال قوله السّديد: ﴿لو عثرت دابّة بشطّ الفرات، لخشيت أن أُسألَ عنها يوم القيامة: لماذا لم أمهّد لها الطريق﴾.

وقد سرت هذه الخشية من تبعات المسؤولية، والحساب عليها من الفاروق عمر إلى حفيده عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه؛ ثمّ إلى من اتّبعهم بإحسان. لقد كانوا الصفوة الأخيار الّذين مثّلوا قيم الإسلام وأعطوا صورًا رائعة للأنام. فأين أولئك الأبرار من أُناس يعتبرون المسؤولية في مواقع الحياة مغنمًا، ويتّحذونها مطيّةً لتجارة الدنيا ومتاعها القليل؛ ويجعلون أكبر همّهم جمع الأموال بالباطل، دون حسيب، وبلا رادع.

إنّ على من يولّيهم الله أمور الرعية أن يعلموا أنّ واجبهم خدمة الرعية، يكونون لها أعوانا مخلصين، على مصالحها مؤتمنين، وعلى جميع شؤونها مسؤولين. على ولاة الأمور أن يعملوا، دون هوادة، لتثبيت أركان دولة الحقّ والعدل، بإرساء قواعد العدل، الّذي يأمر به الدّين الحنيف. فالإسلام، كما يأمر بالعدل في الحكم والقضاء، يهدف في الوقت نفسه، إلى تحقيق العدل الاجتماعي، الّذي يقيم مجتمعا متعاونا متكافلا، يجد فيه كلّ فرد حقّه، وينال حظّه، وتصان فيه حرّيته في الاختيار والتعبير، ويضمن له العيش الكريم. إنّها دولة الحقّ الّتي “تجعل القويّ الباغيَ ضعيفا، حتّى يُؤخذ منه الحقّ؛ وتجعل الضعيفَ المظلوم قويّا، حتى يُؤخذ له الحقّ”؛ كما قال سيّدنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه. وتلكم هي العدالة الاجتماعية، في مفهوم الإسلام. إنّها ليست مجرّد عدالة اقتصادية، فحسب؛ بل هي كذلك عدالة إنسانية، تتناول مجالات الفكر والسّلوك، وتحيط بجميع جوانب الحياة.

إنّ بلادنا، في كثير من أوضاعها، تحتاج إلى رجال ذوي رأي سديد، وعقل رشيد. وشعبُنا يملك طاقاتٍ وقدرات؛ وفي أبنائه كفاءات وخبرات. والأمل معقود على الصّالحين من أبناء الجزائر، يصحّحون الميزان، الّذي يستقيم به أمرُنا، ويصلح به حالنا ومآلنا. وهم قادرون، بإذن الله، على النهوض بالأمّة من كبوتها، والخروج بها من أزماتها. إنّ الاعتماد ينبغي أن يكون على المخلصين من أبناء الوطن، بحسن استثمار كفاءاتهم، والإفادة من خبراتهم، وترشيد طاقاتهم، والتفاعل الإيجابيّ مع قدراتهم، وشحذ عزائمهم، لتحقيق النهوض المأمول، والإقلاع الحضاريّ المنشود.

إنّ شعبنا الّذي يتمسّك بالإسلام، منذ أن هداه اللهُ إليه، يريد أن يرى أولياء أموره على صورته؛ يؤمنون بهوّيتهم الإسلامية، ويتمسّكون بثوابت شخصيتهم الوطنية؛ ويعملون لتطهير مؤسّسات الدّولة والمجتمع من كلّ ما يتنافى مع مبادئ الإسلام وقيمه الأخلاقية؛ باعتباره دين الدّولة، كما ينصّ على ذلك دستور الدّولة.

إنّ الدّعوة إلى الإصلاح، وهداية الناس إلى سبيل الرشاد، وردّ الأمّة إلى جادّة الحقّ مسؤولية كبرى يتحمّلها العلماء والدّعاة والمربّون وأولياء الأمور. ونحن المسلمين لدينا كتابُ الله، هو خيرُ ما به نعتصم، وخير ما إليه نعود؛ نتّخذه أساسا ننهض عليه، ومصدرا نرجع إليه؛ نقيم به حياتنا، ونستلهم منه حلول مشكلاتنا، ونلتزم نهجه عندما نفتقد الرؤية الصّحيحة، وتختلط علينا السُّبل. وهكذا تكون الدنيا الصّالحة طريقا إلى العاقبة الآمنة الرّاضية.

والله يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل.

والحمد لله ربّ العالمين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • amremmu

    ... هل من جديد ؟؟؟؟ أما مثل هذه الخطابات فقد تجاوزها الزمن وأصبحت من الماضي ليس القريب فحسب بل من الماضي البعيد والبعيد جدا .

  • مصطفاوي رابح بن كرباية

    ماذا استفادت من عهداتك ولايتك الا ترميم زاويتك------------------العريقة------------- وزيادة الولاءات العشائرية.كلامكم شيئ وافعالكم امر اخر.خلوا الشباب يسيرها ولو بالخطا فانه سيتعلم وسيبدع وسيقدم الافضل

  • ابن الجبل

    نحن نبحث عن الرجال المخلصين ، الذين يملكون عقلا رشيدا ، ورأيا سديدا ... يصححون أخطاء الماضي ، ويقودون الأمة الجزائرية العظيمة ، بتاريخها وثقافتها وشعبها الى الرقي والتحضر ... اذا صدقت النوايا ، وتغلبت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، واسندت المسؤولية الى اهلها ... وما ذلك ببعيد ، مادامت بلادنا تزخر بطاقات شبانية ، وكفاءات عالية ، وثروة هائلة ، وطبيعة زاهرة .... أفلا يتوبون الى الله ويستغفرونه ...؟؟!!!.

  • خليفة

    كلام في القمة ،اذا استمع له اهل الهمة، و لكن ما يرجوه كل مومن مخلص من المرشحين للبرلمان ،يصطدم بالواقع المر الذي تعيشه هذه المؤسسة و المتداولين عليها ،حيث نلاحظ ان هناك تسابق محموم و جنوني بين المترشحين للظفر بكرسي في البرلمان ،لا لخدمة البلاد و العباد و انما لتحصيل المال و الاستفادة من مختلف الخدمات و المزايا التي توفرها هذه المؤسسة، فلو حذفت الدولة تلك الامتيازات ،ما حصل هذا التسابق نحو البرلمان، و عليه ينبغي على الدولة ان تعيد النظر في رواتب النواب و منح تقاعدهم ،لترشيد النفقات و لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية بين الجزائريين في توزيع الاجور، لان المسؤلية في نهاية المطاف تكليف و ليست تشريف.