-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإنشاء والتسويف

الإنشاء والتسويف

خلال مناقشة مخطط عمل الحكومة في المجلس الشعبي الوطني، ذكر النواب في مداخلاتهم كلمتي “الإنشاء والتسويف” بتكرار لفظي، وهم يشيرون إلى حقيقة هذا المخطط، الذي أكثر من الكلام من دون توضيح رقمي أو زمني يُشفي الغليل.

لقد قدمت الحكومة مخطط العمل، وبنت الجمهورية الفاضلة والثرية التي ينتظرها عامة الجزائريين، ولكنها ركّزت على جماليات اللغة، ورجاء التسويف، فشعر النواب بأنهم أمام كتاب “البيان والتبيين” للجاحظ، أو “حديث الأربعاء” لطه حسين، وليس أمام حلول جاهزة لأزمات متشعبة مليئة بالأرقام المفزعة التي تنتظر خططا دقيقة بأرقام حاسمة تغيّر البلاد إلى الحلم الجديد.

وإذا كان غالبية النواب الذين انتقدوا الإنشاء، قد ردّوا بالإنشاء أيضا، بل إنهم كانوا أول من رفع يده مبايعة لمخطط العمل، حيث كانت الجلسة عبارة عن استعراض لغة، فإن الجديد هذه المرة هو أن بعض النواب كانوا تحت المجهر وأمام الملأ، ولم يمنعهم تواجد رئيس الحكومة من الإدلاء بآرائهم على مسامعه، وظهروا أكثر حرصا على مصير المواطنين من خلال “الإنشاء” الذي قصفوا به “إنشاء” الحكومة، قبل أن يستسلم غالبيتهم برفع الأيدي من دون الخروج من العالم الافتراضي الذي عشناه على مدار عقود من “الثورات الصناعية والزراعية والقرى الاشتراكية ومن أجل حياة أفضل والعمل والصرامة لضمان المستقبل، وبلاد العزة والكرامة”، وهذا في حدّ ذاته أضعف الإيمان.

لقد فقد المواطن خلال السنوات الأخيرة حاسة السمع، من تكرار “رعد” المسؤولين، وما عاد يؤمنُ سوى بحاسَّة البصر، يطلب فيها مشاهدة الوعود على أرض الواقع، تزامنا مع الأقوال. وواضحٌ أن النواب قد أوصلوا للحكومة طلبَ الناس الأول، وهو الدخول في موضوع العمل مباشرة، وليس الدوران من حوله في طواف سيضيّع علينا مزيدا من الوقت والأعصاب، وأوصلوا رسالتهم للسلطة أيضا وهي استعدادهم الدائم للموافقة على أيِّ مخططٍ برفع الأيدي إعلانا عن الموافقة.

لم يعُد هناك وقتٌ للكلام ولا للاستماع ولا للشعارات، فقد شرب المواطنون من هذه الكأس إلى حدّ الثمالة، وصار الانتقال إلى التنفيذ هو المبتغى، وكان فعلا مطلب النواب الملحّ مع قبول ضمني من الحكومة، إذ لاحظنا ولأول مرة منذ عقود، محاولة اجتهاد من الطرفين من أجل الصالح العامّ، على أمل وضع حجر أساس لممارسة جديدة، بعيدا عن الأداء القديم الذي كان أشبه بالكرنفال بين حكومة لا يدري وزراؤُها ما يقولون ولا يدري نواب الأمة ما يستمعون، فتبدأ القصة بالألغاز وتنتهي برفع الأيادي.

صحيحٌ أن مخطط عمل الحكومة كان فيه الكثير من الكلام الإنشائي الممزوج بالتسويف، وصحيحٌ أن ردود بعض النواب لم يرتق حتى للمتوسط، وأصاب المواطنين بالخيبة وبالحسرة، وصحيحٌ أيضا أن جينيريك القصَّة بقي برفع الأيدي، إلا أن الأمل مازال قائما في بعض التغيير في الجلسات القادمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!