استثناء.. أم مأزق؟
من يقارنون نتائج الانتخابات عندنا بنتائجها في برلمان مبارك قبل الثورة المصرية، صادقون ومصيبون، لأن هذه القراءة تؤكد للأسف الشديد أن النظام في الجزائر تلميذ غبي جدا، أعاد السنة مرّات عديدة ولم ينجح، وسمح له بالغش ولم ينجح وأتيحت أمامه كل وسائل النجاح ورفض أن يستغلها أو على الأقل فشل في استغلالها.
قد يقول قائل أن نتائج بهذه الصدمة لا يمكن أن تكون مرتبة أو مزورة، لأن مصلحة النظام في التغيير (ولو شكليا) وليس في بقاء الحال على ماهو عليه، والذي يزور لا يمكن أن يخرج علينا بهذه النتيجة الغبية على الأقل، كان سيراعي عددا من التوازنات التي تحفظ ماء الوجه داخل وخارج الوطن. وهو في الحقيقة تساؤل جدير بالاهتمام، إذ كيف يذبح النظام نفسه بهكذا نتائج في ظرف هائج كالذي نعيشه، وفي نفس الوقت إذا كانت الاتنخابات نزيهة كيف لنا أن نفسر نتائجها الصادمة للعقل والمنطق؟!
علينا أولا أن نقتنع أن هذه النتائج بغض النظر عن أسبابها وكونها حقيقية أو مزورة، قد وضعت الجميع في ورطة حقيقية..
السلطة في مأزق خطير لأنها ضُبطت متلبسة بالتزوير حتى وإن لم تقترفه وعليها أن تثبت أن الأفلان المهلهل قد حظي بكل هذه الثقة.
والنظام بذلك مدان داخليا وخارجيا لأنه برأي الجميع وقف في وجه التغيير السلمي الذي انتظره الجميع بديلا عن التغيير بالعنف، ولا تهم هنا براءة النظام من هذه التهمة بل المهم هو الشكل الخارجي الذي أصبحنا عليه في نظر الرأي العام الوطني والدولي، وهو تضييع فرصة التغيير السلمي الذي كنا نريده لإنقاذ الوطن من الانزلاقات والتحرشات، التي أعتقد أنها ستتزايد، لأن نتائج الانتخابات بهذه الصورة الأحادية ستعطي المزيد من القوة لدعاة التغيير بالعنف حتى وإن كان الشعب قد لفظهم منذ التسعينات مثلما رفض جماعة “السبت” الذين أرادوا أن يستوردوا لنا صيغة التغيير الحاصل في بعض دول الجوار، فقال لهم الشعب لا.. مثلما قالها لأولئك الذين أرادوا أن يعطوا الشرعية للنظام القائم في زمن الربيع العربي.
الرئيس أيضا يتحمل مسؤولية نتائج الانتخابات لأنه خرق منطق الحياد، ولمح إلى دعمه للأفلان ما جعل الكثير من المواطنين يتلقفون ذلك، ليتحول المشهد من انتخابات تشريعية إلى استفتاء حول الرئيس، وكأني بالرئيس طلب من الناخبين أن يعطوه رأيهم في عهدته وسياسته بدل الانتخاب على القوائم الحزبية المقدمة.
الأحزاب كلها تتحمل المسؤولية وفي مقدمتها الأحزاب الإسلامية، التي عرضت خدماتها دون أن تظهر من الخبث الذي أصابها سواء من ارتمائها في أحضان النظام، أو ارتمائها في أحضان الرداءة والغرور والتفسح والفساد، ما جعل المواطن محبطا حيال كل الخيارات المعروضة عليه بما في ذلك الخيار الإسلامي المستفيد من الربيع العربي، وبذلك تكون الجزائر قد صنعت استثناءها ولو في الاتجاه المعاكس، فكلما طلب من الشعب أن يسير في طريق ما، سار عكس ذلك الطريق، رفض من طلب منه أن يخرج كل سبت لإسقاط النظام، وساند القذافي عندما ساندت كل الشعوب العربية، الثورة الليبية، ورفض الالتفاف حول الاحزاب الإسلامية، عندما التفت حولها شعوب الدول المجاورة..
وبنتائج الانتخابات على تلك الطريق، ربما يقول من انتخب ومن قاطع أن هذا الشعب يريد التغيير لكن في التوقيت الذي يختاره هو وليس على توقيت الأحزاب والقنوات الفضائية المغرضة.. ويريد التغيير بالطريقة التي يراها مناسبة، وليس كما يطالب بها الآخرون..
ويريد التغيير ليس على الطريقة الليبية (العنف) أو المغربية (الانتخابات) بل يريد ابتكارا جزائريا قد يعجز الجميع أو يفجعهم، لأن اكتساح الأفلان لن يزيد الشعب إلا إحباطا والشباب احتقانا وعلينا جميعا أن نترقب التغيير مثلما يريده الشعب وليس مثلما يريده الآخرون.