-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأمنيزيا.. التاريخية

عمار يزلي
  • 352
  • 0
الأمنيزيا.. التاريخية
أرشيف

عندما يتحدث، اليوم، تقرير المؤرخ الفرنسي، “بن جامين ستورا”، عن “الذاكرة”، يبدو وكأنه يريد أن يعانق الضحية الجلاد، ويطلب منه النسيان والصلح.. وهذا، في ظل إنكار استعماري كلي لممارساته العنصرية، وغير الإنسانية، ضد شعب بأكمله، وطيلة 132 سنة. ملف الذاكرة، كما يبدو من خلال التقرير، محاولة للتضليل وإنكار حق الجزائريين في المطالبة بالتعويض وبالاعتراف بجرائم فرنسا، فيما تذهب محاولة ماكرون عن طريق تقرير “ستورا”، إلى ستر عورات النظام الفرنسي، الذي كان ولا يزال يترنح على وقع الثورات والثورات المضادة ضد الملكية، والتراوح ما بين الجمهرويات والملكيات والإمبراطورويات، وصولا إلى صراع اليمين واليسار في الانتخابات.

أكثر من 130 سنة من التدمير.. ولكن أيضا، من المقاومة التشعبية النشطة والصامتة والرمزية، و”ستروا” يعرف هذا المستور، لكن لدواع سياسية، يقفز على التاريخ وعلى التأريخ، ليسقط في حمإ السياسة الكولونيالية، التي كثيرا ما انتقدها مؤرخا.

يعرف بنجمامين ستورا جيدا كيف بدأت وكيف تشكلت وتطورت أساليب ومظاهر المقاومة الثقافية للاحتلال الفرنسي للجزائر، منذ السنوات الأولى للغزو، يعرفها مجسدة في أشكال الرفض المسلح والمقاطعة للإدارة الفرنسية، وباقي مؤسساتها، لاسيما الجهاز المدرسي.

كما يدرك أن هذه المقاومة اتخذت أشكالا من الرفض- العنف والرفض- المقاطعة والرفض- المعارضة، مما شكل في نهاية المطاف تحديا وصمودا طويل النفس، رغم كل وسائل الضغط والإبادة والتليين الجماعي للقبائل

المتمردة. فصمود الثقافة الجزائرية، كان صمودا ضد الذوبان، وضد المسخ الثقافي، الذي عمدت إلى انتهاجه الإدارة الكولونيالية، بعدما وجد الجزائريون أنفسهم مرغمين على الرضوخ للأمر الواقع، لاسيما بعد حملة الاختطاف، التي انتهجتها السلطة الاستعمارية، في بداية الاحتلال، في حق أبناء زعماء وقادة المقاومة المشهورين، وإرسالهم إلى فرنسا، للانضمام إلى المدارس الثانوية العسكرية، لتجعل منهم في ما بعد “قادة الأهالي”.

كما أنه يعرف جيدا كيف أقدمت قوات الإدارة الاستعمارية، سنتي 1867 و1868، على تعميد وتنصير الآلاف من الأطفال الجزائريين اليتامى بالغضب والقوة، إثر قيام الكاردينال «Lavigerie » بجمع هؤلاء، بعد المجاعة الكبرى التي سببتها القوانين الجائرة المتعلقة بالملكية العقارية، ما أدى إلى هلاك 500 ألف من الأهالي، التي كانت وراء انتشار المقاومة الثقافية السياسية، واتساع رقعتها الجغرافية.

كما أنه يدرك جيدا، باعتباره مؤرخا للحقبة، أن هذه الممارسات الاحتلالية الموسعة لكسر مقاومة الشعب الجزائري الثقافية، اتخذت أشكالا مغايرة في مناطق أخرى ذات نسيج ثقافي حضاري مغاير، كما هو الشأن في بلاد القبائل وفي منطقة الجنوب الجزائري (التوارق)، حيث شجعت السلطة الاحتلالية بشكل كبير الحملات التبشيرية، وعملت على نهج الوصول إلى ضرب الثقافة والوجود البربري بالجزائر، بالثقافة العربية والوجود العربي بها. هذا المسعى، اشتغل عليه طويلا منظرو الحقبة الكولونيالية كلها بدءا من “د.فارنيي” (warnier)- المنتمي إلى الاتجاه “الكولونيست”، المشهور بقانونه العقاري “قانون فارنيي”، الذي ساهم في تحطيم الملكية العقارية الجماعية، ومعها البنية الاجتماعية القبلية العربية والبربرية على السواء- هذا المنظر للاتجاه “المعمري”، كان رائد فكرة “ضرب العربي بالبربري”، على أساس أن “البربر- السكان الأصليين- لا توجد صعوبة في اندماجهم، عكس العرب الأجانب، الذين هم مصدر الفوضى”. كما كان صاحب الاقتراح الرامي إلى بربرة “المجتمع الأهلي” كله، لأنه “عن طريق بربرة المجتمع الأهلي” سوف يحدث الاندماج دون هزات بعد زوال القبيلة”.

إنه يعرف كثيرا عما جرى ويجري إلى اليوم.. لكنه يتناسى. إنه مرض نسيان الذاكرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!