-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“البيت الأندلسي” في الدانمارك

“البيت الأندلسي” في الدانمارك

يخطيء من يتصوّر أن الدانمارك هي فقط بلد الرسوم المسيئة للرسول “صلى الله عليه وسلم”، فالمجتمع الدانماركي يحاول في السنوات الأخيرة الانفتاح على اللغة العربية وآدابها، ومعرفة الإسلام وحقيقة الحجاب، ووضعية المرأة في البلدان الإسلامية، ويسعى إلى فهم الجالية الإسلامية هناك في تنوّعها وفي بحثها عن سبل الاندماج في مجتمع “الآخر”.

وفي جامعة كوبنهاجن تدرّس اللغة العربية على مستوى البكالوريوس والماستر، وفي أوساط بعض الشباب الدانماركي تعطش وفضول لمعرفة تاريخ الحضارة العربية الإسلامية من أجل تجاوز الأحكام المسبقة والصوّر النمطية التي تشكّلت عن العرب طيلة قرون .

وفي المقابل، فنحن نجهل كلّ شيء عن الدانمارك، فما عدا الصورة التي تكوّنت عندنا عن رغد العيش في هذا البلد البعيد، نحن نجهل، بسبب انتماء اللغة الدانماركية إلى فصيلة اللغات الجرمانية وانتماء الدانمارك إلى الطائفة الأنجيلية، كلّ شيء عن الأغاني الدانماركية الجميلة التي ظهرت في القرن الخامس عشر، والمؤلفات الدينية في القرن السادس عشر، وحركة التجديد والابتكار في الأدب في القرن السابع عشر بتأثير من الأدب النرويجي. ولا أعتقد أن مسرح كاتبهم العظيم هولبرغ قد ترجم إلى اللغة العربية. أما مؤلفات يوهان جنسن، الذي حصل على جائزة نوبل عام 1944، فهي تكاد تكون مجهولة في الوطن العربي.

أما الأدب الجزائري فقد سافر، دون استئذان، إلى الدانمارك البعيدة سنة 1963 بترجمة رواية “نجمة” إلى اللغة الدانماركية، ولم تلق رواية كاتب ياسين، هذه، رواجا يذكر مقارنة بشهرتها في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى. ويبدو أن إشكاليات الأدب الجزائري ومواضيعه آنذاك لم تكن في صميم اهتمامات القارئ الدانماركي.

واعتبرت رواية نجمة “نخبوية”.

وقد انحصرت ترجمة الأدب الجزائري في فرعه المعبّر بالفرنسية. وهكذا ترجمت رواية آسيا جبار “ظل السلطان” بعنوان “شهرزاد وأختها”، ثم “الحب والفانتازيا” بعنوان “الحب والحرب”. وحازت آسيا جبار في الدانمارك على جائزة رفيعة هي جائزة “ألووا” التي تمنح عادة لكتّاب من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والمحيط الهادي، ونقلت إلى اللغة الدانماركية روايات مراد بوربون “المؤذن”، و”شرف القبيلة” لرشيد ميموني، و”قرية الألماني” لبوعلام صنصال. وحظيّت مؤلفات ياسمينة خضرة بأكبر اهتمام من الترجمة في الدانمارك، حيث ترجمت له أربع روايات هي “فضل النهار على الليل” و”الاعتداء” و”سنونوات كابول” و”صفّارات بغداد”.

وقد اشتهرت في الدانمارك في مجال الترويج للأدب الجزائري والتعريف به أسماء، منها عواطف جون ضاحي، وهي أستاذة اللغة العربية في جامعة كوبنهاجن، ومترجمة من العربية إلى الدانماركية والعكس، وهي تنحدر من أب سوري وأم دانماركية. تزوّجت عواطف فلسطيني، وأقامت معه فترة في الجزائر قبل أن ترحل، بسبب تردي الأوضاع الأمنية، للإقامة نهائيا بالدانمارك. آخر ما أنجزته عواطف جون ضاحي ترجمة رواية لعرج واسيني “البيت الأندلسي”، والترجمة، كما هو معروف، فن قائم بذاته، ولها تقنيتها وقواعدها الخاصة، والمترجم الناجح، هو من يتحرى الأمانة والدقة من أجل تأدية المعاني من لغة أجنبية إلى الصياغة الأصلية.

فكيف تعاملت عواطف جون ضاحي مع نصّ واسيني لعرج؟

تقول عواطف: “فما هو دورنا عندما نعزم على إيصال نصّ مثل “البيت الأندلسي” للقراء الدانماركيين؟. كما تعرفون تتسم كتابة لعرج واسيني الأدبية بشعرية تضفي على الكلمات أحيانا معان غير مقروءة بالعين والعقل. ويمتاز نص “البيت الأندلسي”، مثل بقية نصوصه، بحسيّة هي أحيانا سمعية أكثر منها بصرية، بمعنى أن نصّه يؤثر على سمع القارئ أكثر مما يدفعه للتصوّر الذهني، وفي مقاطع كثيرة يشعر القارئ بتصاعد وخفوت يشبهان ما نعرفه من المقاطع الموسيقية. فلكي ننجح، كمترجمين، في نقل مثل هذا النصّ إلى لغة أخرى يجب علينا التخلي عن حواجز العقل والاستسلام الكامل للنصّ لنستفيد من القراءة الترجمية، إن صحّ التعبير، التي تختلف عن القراءة العادية”.

في حديثي مع عواطف جون ضاحي لمست حبّها الكبير للأدب الجزائري المكتوب باللغتين، وهي تأسف أن أغلب المترجمين والنقاد الدانماركيين يحسنون اللغة الفرنسية فقط ويترجمون عنها. وكانت هي أول من خاض تجربة الترجمة من العربية “للبيت الأندلسي“.

في انتظار صدور النصّ الدانماركي “للبيت الأندلسي” في الربيع المقبل، نتمنى أن يحظى باستقبال حسن، وأن يكون تلقي القراء والنقاد له في مستوى جماله، وأن يساهم في رسم “أندلس”، هي بيتنا المشترك، تسكنه قيّم الحب والتسامح، وقبول الآخر، دون الإساءة إليه وإلى رموزه الدينية والحضارية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • لحضر

    اخي لا احد ينكر هذا... فالاوربيون يدرسون كل شيئ ويترجمون لاي مؤلف... بالاضافة الى ان الاهتمام بالثقافة الاسلامية في دول اوربا شائع منذ القدم ولان تلاحظ الانفتاح على العربية من قنوات وجامعات لفهم اكثر العقلية العربية خصوصا... ونحن تعرف مواقف الدول الاسكندنافية اتجاه القضية الفلسطينية.

  • اسحاق

    اتمنى العيش فى هدا البلد.