-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التعريب.. معركة مفتوحة في الجزائر

التعريب.. معركة مفتوحة في الجزائر

أحيت تعليماتٌ وزاريّة، بضرورة استعمال اللغة العربية حصريّا في المعاملات الداخلية للإدارة، قضية التعريب غير المكتمل في الجزائر بعد ستة عقود من استرجاع السيادة الوطنية، حتى ظهر الأمرُ، في ظل ردة الهويّة التي عشناها، انتصارًا جديدا في وجه الفرانكوفونيّة الجاثمة على أرض الشهداء.

في الحقيقة أنّ معركة التعريب قديمة ببلادنا، فقد جعلتها النخبة والقيادة الوطنيتان منذ عهد الرئيس أحمد بن بلة، رحمه الله، على أجندة الأولويات الثوريّة، إدراكًا منها لخطورة العمل التخريبي للاستعمار الفرنسي طيلة 132 سنة من الاحتلال الاستيطاني.

لا يمكن اليوم التنكّرُ لجهود ومكاسب المراحل المتعاقبة من التدافع الثقافي واللغوي مع “حزب فرنسا” في دهاليز القرار الجزائري والإدارة العميقة، فقد تمكّن اللسان العربي مجدّدا بالمدرسة والجامعة والإعلام وكثير من المرافق العامّة ذات الاحتكاك بالمواطن.

 لكن من الشجاعة كذلك الاعتراف بأن المعركة الحضاريّة ضد الفرْنَسة في الجزائر وضعت أوزارها منذ 30 عامًا تقريبًا، فقد أدّى تغوّل التيار الفرانكو- استئصالي مع مطلع العشرية المأساوية إلى قبْر القانون 91/05 المتعلق بتعميم استعمال اللغة العربية في المهد، قبل تعطيله عمليّا مرة أخرى في العهد البوتفليقي، رغم إحياء الرئيس ليامين زروال لمضمونه مع تعديلات طفيفة بموجب القانون 96/30.

ومهما كانت مبرّرات عدم وصول المشروع إلى محطته النهائية، فإنّ استئنافه اليوم من مسؤولية هذا الجيل الذي سيبني على مُنجزات النضال الوطني، لأنّ العربية لا تزال غريبة في كثير من المواقع الرسميّة والمؤسسات العمومية، والأشدّ إيذاءً هو شعور الزائر العربي لمدن الجزائر الكبرى بأنها حواضر فرنسيّة لم تتحرّر من لسان فولتير في محلاتها ومطاعمها وساحاتها وحدائقها وخدماتها.

من العار تكريس المراسلات والتقارير والمداولات والمقررات في الإدارة الجزائرية بالفرنسيّة، ومثله حديث المسؤولين بها في كل محفل دون دواع واقعيّة، إلا التخاذل في الانتصار للغة العربيّة والاحتفاء بها في الداخل والخارج.

منْ يتعامل مع الإدارات الجزائرية، خاصة الاقتصادية منها والماليّة والسياديّة، مِنْ موظفين ومتعاملين وإعلاميين، يعلم حجم الردّة اللغوية لصالح الفرنسية من دون أي مسوغات سوى هوى القائمين عليها ونزعتهم الفرانكوفيلية، لأنّ ما يصدر عنها ليس سوى وثائق بسيطة، لا علاقة لها بالمسائل العلميّة والتقنيّة الدقيقة التي قد تخضع صياغتُها لطبيعة التكوين اللغوي لمحرِّرها، مع أنه يُفترض في كل الأحوال حلُّها بالترجمة عندما تحترم الشعوبُ الحرّة هويتها المقدّسة.

لا ندري إن كان أنصار التعريب يعلمون بأحكام القانون الجزائري التي تتيح لكل متضرر من استعمال الفرنسية، حق التظلّم والتقاضي ضد أي شخص أو هيئة يصدر عنها ذلك الفعل، إذ لم يسبق للمحاكم الوطنية، في حدود علمنا، استقبال دعاوى ضدّ انتهاك التعريب، وهذا بلا شكّ من أبرز مظاهر التقصير في الدفاع عن العربيّة.

إذا كان فضل السابقين محفوظًا في منازلة الطابور الخامس تمكينًا للغة القرآن، فإنهم قد نجحوا أيضا في إرساء قواعد قانونيّة لحماية العربية من جور المُفرنسين في عقر دارها، والدّورُ الآن عليْنا في تفعيل الآليات الحقوقيّة ضدّ أي تجاوز ومن أي طرف في حق الهويّة والقانون نفسه.

إنها دعوة علنيّة وفوريّة من اليوم لتجنّد المواطنين الواعين وأسرة المحاماة الوطنية لتحريك الملاحقات القضائيّة دون كلل ولا ملل، وبعيدا عن الأحكام الانهزاميّة المسبقة، لمطاردة كل خصيم مُبين لانتماء الشعب الجزائري، إذ ما ضاع حقٌّ وراءه طالب.

كما يتعيّن مواصلة النضال لمساعدة المجلس الأعلى للغة العربية على افتكاك صلاحياته الفعلية كهيئة تنفيذية مفترضة، تقف على تطبيق قانون التعريب، عوض أن يبقى مجرّد واجهة استشاريّة تذهب تقاريرها السنوية إلى سلّة المهملات أو الأدراج المغلقة.

إنّ مسألة التعريب معركة حضارية جوهريّة في بلادنا، تستلهم مشروعيتها من مبادئ أول نوفمبر الثورية ومن واقع المحيط العامّ المُفرنس خارج القانون وعكس إرادة الأغلبيّة، كما تستمدّ شرعيّتها من الأسس الدستورية والقانونية في التشريع الجزائري، ما يجعلها من جديد قضيّة مبدئية، ينبغي أن تنبري لها القوى الوطنية، من نخب أكاديمية وثقافية ومجتمع مدني وأحزاب سياسيّة وصحافة، وأن تتوحد حولها ضمن مشروع نضال واضح الرؤية والمنهج والوسائل.

بقي الإشارة إلى أنّ هذه الدعوة ليست بأي حال موقفًا عدائيّا ولا اقصائيا تجاه اللغات الأجنبية في بلادنا، حتى لا يتخذها البعضُ ذريعة ضدّنا، بل نحن مع تمكين أبنائنا منها في المدارس والجامعات بأقصى ما يمكن، بصفتها أدوات تحصيل معرفي وانفتاح ثقافي على الآخر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • فتيحة

    في الحقيقة يا سيدي الكريم .حقيقة لا يمكن اخفاءها.التعريب لن يحل مشكل الجزاءر ، الجزاءر مشكلتها الأساسية الأخلاق في جميع النواحي الاجتماعية و العلمية و.... .مادة الاخلاق مادة ضرورية من التعليم الابتدائي حتى البكالوريا.