-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإمام في بعثة الحجّ.. مرشدٌ دينيّ أم واقٍ من الصَّدمات؟

جمال غول
  • 472
  • 0
الإمام في بعثة الحجّ.. مرشدٌ دينيّ أم واقٍ من الصَّدمات؟

إنّ وجود الإمام ضمن أعضاء البعثة لأداء مهام الإرشاد الدِّيني لا غنى عنه، لحاجة حجّاجنا إلى إرشاد وتوجيه صحيحين واضحين من أجل أداء المناسك على الوجه المطلوب، بل إنّ وجود الإمام المرشد في البعثة أولى من المرافقة الصِّحيّة، ومرافقة الحماية المدنية التي يمكن تعويضهما بالخدمات الصِّحية السّعوديّة، والتعاون بين الحجّاج.
كما أنّ وجود الإمام وجوداً أساسيّاً في البعثة غير كاف ما لم يزوَّد بالخبرة والتّجربة الميدانيّة التي تصقل فقه الحجّ الذي درسه عند شيوخه، ودرّسه في مسجده، وذلك لا يزال غائباً عن الإستراتيجية المعتمدة لدى بعثة الحجّ الجزائريّة.
كما أنَّ تكليف الإمام بالمرافقة خارج المجال الدِّيني ليس بالخطأ البسيط فحسب، بل هو خطأ في الإستراتيجيّة العامّة لبعثة الحجّ، وذلك ما سأبيّنه من خلال الوقائع التي شهدتها في الموسم الماضي بالذّات، وفي المواسم السّابقة.
إنّ تفرّغ الإمام لمهام الإرشاد الدِّيني والمرافقة الميدانيّة أثناء أداء المناسك سيحُلّ كثيراً من المشاكل التي يتخبّط فيها الحجّاج بفعل التّنظيم غير المحكم أحياناً، وبفعل النّقائص التي لا يتقبّلها الحاجّ عادة أحياناً أخرى، إذ إنَّ توفير الإجابات الشّافية لأسئلة الحاجّ، ونجاحه في أداء مناسكه كاملة بمرافقة الإمام يُشعره بالطّمأنينة والسّكينة التي تقوّيه على تجاوز المشاكل التّنظيميّة المتعلّقة بالإسكان والإعاشة وغيرهما، بخلاف إذا لم يجد الحاجّ من يجيبه عن أسئلته لإزالة حيرته، ومن يُعينه بالمرافقة لأداء مناسكه كاملة، فإنّ نفسيّته ستكون لها من القابلية لعدم تقبّل النّقائص، ما يجعله ينتفض، وربما يتصرّف بما لا يُحمد عقباه.
إنَّ تكليف الإمام بالمرافقة الدِّينية يتطلّبُ منه القيام بعدّة أدوار، وليس دوراً واحداً كما قد يُتصوّر؛ فهو من يرافق الحجّاجَ في جميع الزِّيارات في المدينة المنوّرة شارحاً وموضّحاً ومنبّهاً إلى الدروس والعبر، وهو من يجب عليه المداومة في مكتب الفتوى في بهو الفندق ليجيب عن أسئلة الحجّاج الدِّينيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وحتّى التّنظيميّة التي من المفروض أنّها من اختصاص أعضاء المكاتب الميدانيّة، ويا ويله إذا لم يُجب على أيّ سؤال، أو أجاب إجابة لم تقع على هوى السّائل. وهو الذي يُقدِّم الدّروس في مصلّى الفندق أو مطعمه، يشرح فيها خطوات المناسك، ويتحدّث عن مقاصدها، وما ينبغي للحاج استشعارها أثناء تأديتها، وكذا الأخلاق المطلوب التّخلّق بها.
وهو الذي يرافقهم أثناء الطّواف والسّعي والرّمي، وربما حتّى الحلْق أو التّقصير، ويخطب فيهم خطبة عرفة، ويُصلِّي بهم في الخيام أيّام منى، كما كان يُصلِّي بهم في مصلَّى الفندق بالنِّسبة للحجّاج الذين لا يتنقلون للحرم.
وفوق ذلك يُطلب منه تنظيم الحجّاج أثناء تناولهم وجبة العشاء خاصّة، وهي الوضعيّة التي لا تليق بالإمام عندما تراه يوزّع الصّحون أو السّلاطة أو الفاكهة على حجّاج متذمّرين من نوعيّة وكميّة الوجبة، ومن طول الطّابور، ومشقّة الانتظار فيه، فإن حاول الإمامُ توجيه أحد المتذمّرين بعدم أخذ أكثر من حقِّه مثلًا، فسيُسمعه وابلًا من الكلام، يتمنّى أن تنشقّ الأرض فيدخلها ولا يسمعه. وهذا كلّه واقعٌ في مطاعم الفنادق، أمّا في مخيَّمات منى فحدِّث ولا حرج، إذ أنّ الوجبات لا تكفي جميع الحجّاج، ويُطلب من الإمام توزيعها ليجد نفسه أمام فيضان جارف لا قِبَل له به.
ويُكلَّف الإمامُ بإسكان الحجّاج خاصّة في مخيمات منى، حيث يتهرّب بعض رؤساء المكاتب الميدانيّة من أداء مَهمّتهم، حتّى لا يقعوا في مواجهة النّاقمين الهائجين من الحجّاج الذين لم يجدوا مكاناً يأويهم في منى، بل وأحياناً يوجّهونهم إلى الأئمّة ليكونوا هم “البارشوك” لمعضلة السّكن الخالدة في منى!
ولما وقع تهافتٌ كبير على ماء زمزم الذي يوزَّع في الفنادق، وفضّاً للنِّزاع وتجنّباً لتلك الفوضى، تمّ الاتفاق بعد اجتماع البعثة على تكليف الإمام بأن يقف على مدخل الفندق ويقوم بتوزيع الماء على الحجّاج، كما كان الحال في العام الماضي في فندق ميعاد المجد، رغم وجود أعضاء الحماية المدنيّة في تلك الفنادق، إلّا أنه تمّ إعفاؤهم من ذلك!
ومطلوب من الإمام أيضاً أن يُحرّر تقريراً يوميّاً يُضمّنه جميع النّشاطات اليوميّة التي قام بها، ومطلوب منه أن ينتقل يوميّاً لمقرِّ البعثة ولو كان يسكن بعيداً عنها، كالذي يسكن في منطقة غزة أو أجياد السّد!
وحتّى تلك الرِّيالات التي يتقاضاها، مطلوب منه أن ينتقل أيضاً لمقر البعثة، وكثيراً ما يجد أمين الصّندوق غائباً عن مكتبه، فيضطرّ للانتظار ساعاتٍ طوال، أو الرّجوع مرّة أخرى، وقد يتكرّر معه الأمر عدّة مرّات.
ومع كلّ هذه المهام لا يجد الإمام غرفة يسكن فيها، ليريح جسده المنهك، ويُرتّب أفكاره ليُجدِّد المرافقة ليوم جديد، إذ تمّ ترحيله عدّة مرّات من غرفة إلى أخرى، بل من فندق إلى آخر، كما وقع في فندق سيف المجد، وسرايدي، وروابي زمزم، وغيرها، وما ذاك إلّا لأنّ المرافقين عموماً لم يكونوا العام الماضي ضمن حسبة السّكن.
إنّ تكليف الإمام بمهام الإرشاد في جميع المجالات جرّ عليه الويلات، التي للأسف كانت أحد المعاول التي تُكسّر بها القدوات. عندما كُلّف الإمام بالقيام بجميع الأدوار تجرّأ عليه بعض الحجّاج بما لم يتجرّأ عليه من قبل، وسمع من الكلام ما وصل لدرجة الفحش والكفر أحياناً، وتعرّض أحياناً أخرى للتّحرّشات التي كادت أن تصل للعنف الجسدي والضرب! وما ذاك إلّا لأنّه بتلك المهام الزّائدة عن مهامه كإمام، أصبح بمثابة واقٍ للصّدمات لكلّ اعتراض عن أيّ خدمة لم تكن في المستوى، أو حتّى ولو كانت في المستوى ولم تعجب ذوق فلان أو علّان من بعض الحجّاج.
إنّ نجاح الحجّ في أهمّ أبعاده هو تعزيز مكانة وقدر الأئمّة في نفوس الحجّاج، حتّى إذا رجعوا من الحجّ كانوا داعمين لهذا القدر والمكانة عند بقيّة المواطنين، وذلك من أهمّ ما يُعتمد عليه في التّغيير المطلوب نحو الإيجابيّة اللّازمة والحضارة المنشودة، ولا مناص عندئذ ممّا يلي:
1- تفريغ الإمام المرشد للمجال الدِّيني دون غيره من المجالات الأخرى؛ تقوية للتّأطير الديني، وتجنّباً للمهازل التي تقع في حقِّ الأئمَّة.
2- تعزيز مكانة الإمام وقدره في البعثة بلباس خاصّ ومتميّز عن باقي أعضاء البعثة؛ ليتحمَّل كلّ عضو مسؤوليته كاملة.
3- تزويد الإمام بالخبرة والتّجربة الميدانيّة من خلال الدّورات التّأهيليّة التي يستفيد منها قبل موسم الحجّ.
وللأئمة المشاركين في البعثات أن يضيفوا من المقترحات التي تعزّز من مكانتهم وقدرهم في نفوس الحجاج.

تكليف الإمام بمهام الإرشاد في جميع المجالات جرّ عليه الويلات، التي للأسف كانت أحد المعاول التي تُكسَّر بها القدوات. عندما كُلّف الإمام بالقيام بجميع الأدوار تجرّأ عليه بعض الحجّاج بما لم يتجرّأ عليه من قبل، وسمع من الكلام ما وصل لدرجة الفحش والكفر أحياناً، وتعرّض أحياناً أخرى للتّحرّشات التي كادت أن تصل للعنف الجسدي والضرب!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!