-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التربية المتوازنة

خير الدين هني
  • 316
  • 0
التربية المتوازنة

التربية الصحيحة المتوازنة، هي التي تجعل الفرد المسلم يسعد في حياته، حينما يشعر بحلاوة الإيمان تسري في أعماقه، وبطلاوة العبادة تدغدغ دواخله ومشاعره وإحساساته، كما تجعله يتحسّس خلجات نفسه، وهو يحسّن علاقاته مع نفسه وخالقه وبيئته الطبيعية والاجتماعية والكونية، وبهذه المشاعر السعيدة التي تُنشئها التربية السليمة في نفسه، يشعر الإنسان المسلم بأنه بلغ كماله الإنساني في التهذيب، وغايته القصوى في المتعة واللذة بطيب الحياة وعبقها وأريجها، رغم أن بعض الفترات من الحياة يكدّر صفوها بعض المنغصات من الفقر والبؤس والأمراض والأسقام والمصائب.

ولكن هذه المنغصات خلقها الباري سبحانه، لتكون امتحانا عسيرا للمؤمنين الصادقين الصابرين الثابتين على طريق الهدى والرشد، فهي التي تميز الإيمان العميق من الإيمان السطحي، الذي لا أثر له في النفس الإنسانية، ولا في التربية الحسنة والأخلاق والسلوك وطرق المعاملة مع الغير، وفي الوقت ذاته فإن هذه المنغصات تُعدّ سلاحا مزدوِجا له غايتان كبيرتان، الأولى ما ذكرناه من الامتحان للتمييز والتمحيص، والثانية: أنها السر في انقلاب المشاعر الحزينة من الإحساس بالحزن والأسى ومرارة الحياة، إلى الشعور بالمتعة واللذة بطيب الحياة، حينما تتغير ظروف الحياة من الضيق والشقاء والبؤس إلى السّعَة والسعادة والهناء والعافية.

يقول “فيكتور هيغو” فيما معناه، “إن مرارة الحياة وبؤسها هما من يمنح الإنسان الشعور باللذة والمتعة والحلاوة”، وهذه حقيقة واضحة وبيّنة، لأن الأشياء تُعرف إما بأمثالها ونظرائها تارة لمعرفة جواهرها ونفائسها وأصالة معادنها، وإما بأضدادها للوقوف على طعومها المادية والمعنوية، كالحلاوة والمرارة والشقاء والسعادة، وهي مشاعر عاطفية تسعد النفس أو تؤذيها، أو بتذوق نكهتها اللذيذة حينما تُؤكل أو تُشرب أو تُشمّ أو تُلمس، فالحلاوة لا نشعر بلذتها إلا حين نتجرّع مرارة البؤس والشقاء والآلام والجوع والعطش وعاديات الطبيعة بردا وحرا، وهكذا الحياة دواليك، يعني مرة بعد مرة، يوم لك ويوم عليك، خلافا لما تكون عليه حياة الدار الآخرة، نعيم وسعادة ومتعة ولذة وطيب عيش سرمدي أبدي، لا يعكّره بؤس ولا شقاء ولا هرم ولا موت ولا جوع ولا أمراض وأسقام وفاقة وحياة متقلِّبة.

والتربية الصحيحة التي يتلقاها الفرد المسلم، من عقيدته وحسن عبادته، هي ما يُقوِّم سلوكه ويزكي نفسه، وصيام رمضان في مقدمة العبادات التي تهذب السلوك وتزكي النفوس، وعادة ما يكون الفرد المسلم قد شغلته مطالب الحياة وشهواتها وملذاتها، أو السعي وراء طلب الرزق من مصادره، وقد تضنّ به الحياة فلا يلتمس خيرها وبرها حين تتعسّر ظروف طلبه، وهذا ما قد ينسيه الصلة بخالقه والالتزام بتعاليم دينه ووصاياه، فلما يحول الحول بحلول الشهر الفضيل، يستفيق هذا الغافل من غفلته ويراجع نفسه وأعماله، فإن وجد نفسه قد حادت عن طريق الهدى، رجع بها إلى الجادة وحملها على ما تكره من الصبر والمصابرة على الطاعات والعبادة والتقوى والتزكية، وهذا هو المطلوب من المسلم حين تنسيه المشاغل والمطالب وشهوات الدنيا وبريقها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!