-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإمام الإبراهيمي ومجلسُ الأمن

الإمام الإبراهيمي ومجلسُ الأمن

قال الفيلسوف الألماني كَارْلْ يَاسْبرْزْ (1883-1965) في كتابه «القنبلة الذرية ومصير الإنسان» ما معناه: لقد نَجَمَ عن الحرب العالمية الثانية أمران لهما أثرٌ سَيّءٌ على مستقبل الإنسان هما: القنبلة الذَّرِّيَة ذات التدمير الشامل، و”مجلس الأمن” الذي يضرب مَبْدَأَيْ “العدل والمساواة” بين الأمم في الصميم.
لقد نَبَّهَ كثيرٌ من حُكَمَاء العالَمِ ومُفَكّريه إلى خَطَرِ هذين الأمرين على الإنسانية ومصيرها، فدَعَوْا إلى التخلُّصِ من هذه القنبلة المشؤومة التي رأى الناس جميعا خطرها الكبير بعدما ألقَى المجرمون الأمريكيون قنبلتين منها على مدينتي هيروشيما ونَجَازاكي اليابانيتين فأصبحتا أَثَرًا بعد عين، كَأَنْ لم تَغْنَيَا بالأمس.. وقد صارت تلك القنبلتان كَـ«لعبتي أطفال» مُقارنة بما أنتج بَعْدَهما من قنابل، التي تختزن «بضع دول» منها ما يدمر العالَمَ كُلَّهُ في طَرْفَةِ عين، واللعنة الأبدية على فرنسا المجرمة التي جَرَّبَتْ قَنَابِلَها الذَّريَّة في أرضنا بأمر من مُجْرِمها الأكبر دوغول، الذي يسمي كثيرٌ من الدول “القابلة للاحتقار” شوارَعها باسمه..
وأما ما يسمى “مجلس الأمن” فآخِرُ من سمعناه ينتقد وضعه هو الأمين العام للأمم المتحدة الحالي، السيد انطونْيُو غُوتِيرِيشْ، الذي قال في الاحتفال بـ«اليوم العالمي للمناضل الإنساني نِيلْسُون مَانْدِيلَا»: «نحتاج إلى إصلاحٍ جوهري لمؤسساتنا الدولية.. والحاجة إلى سَدِّ فجوة العدالة العالمية أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مَضَى». (الخبر في 22/07/2023 ص24).
مشكلتنا نحن المسلمين الكبرى، أو مشكلة “نُخَبِنَا” أننا نُحِسُّ بالدُّونِيَّة أمام الغَرْب خاصة، فلا نُحِبُّ أو لا نَعرِفُ كيف نعرض قِيَمَنا الإنسانية على العالَمِ، ومن هذه القيم النبيلة ما سمّاه الأمين العام للأمم المتحدة الحالي مبدأ «العدالة العالمية»، التي يأمرنا دينُنا الحنيف بإقامتها ولو مَعَ أعدائنا، إذ يقول الله –عز وجل-
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [سورة المائدة، الآية:8].. وهذا العدل مطلق ويشمل الأعمال والأقوال والأموال في جميع الأحوال.. بينما يرى الغربُ مُمثَّلًا في أحد “إنْسَانِيِّيِه”، وهو ألبير كامو، أن «الأمّ قبل العدالة». (انظر أحمد طالب الإبراهيمي: من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية ص243).
إن أكثر الناس جَهْلًا بتراث علمائهم وزعمائهم، واستقلالًا لقيمتهم، وعدم التعريف بهم، والترويج لأفكارهم القيمة، وآرائهم الرشيدة هم نحن الجزائريين الذين اختصر الشيخ أحمد حماني موقفهم بقوله: «تحقرو سلعة بلادكم».
إذا كان بعض فلاسفة العالَم وبعض مفكريه لم يكتشفوا هذا الظلم الذي أُلْبِسَ لباس العدل المتمثل في «مجلس الأمن» إلا منذ بضع سنوات؛ فإن «فخر علمائنا» الإمام محمد البشير الإبراهيمي رأى ذلك الظلم يوم استَهَلَّ هذا «المولود المشؤوم» في نهاية الأربعينيات فكتب قائلا: «مجلس الأمن مُخيف، والرَّاضِي بحكمه ووضعه ذو عقل سخيف» (البصائر في 7-3-1949. آثار الإبراهيمي 3/523).
كنا نودّ لو أن الأخ ابن بلة عندما ذهب ليرفع علم الجزائر في الأمم المتحدة في أكتوبر 1962، وخطب أمام ممثلي دول العالَم دخل ذلك المبنى تحت شعار الإمام الإبراهيمي، وشعار المكافح ماسينيسا «إفريقيا للأفارقة»، ولكنه كم يفعل جهلا، أو استقلالا، أو احتقارا. فعلى العالم إن أراد أن لا يكون عقله سخيفا أن يثور على “مجلس الأمن” ووضعه وحكمه كما نصح «الحكيمُ» كما وصف الإمامُ ابن باديس أخاه الإمام الإبراهيمي؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!