-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البراءة من المسلمين تحت ستار البراءة من المشركين

سلطان بركاني
  • 5853
  • 0
البراءة من المسلمين تحت ستار البراءة من المشركين

على خلاف أعوام سابقة، سيخلو حجّ هذا العام من المسيرات التي دأب الحجّاج الإيرانيون على تنظيمها في مكّة المكرّمة، بعد الخلاف الذي نشب بين إيران والسّعودية حول التّوقيع على الإجراءات التي أقرّتها الأخيرة لمنع تسييس الحجّ، على حدّ قولها؛ مسيرات يرفع خلالها الإيرانيون شعارات ظاهرها المناداة بالبراءة من أعداء الدّين والملّة من الصّليبيين والصّهاينة، ولكنّ باطنها الذي يدلّ عليه توقيتها ومكانها، يشي بأنّ البراءة ليست فقط من أمريكا وإسرائيل، وإنّما هي حقيقة وأساسا من أعداء آخرين لا تتورّع مصادر الشّيعة عن التّصريح بأسمائهم وصفاتهم.

تساؤلات مهمّة

قبل الرّجوع إلى مصادر الشّيعة وإلى تصريحات بعض مراجعهم لكشف اللّثام عن حقيقة هذه البراءة، نحبّ أن نسأل: لماذا تنادي إيران بإظهار هذه البراءة فقط في مكّة والمدينة، في وقت انشغال المسلمين بأداء مناسك حجّهم، وهي التي لم تستنفر شيعتها لإظهار هذه البراءة في العراق الذي رزخ تحت نير الاحتلال الأمريكيّ الصّليبيّ لأكثر من 8 سنوات، ولاتزال قواعده جاثمة في بلاد الرّافدين؟ لماذا لم يُظهر الشّيعة هذه البراءة في هذا البلد الذي يشكّلون فيه أكثرية، حسب إحصاءاتهم؟ لماذا لا نرى شعارات وشعائر البراءة من أمريكا وإسرائيل في موسم عاشوراء الذي يقارب فيه عدد المتوافدين على كربلاء عدد حجاج بيت الله الحرام وربّما يزيدون؟ أين هذه البراءة في موسم “زيارة عرفة” التي يتباهى الشّيعة بأنّ عدد الوافدين على كربلاء لأداء مناسكها يتجاوز مليوني زائر؟

إنّنا ننكر أشدّ الإنكار سماح السّعودية ودول الخليج بوجود قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها التي سالت عليها دماء الصّحابة والتّابعين، وننادي بإخراج المشركين من جزيرة العرب تنفيذا لوصية الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، لكنّنا ندعو إيران أيضا إلى وقف تحالفها الخادع مع الأمريكان لاقتسام غنائم الشّرق الأوسط، وتحالفها المقيت مع الشّيوعيين الرّوس، ومراجعة دعمها لوجود قواعدهم في طرطوس السّورية، وقبولها باحتضان قواعدهم على أرضها، وندعوها أيضا إلى البراءة من الصّهاينة في الجولان، ومن قوات اليونيفيل المرابطة في جنوب لبنان لحماية حدود الصّهاينة! وإذا كان لابدّ من مسيرات براءة في أيام الحجّ، فلتكن البراءة من المشركين المحاربين بمختلف أشكالهم وألوانهم، ولتكن المناداة بإخراجهم من أراضي المسلمين كلّها.

البراءة من المشركين في مصادر الشّيعة هي البراءة من الصّحابة المرضيين ومن عباد الله المسلمين

البراءة من المشركين هي أحد أركان كلمة التّوحيد “لا إله إلا الله”، لكنّ الشيعة لمّا حرّفوا معنى الشرك، حرّفوا معه مدلول البراءة من المشركين؛ فالشّرك الأعظم عندهم ليس هو الشرك بالله الواحد الأحد، وإنّما هو الشرك في الإمامة، ويحصل بإشراك أيّ شخص آخر مع الأئمة الإثني عشر في منصب الإمامة؛ ورواياتهم وأقوال علمائهم في هذا أكثر من أن تعدّ أو تحصى، يقول شيخهم أبو الحسن الشريف: “إنّ الأخبار متضافرة في تأويل الشّرك بالله والشّرك بعبادته بالشرك في الولاية والإمامة” (مرآة الأنوار: ص202)، ويقول شيخ الإسلام عندهم محمد باقر المجلسي: “وحاصل الكلام أنّ آيات الشّرك ظاهرها في الأصنام الظاهرة وباطنها في خلفاء الجور الذين أشركوا مع أئمّة الحقّ ونصبوا مكانهم، فقوله سبحانه: ((أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)) أريدَ في باطنها باللات الأول وبالعزى الثاني وبمناة الثالث، حيث سمّوهم بأمير المؤمنين وبخليفة رسول الله -صلى الله عليه وآله- وبالصدّيق والفاروق وذي النورين وأمثال ذلك” (بحار الأنوار: 48/ 96). ويقول المجلسيّ أيضا: “اعلم أنّ إطلاق لفظ الشّرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمّة من ولده عليهم السّلام وفضّل عليهم غيرهم يدلّ على أنّهم كفّار مخلّدون في النّار” (بحار الأنوار: 23/ 390)، ولا شكّ في أنّ أغلبية المسلمين، وفق هذا المعيار، كفّار مشركون مخلّدون في النّار! لأنّهم كما يعتقدون صحّة خلافة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، يعتقدون أيضا صحّة خلافة وإمامة أبي بكر وعمر وعثمان قبله.

البراءة من المسلمين مقدّمة على البراءة من المشركين!

البراءة عند الشيعة تتبع معنى الشّرك عندهم، فهم لا يتبرؤون من اليهود والنّصارى بقدر براءتهم من المسلمين الذين أشركوا في الإمامة. يلخّص المجلسي في كتابه “حقّ اليقين: ص519” عقيدة البراءة عند الشّيعة فيقول: “وعقيدتنا في التبرّؤ أنّنا نتبرّأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، والنّساء الأربع: عائشة وحفصة وهند وأمّ الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم وأنّهم شرّ خلق الله على وجه الأرض”، ويقول في كتابه “الاعتقادات: ص90-91”: “وممّا عدّ من ضروريّات دين الإماميّة: استحلال المتعة، وحجّ التّمتّع، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد بن معاوية، وكلّ من حارب أمير المؤمنين –صلوات الله عليه- أو غيره من الأئمّة، ومن جميع قتلة الحسين صلوات الله عليه، وقول (حيّ على خير العمل) في الأذان”.

البراءة بعد قيام دولة الخميني

البراءة في معتقد الشّيعة لا تختصّ بزمان دون زمان، بل تستمرّ إلى غاية ظهور مهديهم المزعوم؛ فقد أورد المجلسي في كتابه (بحار الأنوار: 53/ 132) رواية طويلة تقول بأنّ دولة المهدي التي يترقبون قيامها تقوم على دعوة النّاس إلى البراءة من الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! وقد كان تاريخ الشّيعة حافلا بإسرار هذه البراءة تارة، وإعلانها تارة أخرى، بحسب تذبذب حالهم بين الضّعف والقوة.

بعد قيام الدولة الخمينية، أحيى مراجع الشّيعة وسياسيوهم عقيدة البراءة ونادوا بها تحت ستار البراءة من الأمريكان والصّهاينة، وبدأت الصّحف والمجلاّت الإيرانيّة تعزف على وتر “احتلال بلاد الحرمين” من طرف “الوهابيين” المتحالفين مع الأمريكان، وتنادي بتحريرها من قبضة الوهابيين “النّواصب”، ومن ذلك ما نشرته مجلة الشهيد الإيرانية –لسان حال علماء الشيعة في قم بإيران– في عددها (46) الصادر بتاريخ: 16 شوال 1400هـ، حيث أظهرت صورة تمثل الكعبة المشرّفة وإلى جانبها صورة المسجد الأقصى المبارك وبينهما يد قابضة على بندقية وتحتها تعليق: “سنحرّر القبلتين”!، وجعلت إيران الرّسميّة ترسل مواطنيها الذين ينتمي كثير منهم إلى الحرس الثّوريّ، بحسب شهادات بعض المهتمّين بهذا الملفّ، لإثارة الفوضى في مكّة والمدينة، وقد سجّلت وسائل الإعلام ما أحدثوه في البلد الأمين في السّنوات التي تلت قيام الثّورة الخمينيّة، حيث وصل بهم الأمر إلى حدّ التّفجير وإزهاق الأرواح وإسالة الدّماء، وإلى حدّ احتلال محيط الكعبة المشرّفة، هذا ناهيك عن المسيرات التي تنطلق خلالها الشّعارات الطّائفيّة، وتنتشر فيها الفوضى ويروّع الحجّاج وتخرّب المرافق العامّة والممتلكات.

تلطيخ الكعبة بالدّماء للتّعجيل بظهور المهديّ المنتظر

إسالة الدّماء في مكّة المكرّمة وحوالي الكعبة المشرّفة، تأتي تنفيذا لعقيدة شيعيّة لا يتورّع أصحاب العمائم عن التّرويج لها، لأجل التّعجيل بظهور الإمام الغائب، مفادها أنّ من علامات ظهور المهديّ المنتظر أن تتلطّخ الكعبة بالدّماء، وقد انتشر في بعض الأوساط الشّيعيّة في السّنوات الماضية فيلم مصوّر يروّج لهذه النّبوءة، قام بإنتاجه أحد الشيعة الباكستانيين المقيمين في بريطانيا تحت عنوان (313)، وهو مترجم من الإنجليزية إلى العربية والفارسية والفرنسية والأردية، ويتحدّث عن علامات ظهور “المهدي المنتظر”، مشيرًا إلى أنّ ظهوره مرتبط بعلامتين كبيرتين، الأولى تحققت وهي سقوط العراق، والثانية اقتربت وتتمثل في حدوث فوضى عارمة في مكة المكرّمة في موسم الحجّ، تتخلّلها إراقة الدّماء حتى تتلطخ أستار الكعبة بها. فيظهر المهديّ الغائب ومعه مجموعة من 313 شيعي يقودون الشيعة لسيادة العالم وحكمه.

عقيدة البراءة ليست مرتبطة بآل سعود ولا بالوهّابيين

بقي أن نذكر أنّ هذه البراءة التي يروّج لها ملالي إيران لم تأتِ كردّ فعل لحكم آل سعود وتحالفهم مع الأمريكان، ولا لظهور دعوة محمّد بن عبد الوهّاب، وإنّما لأسباب تمتدّ إلى القرون الأولى؛ فبالإضافة إلى حقدهم على الصّحابة وعلى كلّ من يتولاهم ويحبّهم ويدافع عنهم، فإنّ وجود قبري أبي وعمر رضي الله عنهما إلى جانب قبر النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، يشكّل غصة وشوكة في حلوق القوم، وهم ينتظرون اليوم الذي يخرج فيه مهديهم الغائب ليُخرج الشّيخين من قبريهما فيصلبهما ويحرّقهما؛ استنادا إلى روايات يستشهد بها أساطين مذهبهم، ومن ذلك ما أورده علامتهم نعمة الله الجزائري (من جزائر البصرة) في كتابه “الأنوار النعمانية: 02/85” عن أبي عبد الله عليه السّلام (جعفر الصادق) أنّه قال: “هل تدري أوّل ما يبدأ به القائم عليه السّلام؟” قلت (أي الراوي): لا. قال: “يُخرج هذين (يقصد أبا بكر وعمر) رطبين غضّين فيحرقهما ويذريهما في الريح، ويكسر المسجد”.

ولا تتوقّف رواياتهم عند الحقد والبراءة من خليفتي رسول الله (عليه الصّلاة والسّلام) أبي بكر وعمر، بل تمتدّ لتشمل أهل مكّة والمدينة جميعا، وقد نسبوا إلى الإمام جعفر الصادق –عليه رحمة الله- أنّه قال: “إنّ أهل مكّة ليكفرون بالله جهرة، وإنّ أهل المدينة أخبث منهم سبعين ضعفا” (أصول الكافي: 02/ 410).

ثمّ يأتي السّبب الأخير لتربّصهم بمكّة والمدينة وهو أنّهم يريدون أن يبنوا المساجد والمشاهد على قبور بعض أئمة أهل البيت المدفونين في بلاد الحرمين، كالحسن بن علي -رضي الله عنه- وعلي بن الحسين ومحمّد الباقر وجعفر الصّادق، عليهم رحمة الله، ولمّا حيل بينهم وبين مرادهم المخالف لوصايا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ووصايا أئمّة أهل البيت في النّهي عن تشييد القبور وبنائها، اشتدّ غيظهم وحنقهم على تلك البلاد، وهم ينتظرون على أحرّ من الجمر الوقت المناسب لتحريرها من الاحتلال السنيّ، لإلحاقها بالدّولة الشّيعية الكبرى التي يحلمون بها.

وماذا بعد؟

إنّه لو كان هذا الخلاف المتجدّد بين السّعودية وإيران حول مسيرات البراءة ومسألة البناء على القبور، ودفن أبي بكر وعمر بجوار النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، خلافا يخصّ الشّيعة و”الوهّابيّة”، لكان في وسعنا أن نلزم الحياد، لكنّه خلاف بين أمّة الإسلام وطائفة منها تريد أن تفرض شذوذاتها وعقدها المذهبيّة، متظاهرة بأنّ خلافها هو فقط مع “الوهّابيين”!. الوهّابيون سنيون يتقاطعون مع جمهور الأمّة في عقيدتهم ومصادرهم وفي حبّهم وذودهم عن أهل البيت الأطهار والصّحب الأخيار، ويختلفون مع باقي طوائف أهل السنّة في مسائل في العقيدة والفقه، لا ينبغي أن تحمل الأمّة على تسويتهم بالشّيعة الذين اتّفقت كلمة أئمّة الإسلام وعلماء المسلمين على مدار قرون متطاولة على ذمّهم والبراءة من عقائدهم وخياراتهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!